الأربعاء
2024/04/17
آخر تحديث
الأربعاء 17 أبريل 2024

الشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيديا (المفتى): ليس من المقبول تدوير المفسدين وتقريبهم(نص الرسالة)

20 يوليو 2022 الساعة 09 و26 دقيقة
الشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيديا (المفتى): ليس من (...)
طباعة

كتب الشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيديا (المفتى) -حفظه الله رسالة وجهها إلى النظام الموريتاني والشعب الموريتاني قال فيها "على النظام أن يعين الشعب على السكينة والاستقرار بتلبية مطالبه وحاجاته، وإحكام العدل بين مكوناته وجهاته".. و"على الشعب أن يعىَ ذلك جيدا، ويحذر من التمزق والتفكك، والوقوع فى فخ الأعداء الذين زرعوا فى بلدنا كل أسباب التفرق عبر هيئات ومنظمات وشخصيات مشبوهة وشعارات مكشوفة".
وهذا نص الرسالة:
بسم الله
والصلاة والسلام على رسول الله
لا حرج على المسلم فى التعبير عن المظالم التى يتعرض لها من قِبَل النظام الحاكم، أو من قِبَل أخيه المسلم، فمن تعرض لظلمٍ مَّا ساغ له أن يجهر بالسوء من القول، إما بالدعاء على الظالم، وإما بذكر الظُّلامة وإعلانِها.
والأصل فى هذا قول الله عز وجل: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِم).
قال الطبرىّ فى تفسيره:
"الصواب فى تأويل ذلك: لا يحب الله، أيها الناس، أن يجهر أحدٌ لأحد بالسوء من القول"إلا مَن ظُلم"، بمعنى: إلا من ظُلم، فلا حرج عليه أن يخبر بما أُسِىءَ عليه...". (9/349 تح: شاكر).
فمجاهرة المسلم بأنه ظُلِم فى دينه أو عِرضه أو بدنه أو رزقه أو أهله ليس من الجهر بالسوء الذى يكرهه الله عز وجل.
وللتعبير عن ذلك الظلم صور عديدة: منها دعاء المظلوم على الظالم بأن يعان عليه حتى يستردّ حقه منه،
ومنها: الإخبار به. ومنها: الكتابة عنه. ومنها: الشكوى عند القاضى أو ولىّ الأمر...إلخ.
والظلم إما أن يكون عاما، ومن النظام الحاكم، فهنا تلزم معالجة الأمر بالحكمة والطرق الناجعة درءا للفتنة والهرْج.
وإما أن يقع الظلم من النظام على فرد أو مجموعة فحينئذ يحق للمظلوم أن يرفع شَكَاتَه إلى القضاء، بعد تعذر الوصول إلى مصالحة.
وإما أن يقع من آحاد الرعية بعضِهم على بعض فيُلجأ إلى الصلح، فهو خير، فإن تعذر جاز الرفع إلى القضاء.
وفى هذه العصور اتبعت الشعوب أسلوب المظاهرات والمسيرات الجماعية والوقفات الاحتجاجية تعبيرا عن السخط على سياسات الحكام، ورفضا لها إما مطلقا، وإما فى بعض الجوانب. وربما تطورت الأمور إلى ثورات شعبية لا تُبقِى ولا تذر، كما حدث فى كثير من البلدان.
وفى حالة التظاهر المستمرّ نجد أنه كثيرا ما تذعن الحكومات تحت الضغط الشعبىّ الهائج، فتتراجع عن قراراتها وسياساتها.
وهنا أؤكد أن المظاهرات يجب أن تكون سلمية، وهادفة، وألا تشتمل على معصية كالاختلاط بين الأجانب، أو السب والشتم، فضلا عن انتهاك حرمة الأبرياء قتلا أو ضربا، أو إحراقا لممتلكاتهم. كما يُمنع إتلاف ممتلكات الدولة من سيارات ومبانٍ ومكاتبَ وغيرِ ذلك من الممتلكات والمرافق العمومية. وأىُّ تصرف من هذا القبيل فإنه يعدّ عملا همجيا لا يقرّه عقل ولا دين.
وكما يمنع على المتظاهرين ما ذكرنا، فإنه يمنع أيضا على الأجهزة الأمنية وقواتِ مكافحة الشغْب التعرُّضُ للمتظاهرين السلميين بالقمع والضرب والركل والسحل والاعتقال، فذلك عمل همجىّ لا يقرّه عقل ولا دين أيضا.
لكن من ثبت عليه من المتظاهرين أنه ظَلم بريئا فى نفسه أو ماله، أو أتلف سيارة عمومية أو مبنى عموميا ـ مثلا ـ فللسلطات معاقبتُه بقدر جُرمه طبقا لشرع الله عز وجل.
ومن هنا نطالب بالإفراج عن جميع معتقلى مظاهرات اليوم ممن لم يثبت تورطهم فى تعدّ أو فساد، كما أنه يجب ترحيل الأجانب الذين شاركوا فى المظاهرات، ومنعهم من دخول البلد مستقبلا، بعد تأديبهم ـ فى حدود الشرع ـ بما يردعهم وأمثالَهم.
ثم إنه على النظام القائم أن يشمِّر عن ساعد الجِدّ فيقضى بكل صرامة على الفساد المستشرى فى جميع مفاصل الدولة، ويضرب بيد من حديد على يد الفاسدين والمفسدين الذين نهبوا المال العام، وتلاعبوا بمصير الأجيال، وأهلكوا الحرث والنسل، وعادوا بالبلد عقودا إلى الوراء، وأفسدوا التعليم والصحة والعدالة وسائر القطاعات العمومية، فضلا عن دورهم فى القضاء على الأخلاق والقيَم.
ثم إنه مما يُدمِى القلوب ويُشْجِى النفوس أننا أصبحنا منذ عهد النظام السابق وإلى هذه اللحظة نألف يوميا أو أسبوعيا قتل النفس المعصومة التى حرم الله إلا بالحق، وهذا ـ والله ـ أمر تقشعرّ له الجلود، ويَقِفُّ له الشعَر. ناهيك عن الاغتصاب والسطو المسلح والنهب والسلب ليلا ونهارا.
وقد عُلم ضرورةً أن مجرد سَجن قتلة العمد لا يغنى شيئا، وأن حكم الله فيهم هو القصاص، وأن حكمه - جل وعلا - فى أهل الحِرابة والسرَّاق والزناة منصوص فى الكتاب والسنة الثابتة، فلا يجوز تعطيله ولا العدول عنه بحال.
وكما يجب على الدولة أن تقضىَ على هذه الظاهرة ظاهرة الإجرام المنظم، فإنه يجب عليها حماية العقيدة بأن تحارب كل الدعوات الهدامة، كقانون النوع، والإلحاد، والديانة "الإبراهيمية" المزعومة، والإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والطعن فى سنته الشريفة، والقدح فى صحبه الكرام رضى الله عنهم أجمعين، فإن غبار فرس أحدهم فى سبيل الله أجل وأفضل عند الله من الرموز الوطنية كافة..
كما يجب القضاء على كل أنواع الانحلال الخلقىّ، والمظاهر السيئة، ونسف أماكن السحرة والكهنة والمشعوذين المنتشرة حول مركز العيادات المجمعة وغيرها، فضلا عن القضاء على الحج إلى المقابر والمواسم الشركية والبدعية، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كما قال الإمام مالك رحمه الله تعلى.
وفى هذا السياق أعلن بكل صراحة ووضوح أن تحكيم الشرع هو الحل الناجع الوحيد الذى يستأصل شأفة الظلم والفساد والإفساد فى الأرض.
ويقع فى خاطرى أن رئيس الدولة محب للخير والإصلاح، وتقديمِ النفع العام لشعبه وبلده، ولكنى أعلم أنه محاط ببعض من ليسوا كذلك.
وبهذا يفسر بعضُ المحللين تعثرَ كثير من البرامج والخطط الإصلاحية التى أطلقها.
والحق أنه لا مكان فى نظام يقول إنه يتبنى الإصلاح منهجا لفلول الأنظمة الفاسدة؛ كما أنه ليس من المقبول تدوير المفسدين وتقريبهم، وقد علم القاصى والدانى سجلّهم الملطخ بالغش والخيانة.
لذا يجب أن يذهب عهد هؤلاء إلى غير رجعة.
إننا نريد بلدنا آمنا مطمئنا طاهرا مسلما مؤمنا قويا مزدهرا يصلنا بديننا وقيمنا وأخلاقنا وتراثنا وماضينا، وننعم فى أرجائه بالسعادة والرخاء، ونتطلع فيه كل يوم إلى غد أكثر بهجة وإشراقا.
وليس سرا أن بلدنا اليوم تتخطفه مِلل ونِحَل وأهواء ودعواتٌ متطرفة شتى، وأنه محط أنظار وأطماع، وأن بنيته الاجتماعية هشّة، وأن قُوى الشر تتربص به الدوائرَ آملةً أن يهوِىَ فى منزلقات الفتن والحروب الأهلية والطائفية على غرار ما وقع فى بلدان أخرى.
وعلى الشعب أن يعىَ ذلك جيدا، ويحذر من التمزق والتفكك، والوقوع فى فخ الأعداء الذين زرعوا فى بلدنا كل أسباب التفرق عبر هيئات ومنظمات وشخصيات مشبوهة وشعارات مكشوفة.
ومن الغباء أن يظل الشعب غير آبِهٍ لما يدبَّر ضده فى الخفاء، من المكايد والمهالك، فى الداخل والخارج.
وعلى الشعب أن يحرص على وحدة مكوناته الاجتماعية حرصا تاما، وبقائها على الألفة والانسجام والتعايش الكريم، وألا يساوم أبدا فى وحدة ترابه، وأن يطالب بكل حقوقه المشروعة بحكمة واتزان.
وعلى النظام أن يعين الشعب على السكينة والاستقرار بتلبية مطالبه وحاجاته، وإحكام العدل بين مكوناته وجهاته.
ولن يتم ذلك إلا بإحقاق الحق وإبطال الباطل.
والله على ما نقول وكيل.
إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدى
ليلة الثلاثاء 19 من ذى الحجة 1443هـ
18/ 7/2022م