الأربعاء
2024/05/8
آخر تحديث
الأربعاء 8 مايو 2024

هل ينجح بايدن في ما فشل فيه سابقوه؟!

13 يوليو 2022 الساعة 22 و53 دقيقة
هل ينجح بايدن في ما فشل فيه سابقوه؟!
قطب العربي
طباعة

زيارة الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط أحدثت هزات متباينة حتى قبل حدوثها، مما دفع قادة المنطقة إلى عقد اجتماعات وتبادل زيارات، وتسوية خلافات ولو مؤقتا قبيل تلك الزيارة.

الزيارة تستهدف تدشين “فصل جديد واعد” في الشرق الأوسط، بتعبير بايدن نفسه في مقاله الذي نشره بصحيفة واشنطن بوست، وما يقصده بايدن بالفصل الجديد الواعد هو إدماج إسرائيل في المنطقة، بحيث تبدو جزءا طبيعيا منها، لا كما كانت منذ تأسيسها جسما غريبا أو زائدة دودية تسبب الألآم والأمراض لجسد المنطقة كله.

إلى جانب هدف إدماج إسرائيل في المنطقة، وهو الذي يتخذ أشكالا متعددة برعاية أمريكية، وقد تُتوَّج بترتيبات أمنية إقليمية مشتركة (لا تزال محل نقاش او خلاف) فإن هناك أهدافا أخرى لجولة بايدن، منها تشكيل جبهة إقليمية داعمة للسياسة الأمريكية في مواجهة إيران مستغلا مخاوف العديد من دول المنطقة ذاتها من السياسات والممارسات الإيرانية، والهدف المباشر هنا هو استخدام هذه الجبهة ورقة ضغط على إيران خلال المحادثات النووية الجديدة معها بهدف إرجاعها إلى الاتفاق النووي السابق، ومن بين أهداف الزيارة أيضا ضمان إمدادات الطاقة من نفط وغاز العرب عوضا عن النفط والغاز الروسي والأوكراني، ناهيك عن دفع القادة العرب إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددا ضد روسيا في حرب أوكرانيا.

تعامل خاطئ مع الشعوب

يتصرف الرئيس بايدن مع القادة العرب الذين سيلتقي بهم باعتبارهم مجرد تابعين، لا يقوون على رفض مطالبه، وكل ما يهمهم هو ضمان الدعم السياسي الأمريكي لبقائهم في السلطة، وعدم تنغيص حياتهم بالحديث عن انتهاكاتهم لحقوق الإنسان، صحيح أن بايدن جدد في مقاله الأخير التزامه بحماية حقوق الإنسان في المنطقة، لكن ذلك لا يتعدى الحديث الشفهي دون اتخاذ إجراءات عملية قادرة بالفعل على إجبار هؤلاء الحكام على احترام تلك الحقوق.

يتعامل بايدن مع الحكام دون نظر إلى شعوب المنطقة التي يظنها شعوبا مغلوبة على أمرها، وغير قادرة على نيل حريتها وكرامتها، وهي نظرة خاطئة، ويُفترض أن يكون بايدن نفسه شاهدا على خطئها، فقد كان هو شخصيا (حين كان نائبا للرئيس أوباما) يراهن على صمود مبارك في مواجهة ثورة الشعب المصري في يناير 2011، ومع ذلك أطاحت الثورة بمبارك، ونجحت في إيصال أول رئيس مدني إلى حكم مصر لمدة عام قبل الانقلاب عليه، ومرة أخرى حين وقع ذلك الانقلاب كان بايدن في الجانب الخاطئ ضمن الإدارة الأمريكية التي انقسمت تجاه التعامل مع الحدث.

الحكام زائلون، والشعوب باقية، وهي تمرض لكنها لا تموت، وإذا كان للحكام قراراتهم وسياساتهم التي تخدم مصالحهم، والتي تستند إلى ما يملكونه من قوة مادية أو عسكرية (وليس شعبية) فإن للشعوب خياراتها التي تتمسك بها، وتضحي بالغالي والنفيس من أجلها، وعلى رأس هذه الخيارات حق الحياة الكريمة، وحق الحرية والكرامة، والاستقلال ورفض التبعية، ورفض التطبيع مع العدو الغاصب، وقد ناضلت الشعوب العربية دفاعا عن خياراتها، ودفعت أثمانا باهظة من أجلها، ونجحت في تحقيق بعضها، ولا تزال تناضل لاستكمال ما تبقى منها، ووفقا للسنن الكونية فإن النصر سيكون حليفها في نهاية المطاف.

رفض التطبيع مسلك شعبي عام

لنضرب مثلا برفض التطبيع مع العدو الصهيوني، فرغم كل المحاولات التي بذلها الرئيس الأسبق أنور السادات وسلفه مبارك في مصر فإنهما لم ينجحا في إقناع الشعب المصري بالتطبيع الذي ظل محصورا في أطر رسمية ضيقة، ولا تزال كلمة “العدو” تعني الكيان الصهيوني لدى الجيش والشعب على السواء، وهو ما تكرر في الأردن وتونس وموريتانيا وحتى المغرب، وهي الدول التي أقامت علاقات رسمية أو تجارية مع الكيان الصهيوني.

قد يستطيع بايدن إجبار أو إغراء الحكام العرب بمزيد من خطوات التطبيع، لكنه لن يستطيع فعل ذلك مع الشعوب العربية طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى في لبنان وسوريا، وطالما استمر التوحش الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني المقاوم.

مشروع بايدن ليس الأول، فقد سبقه رؤساء أمريكيون بمشروعات مشابهة، بدءا من أيزنهاور (الحلف المركزي)، ومرورا ببوش (الشرق الأوسط الجديد)، ثم ترامب “الإبراهيمية”، ولم تصمد تلك المشاريع في مواجهة الرفض الشعبي لها، وهذا ما ينتظر مشروع بايدن الجديد.

سريلانكا مصدر إلهام

لن تستمر الشعوب العربية في حالة المرض طويلا، فهذه الشعوب التي انتفضت لنيل حريتها عبر جولتين أولاهما في العام 2011 وشملت تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وطالت رياحها المغرب والبحرين، والثانية في 2019 وشملت الجزائر والسودان والعراق ولبنان، وطالت رياحها الأردن، لم تعد تحتمل المزيد من القهر والمهانة والفقر والتجويع والديون، خاصة وهي تشاهد انتفاضات غيرها من الشعوب، ونجاحها في انتزاع حريتها وكرامتها.

ولقد مثّلت انتفاضة الشعب السريلانكي، واقتحامه قصر الرئيس، مصدر إلهام جديد لهذه الشعوب المقهورة، كما أن الأوضاع العالمية الأخرى -مثل الحرب الأوكرانية ووباء كورونا والكساد العالمي- كلها تغذي رياح التغيير الذي أصبح مسألة وقت طال أو قصر.. وساعتها، سيتودد بايدن أو من يخلفه لخطب ودها لا ود حكامها.

المصدر : الجزيرة مباشر

قطب العربي
كاتب وصحفي مصري