الجمعة
2024/04/19
آخر تحديث
الجمعة 19 أبريل 2024

جولة ماكرون الأفريقية... مسعى لترميم الدور الفرنسي المتآكل

27 يوليو 2022 الساعة 20 و43 دقيقة
جولة ماكرون الأفريقية... مسعى لترميم الدور الفرنسي المتآكل
طباعة

بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أول من أمس الاثنين، جولته الأفريقية، التي تشمل الكاميرون وبنين وغينيا بيساو. وهي أول زيارة خارجية له منذ إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، في إبريل/ نيسان الماضي.

وبدا واضحاً تركيز الإليزيه على أفريقيا، أولوية له في المرحلة المقبلة، بعد الانسحاب النهائي لقوة "برخان" الفرنسية وقوة "تاكوبا" الأوروبية من مالي، في أواخر الصيف الحالي.

ولا ينوي ماكرون، حسبما أظهر في العديد من المواقف، التخلّي عن "الدور الفرنسي" في أفريقيا، خصوصاً أن لباريس تاريخاً استعمارياً في العديد من دول القارة.

ويدرك الرئيس الفرنسي أن توغّل مرتزقة "فاغنر" الروسية في مالي، وبدرجة أقل في أفريقيا الوسطى، وتطلعها إلى التمدد في الغرب الأفريقي ومنطقة الساحل، سيكون على حساب الفرنسيين.

ولا تقتصر مخاوف باريس على تغلغل موسكو، بل إن نيودلهي وبرلين تقومان بجهد في القطاعين الاقتصادي والتجاري في القارة.

تجديد التزام فرنسا بأفريقيا
ويتطلع ماكرون إلى تأكيد "التزامه بعملية تجديد علاقة فرنسا بالقارة الأفريقية"، مع وصوله مساء أول من أمس الاثنين إلى الكاميرون، وكان في استقبال ماكرون في مطار العاصمة ياوندي رئيس الوزراء الكاميروني جوزيف ديون نغوتي.

وأجرى ماكرون محادثات، أمس الثلاثاء، مع نظيره الكاميروني بول بيا، الذي يحكم الكاميرون بقبضة حديدية منذ نحو 40 عاماً.

وناقش الزعيمان الأمن في الكاميرون، التي تشهد عنفاً عرقياً وتمرداً لانفصاليين يقاتلون منذ عام 2017، من أجل استقلال مقاطعتين ناطقتين بالانكليزية.

وكان ماكرون قد أثار استياء الرئيس الكاميروني عام 2020 بعد إعلانه أنه سيمارس "ضغوطاً قصوى" عليه، بسبب أعمال العنف التي "لا تحتمل" في البلاد.

والتقى ماكرون ممثلي الشباب والمجتمع المدني، قبل زيارة "قرية نواه"، التي أنشأها بطل كرة المضرب السابق الفرنسي من أصول كاميرونية، يانيك نواه، صاحب مبادرة تطوير مراكز ترفيهية في مناطق شعبية من ياوندي.

وعشية جولته الكاميرونية، طالب تجمع أحزاب سياسية في الكاميرون الرئيس الفرنسي بالاعتراف بـ"جرائم فرنسا الاستعمارية".

وقال العضو في "الحركة الأفريقية من أجل الاستقلال الجديد والديمقراطية" بيديمو كووه خلال مؤتمر صحافي مساء الاثنين، في مدينة دوالا: "لدينا نزاع تاريخي مع فرنسا. ليس وصول ماكرون هو الذي يثير المشكلة. نحن نغتنم الفرصة لتوعية الكاميرونيين بشأن المشكلة مع فرنسا، من خلال عرض جميع جرائم فرنسا على الطاولة وتسويتها بشكل نهائي إذا أردنا أن تكون لدينا علاقة سلمية".

وخلال المؤتمر دعا فالانتان دونغمو، وهو عضو آخر في هذه الحركة، الرئيس الفرنسي إلى "الاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية، مثلما بدأت فرنسا تفعل في الجزائر"، بحسب ما نقلت قناة "فرانس 24" الفرنسية.

وتاريخياً، بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، عهدت منظمة "عصبة الأمم" (سبقت الأمم المتحدة) بمعظم مستعمرة الكاميرون الألمانية آنذاك إلى وصاية فرنسا، فيما أعطي الجزء الغربي منها، المتاخم لنيجيريا، إلى بريطانيا.

وقبل استقلال الكاميرون في 1960، قمعت السلطات الفرنسية بشكل دموي المقاومين من "اتحاد شعوب الكاميرون"، وهو حزب قومي تأسس في نهاية الأربعينيات وشارك في الكفاح المسلح ضد الاستعمار وحلفائه الكاميرونيين، خصوصاً في أرض باميليكيه، غربي البلاد.

وقتل الجيش الفرنسي عشرات آلاف الناشطين الموالين لـ"اتحاد شعوب الكاميرون" ومنهم القائد المؤيد للاستقلال روبين أوم نيوبي.

ومن المفترض أن ينتقل ماكرون، اليوم الأربعاء، إلى بنين التي واجهت هجمات دامية من جهاديين تسللوا من منطقة الساحل (النيجر، مالي، تشاد، بوركينا فاسو، موريتانيا) إلى دول خليج غينيا (أنغولا، الكونغو الديمقراطية، الكونغو، الغابون، ساو تومي وبرنسيب، غينيا الاستوائية، الكاميرون، نيجيريا، بنين، توغو، غانا، ساحل العاج، ليبيريا).

ويختتم ماكرون جولته غداً الخميس في غينيا بيساو التي تمزقها الأزمات السياسية. وتعرضت هذه الدول الثلاث في غرب أفريقيا لانتقادات من قبل نشطاء بسبب سجلاتها الحقوقية، لكن الإليزيه يصرّ على أن قضايا الحكم والحقوق ستثار وإن "من دون ضجيج إعلامي وعلى شكل تبادلات مباشرة بين رؤساء الدول".

ورأت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، في عددها الصادر أمس، أن ماكرون "يهدف إلى إحياء العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين التي تتراجع"، مشيرة إلى أن النفوذ الفرنسي يتآكل في أفريقيا، لا سيما على المستويين الاقتصادي والتجاري، في مواجهة الصين والهند وألمانيا.

وكشفت أن حجم الشركات الفرنسية في الاقتصاد الأفريقي حالياً يبلغ نحو 10 في المائة، مقارنة بـ 40 في المائة في التسعينيات.

من جهتها، تطرّقت صحيفة "لوموند" أمس إلى توقف ماكرون في زامبيا، قبل وصوله إلى الكاميرون.

واعتبرت الصحيفة أن "الانطباع الذي تركه الرئيس الزامبي هاكيندي هيشيليما، لدى ماكرون خلال لقائهما في فبراير/ شباط الماضي، خلال قمة الاتحادين الأفريقي والأوروبي، أعجب ماكرون".

وكان هيشيليما قد ألقى كلمة أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الفرنسية، في يونيو/ حزيران الماضي، دعا فيها إلى تعزيز التعاون بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي، وتفعيل التجارة.

وسبق لماكرون أن كشف عن رغبته في "إعادة التفكير في جميع أوضاعنا العسكرية في القارة الأفريقية"، داعياً وزراءه وقادة الجيش للعمل على ذلك.

وأدلى ماكرون بهذه التصريحات، عشية "يوم الباستيل" (اليوم الوطني الفرنسي) في 14 يوليو/ تموز الحالي أمس الأربعاء وهو يخاطب القوات الفرنسية قبل عرض "يوم الباستيل" المقرر في العاصمة باريس.

انقلابات أفريقيا تُضعف فرنسا
وأضعفت الانقلابات العسكرية في مالي، وتشاد، وبوركينا فاسو، تحالفات فرنسا في تلك الدول، وحدت من النفوذ الفرنسي بشكل أكبر.

وفي الأول من شهر يونيو/حزيران الماضي، أعلنت فرنسا، انتهاء انتشار قوة "تاكوبا" في مالي والتي تضم قوات أوروبية.

وكانت فرنسا قد بدأت التدخل العسكري في مالي في 11 يناير/ كانون الثاني 2013، استجابة لطلب من الحكومة المالية آنذاك للتصدي لزحف حركات مسلحة ومتمردي الطوارق على باماكو عاصمة البلاد وكبرى مدنها.

وفي عام 2014، دشنت فرنساً رسمياً عملية "برخان" التي كان من المقرر لها أن تصبح أطول عملياتها الخارجية منذ نهاية حرب الجزائر في عام 1962، بمشاركة نحو 5500 جندي تم نشرهم في مالي والنيجر وتشاد، ضمن شراكة مع دول منطقة الساحل والصحراء الخمس (موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد).

ووفقاً للبيانات التي نشرتها وزارة الدفاع الفرنسية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فإن قوة "برخان" انتشرت في ثلاث قواعد عسكرية في شمال مالي.

وتقع القاعدة الأساسية في غاو وهي مزودة بمروحيات هجومية، ووحدات يطلق عليها اختصاراً "جي تي دي" أو "مجموعات معارك الصحراء"، إلى جانب ذلك توجد عربات مدرعة ثقيلة ومعدات لوجستية للنقل.

وتعول باريس على حضورها العسكري والقديم في السواحل الأفريقية الغربية، حيث تمتلك قواعد أيضاً خارج مالي، من بينها القاعدة العسكرية الفرنسية في ساحل العاج، والتي تضم 900 عسكري، تحتوي على بنية تحتية استراتيجية "عملانية ولوجستية كبيرة" وتعتبر بمثابة "خزان لقوات الانتشار السريع في حال حدوث أزمة بالمنطقة الفرعية".

أما في الغابون، فيقيم 350 عسكرياً في مخيم ديغول قرب مطار ليبرفيل، وفي السنغال، ينتشر 350 جندياً فرنسياً في أوكام والميناء العسكري بداكار مع توفر مدرج للطائرات.

ولفرنسا مركز قيادة باسم "مهمة سابر" قرب واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو. ومنذ عام 2009، تم نشر ما بين 350 إلى 400 جندي من القوات الخاصة، كانت وراء مهمات تصفية أغلب قادة "الجهاديين" الذين تم القضاء عليهم خلال السنوات الأخيرة.
المصدر: العربي الجديد، الأناضول، فرانس برس