الخميس
2024/04/25
آخر تحديث
الخميس 25 أبريل 2024

قراءة في خطاب الرئيس غزواني في تامشكط

23 يوليو 2022 الساعة 07 و00 دقيقة
قراءة في خطاب الرئيس غزواني في تامشكط
طباعة

قبل جفاف 1969 الماحق الذي ضرب البلاد لم يكن المواطن الموريتاني يعرف سوى الزراعة البعلية وكانت تمثل مصدر عيش ورزق ،كانت المدن القديمة تعرف أنماط عديدة من الغذاء أساسه الزرع "الدخن والذرة " كان الغذاء اليومي متشعب(سنگتّ ،دُقْنُ ،إِلْمُون ،كسكس ،باسِ ، العيش ،غَمنَ ..)وغيرها وغيرها مع أنماط أخرى أقل تعقيدا لأهل البادية.
كان مجتمع ولاتة يعيش عدة أشهر على عينات من هذه المواد كأغذية جاهزة دون حاجته لإشعال نار الموقد لوقت طويل وكانت لها استخدامات كثيرة لا تحتاج للحم ،لكن المعادلة تغيرت عندما لم تثمن الدولة هذه الأنماط الغذائية ولم تدعم هذا النمط من الزراعة بل أهملته ،لقد أخّرت وجبة دُقْنُ السائلة ، موعد مغادرة المرحوم المختار ولد داداه لمدينة ولاتة بعدما أطالت وجبة منه وقت نومه ،إنها وجبة مغذية بشكل كبير من دون لحم أساسها الدخن إنه مجال غذائي واسع ، لكن حكوماتنا للأسف لم تمنحه أي أهمية ولم تسجله كنمط غذائي وماركة موريتانية .وبتنفيذ الولايات المتحدة لمشروعها التجاري بترويج القمح منذ السبعينيات تراجع مركز المنتوج المحلي من هذه الزراعة في سلسلة الغذاء اليومي وتراجعت المساحات المزروعة ،ينضاف إلى ذلك تزايد الوزن القبلي والصراعات على المجالات العقارية فقط لأسباب تتعلق بالنعرات والأحاسيس البدائية وليس بالاستخدامات الاقتصادية مع مطلع التسعينيات ودخول البلد عهد التعددية التي قوّت من سطوة القبائل ورجالاتها .
الرؤساء لم ينتبهوا لهذا المورد الأساسي ،وحينما يوجد من يفعل ذلك لا ينتبه الشعب للفرق ، لقد جعل بحث غزواني للحلول الجذرية لمشكلة الأمن الغذائي هذا المورد في سلم الأولويات وكان حدث إطلاق حملة الزراعةالبعلية إيذانا بتطويره بوصفه مصدرا أساسيًا للغذاء وللتبادل ولخلق مزيد من فرص العمل تماما مثل الثروة الحيوانيه ليتم طي صفحة مظلمة بالنسبة لهذه الزراعة الهامة في القوت اليومي للشعب بالإضافة لزراعة النهر التي كانت محل تركيز كبير للدولة وسياستها الغذائية.
اليوم وتكرارا لقول الرئيس أصبحت الزراعة المطرية جزء لا يتجزأ من أمننا الغذائي بل أكثر إلحاحا ويجب أن نهتم بها بشكل أساسي وأضاف أن المشاكل العالمية تجعل فقط الدول التي تملك أمنها الغذائي هي القادرة على مواجهة الهزات المتتالية وموريتانيا قادرة على ذلك بالعودة لاستخدام هذا المورد ، وهكذا تضمن خطاب الرئيس تشريحا حقيقيا لتأثير الأزمات على الدول وبالتالي الوضعية الدولية وأهمية استغلالنا نحن لجميع ما لدينا من فرص خاصة بالعودة إلى الزراعة المطرية واستخدام جميع المساحات الصالحة لذلك مع شرح واف للعقبات والحلول ،إنها لفتة ثاقبة نحو الأسس التي يمكن أن يبنى عليها أمننا الغذائي ويتم التخلص بواسطتها من تأثير الأحداث الدولية على قوتنا اليومي.
تضمن الخطاب أيضا خروجا آخر عن مألوف الرؤساء في مثل استخدام هذا النوع من الأحداث والخطابات في الحملة السياسية بل جعله في ميزان العمل الذي يتعين القيام به كواجب وطني وليس مقايضة سياسية مع الشعب ،بل وقد خلا كل الخطاب من تلك اللغة (لغة المزايدة والمبايعة )كما لم يتمسك الرئيس في معرض الحديث المجمل والمقتضب عن المواجهة الناجعة للأزمات لنفسه بل جعله بالكامل في ميزان حكومته رغم أن كل الناس تعرف أنها عقبته الأساسية في قطع خطوات كبيرة في تنمية البلد .لقد تكلم عن النجاح الكبير في الحفاظ على تماسك الآقتصاد وثبات البلد أمام هذه الهزات ،لكن الشعب لا يشعر بذلك لأنه لم ير تحسنا واقعيا في ظروفه في حين أن الرهان الحالي هو الحيلولة بينه مع انهيار القوة الشرائية ومضاعفة الأسعار مرات عدة ،ومن دون أن يروا إنجازات كبيرة مثل الطرقات وغيرها في حين تكابد الدولة من خلال مشاريع إجتماعية مباشرة لتقويم حياة الناس …الفارق كبير في التصور .
تعرض الرئيس من غير فخر لما تحقق في معركة مواجهة الأزمات الدولية بالنسبة للحفاظ على تموين عريض للسوق والتقليل من مضاعفة زيادة الاسعار والندرة بالنسبة للمواد الغذائية والمحروقات التي تضاعفت أسعارها من المصدر وبسبب العوامل الأخرى النقل والتموين وتبقى موريتانيا من بين الدول التي في مستواها الأصلب . لقد شرح ذلك شرحا أكثر دقة بالنسبة لدعم المواد الغذائية ودعم سعر المحروقات وتحدث بلغة الأرقام حيث تحملت الدولة في سبيل ذلك 200 مليار أوقية سنويا عن الجهود في الحفاظ على الأسعار عند نفس العتبة ولمدة أطول بالنسبة للأسعار ماقبل الأزمة وبالنسبة للدول من مستوانا .تحدث الرئيس عن فكرة جديدة وهي صلابة الدولة إزاء الهزات: أي قدرة الآقتصاد الكلي وقدرة أجهزة الدولة من حيث الجاهزية لمواجهة أوضاع استثنائية لا تتوقف على أوضاعنا الداخلية ،كان الحديث يفيض بالإقناع وبالتواضع رغم وضوح المعطيات والأفكار والنتائج التي قدمها بشكل ملموس في شكل خلاصات أرقام وأفكار ومقارنات ،لقد تحدث الرىيص بصفة مفاجئة عن مورد إقتصادي آخر ظل غائبا في سلم الإهتمام بالنسبة للبلد وهو الصيد القاري حيث توجد 15 بحيرة منتشرة في البلد تصلح لهذا النشاط الإقتصادي والغذائي الهام الذي تغفله الدولة الشعب ،إنها تعبئة حول موارد البلد وحق الأهالي للإستغناء بمواردهم بدل الاستيراد والإعتماد على ماوراء البحار . لم يضف الرئيس في هذا الخطاب الباذخ والصريح والواثق أي شيء لنفسه وتركه خطابا عاديا في ظروف عادية أساسه حث الشعب على العمل وطمأنته على أوضاعه وإطلاعه على ما غاب عنه وكأنه يقدم إجابات لكل التساؤلات التي تضج بها المسامع .
وبدون التوقف عند الشكل لم يخرج غزواني في هذا الخطاب عن نمطه المعهود في الخطاب والذي يكتفي فيه بالإشارة وكأنه يخاطب لبيبا لا يخاطب شعبا تكثر فيه الأمية والسطحية وحب العاجلة ،وكان حريا بإعلامه وأعوانه أن يقدموا الشرح ، كانت هناك انسيابية في الخطاب وتنسيق للأفكار وربطها بالأحداث العالمية دون تبجح ولا استعلاء وهكذا جاء الخطاب مطمئنا وهادئا ويبعث على الثقة العالية في المستقبل .
لقد حصلت الحكومة على بالون أكسجين جديد من خلال الدفاع عنها الذي انبرى له الرئيس في يوم غائظ ،فهل ستستثمره كدم جديد .
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار