الجمعة
2024/04/26
آخر تحديث
الجمعة 26 أبريل 2024

سلسلة مقالات يكتبها محمد محمود ولد بكار: جردة الحساب بعد ثلاث سنوات من حكم غزواني..

30 يوليو 2022 الساعة 16 و06 دقيقة
سلسلة مقالات يكتبها محمد محمود ولد بكار: جردة الحساب بعد (…)
طباعة

الحلقة الأولى: ماهي حقيقة غزواني ؟

خلال النصف الأول من مأموريته، لم يتمكن أي أحد من غلق الباب على غزواني، وكان الناس يتعجبون من جاذبيته . وقد كان مثل كل الرؤساء يملك هامشا كبير ا من العلاقات والأصدقاء غير مصنف في منطق السياسية والعلاقات الوظيفية يمده بكثير من تفاصيل الحياة العامة بصفة دقيقة ،وقد زاد ذلك من حضوره خاصة أنه لم يتنكر لأي من تلك العلاقات، بل وزع بسخاء رقمه الخاص، وكأنه حاطب ليل، وهذه غريزة لدي العسكريين مع اختلاف الاستخدامات، لقد تخلص في المقابل من الارتهان للتقارير الأمنية، ومن أن يبقى مكبلا وراء البروتوكول، وحصل في فترة قياسية على ابتلاع جميع معطيات الوضع، وحظي بمعرفة استثنائية للخريطة السياسية وامتلاك أكبر قاعدة بيانات عن البلد وعن الأشخاص، وامتلاك معطيات لتشخيص الواقع والتعبير عنه على نحو عقلاني .كان غزواني يريد تثبيت طابعه على عدة مسارات. وقد أدى ذلك لمزيج من الرضى والارتباك لإن الطابع العام الذي استقامت عليه الدولة منذ بعض الوقت يختلف تماما عن طريقته ، ليس من الناحية "العسكريتارية" للحكم حيث لم يكن أمثاله من العسكريين يشاركون المدنيين في القرارات المهمة) ،وكانوا متشبعين بأبهة الدولة كطابع شخصي وفردانيين بدرجة كبيرة ،عكسا لغزواني الذي يملك أسلوبا أقل تكلفا ويملك حسابا خاصا للوقت . لقد اختلط كل شيء في ذهن الناس وبدأوا يعيدون بناء مواقف أو تقييم جديد ومختلف للرئيس الجديد. كانت سياسية الباب المفتوح واحدة من تجليات ذلك النمط، وقد ساهمت بقدرٍ في ذلك التقييم وخلقت انطباعين مختلفين: فقد احتفت بها المعارضة وضاقت بها الأغلبية لأن الانفتاح يستهدف للمعارضة ونتيجة لتأثيرها على على حساب الوقت خاصة المائة يوم التي تعتبر مرجعا في تقييم الرؤساء من حيث الفاعلية. وكانت النخبة الكبيرة المتأثرة بالأسس والمعايير المتعارف عليها في العالم قد أخذت موقفا أو أعطت تقييما متسرعا لعزواني دون اعتبار لطابعه الشخصي . كان في المقابل لهذا الأسلوب تأثيره الإيجابي خاصة بالنسبة لرئيس لم يكن سياسيا قبل إعلان ترشحه، بل كانت شهرته الكبيرة الانزواء وعدم الاندماج في السياسية على نحو مفتوح . وقد حصل مقابل دفع تلك الفاتورة (فاتورة الانتقاد ) على تكوين سريع في فهم للساحة الوطنية من جميع أبعادها وكأنه صار ينظر إليها من الأعلى ، وعكسا لأغلب سابقيه فقد أمسى عصيا على التضليل. إن كل شيء اليوم رهن مجهوده الشخصي لكن غزواني من الذين يفضلون العمل ضمن الفريق ويحترم الصلاحيات ولا يتأثر بالضغوط. لقد كان جو التهدئة والتواصل مع الأحزاب والفاعلين الأقوياء الذي أسس له يدعم وضعه السياسي نحو الاستقرار المديد، كما كان شعاره العريض الناجح الذي شكل رافعة الرضى عنه بين الجميع، وكان بالخصوص أحد تجليات طابعه الشخصي، وكان منها أيضا -وهذا من أصعب الأمور - أنه يمنح الناس نفس الشعور بالقرب والثقة بسبب تدفقه أثناء تناول أطراف الحديث على نحو يخلق ردة فعل تلقائية بنفس التدفق والانكباب من طرف محدثيه. لقد انتزع الرضى من كل الناس، وصار لأطول مدة -وهذه هي المحصلة- شخصية توافقية وطنية بعد الانتخابات  .
كان من العقبات القاتلة أن مأموريته جاءت في نهاية تراكم فشل سياسات الأنظمة السابقة وتنامي التوترات الاجتماعية وفشل السياسات القطاعية، وزيادة تنامي مطالب الشباب الذي هو ضحية فشل سياسية التعليم وزيادة نسبة البطالة والفقر ، وأكثر من ذلك عدم الثقة في الشعارات والبحث عن حلول سريعة لكل هذه المشاكل دفعة واحدة.
كما سيحمّل -وهذه لا تقل ظلما عن سابقتها-تبعات مشهد كالح تمخض عن 12 سنة من الصدام توّجته انتخابات خشنة وحملة مجيشة بمشاعر التناقض ، وصدام مفاهيمي لوّن المزاج السياسي بسحنة عكرة وطبعه باحتقار، وَوَصْمٍ متبادلين، وصل انحطاطه دركا لا سابق له وساهم في توكيد عدم ثقة عميقة في المؤسسات السياسية للبلد.
لقد عكس ذلك صورة رهيبة ومقلقة عن المستقبل. وكان غزواني، في نظر من يعرفه بحق، هو البديل المثالي عن حالة الاحتقان الرهيبة تلك، ليس لقدرات تتعلق بالاقتصاد أو السياسية، بل تتعلق بالأخلاق والكياسة، بينما كان عزيز يدعم صورة كاريكاتورية أخرى له جعلت الكل يرتاب في الرجل، وكانت نفس الدعاية تجعله بالنسبة لنا -معشر المعارضين- خاتما في أصبع عزيز، وكنا نمدُّ يَدًا للصداقة، ترتعش بالريبة وعدم اليقين وذلك بتأثير حالة التسمم الغريبة تلك !فهل ترويج تلك الصورة مدروس ،تمشيا مع ما سيعقبه! ؟ كانت تلك الصورة تقوم على الطعن في القدرات الشخصية للرئيس المنتخب وخاصة قدرته عن الانفصال عن عزيز كتابع وليس كشريك !!!، لكي يتم ضرب أي انسجام أو أيّ مقاربة مختلفة أو بديلة لنمط عزيز والإبقاء على نفس الشكوك تمهيدا للانقلاب على غزواني حينما لا ينسجم أو يبقى هادئا في القفص. وقد كان مفعول تلك الدعاية أن بقي نموذج عزيز من حيث التسيير الشخصي للبلد مخيما على النفوس ،وأضفى حالة من عدم الثقة وعدم اليقين معا لبعض الوقت في استقلالية غزواني عنه . وكان مصدر كل ذلك هو صديقه الشخصي محمد ولد عبد العزيز ، فقد بدأت الحملة التي تؤسس لاستمرار الثقة في عزيز بعد خروجه من الرئاسة كمرجعية وحيدة للنظام قبل إعلان ترشح غزواني ،وكان مفادها "أن النظام الذي يعني عزيز باق ". وقد تم تكرارها على المنابر الرسمية من نهاية 2018 وطيلة 2019 أو إلى الانتخابات ، بصفة دارجة ومن طرف عدة وزراء من صناعة عزيز بمن فيهم الوزير الأول والوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير المالية ووزير العدل …. وكان تفسير ذلك لاحقا من طرف عزيز أنه هو صاحب السلطة الذي سيملك زمام الحكم في حقيقة الأمر من خلال البنية التي ترك عليها الدولة سواء بنية الحزب أو الحرس الرئاسي، أو البرلمان (وقد ظهر أنها عميقة لحد الآن )وأن اختياره لغزواني لتسهيل تلك المهمة أو على الأقل أن يبقى غزواني واجهة فقط ،" فهو لا يمكنه أن يقوم بمفرده على شؤون البلد " كسبب لعدم الإبتعاد عن شرعية عزيز. .
لقد تم تصديق ذلك لبعض الوقت، بل صار استشهادا ما فتئ البعض يدلي به إلى القريب عندما يريد انتقاد غزواني بشكل لاذع . وقد أخر هذا الوضع اللايقيني عملية الاندماج والانسجام مع غزواني، ووضع هامشا كبيرا من الريبة في مسار التعاطي معه. كان غزواني -لمن يتذكر، وأثناء تسلم السلطة- على نحو يشي بالعفوية والاستسلام لمن لا يعرفه ، وتصديقا لادعاءات عزيز ، متعلقا بأسوار عزيز من فرط الوفاء له ،وقد تهدج صوته بعبرة الوداع ، وكان عن صدق عاطفة مستعدا لأن يخلف صديقه ويردم كل الحفر التي خلّفها بامتنان، كما صرح بأنه لن يسلمه لأحد مهما كانت الضغوط. والصحيح أن غزواني كان مصرا على ذلك قبل أن يحاول صاحبه الانقلاب أو "تصفيته" حينها صارت القطيعة هي الخيار الأوحد .لقد كان الانعكاس الوحيد لهذه العملية التي لم يشأ خلالها غزواني الانتصار لنفسه وكان بمقدوره ،أن وافقت الأغلبية على مبادرة المعارضة في فتح تحقيق حول تجاوزات العشرية، وهي مبادرة نادت بها المعارضة أثناء حكم عزيز نفسه مع ظهور تقارير دولية وبعد عمليات استقصاء للمعارضة حصلت من خلالها على معلومات عن فساد غير مسبوق في ظرف وجيز اتسم بحالتين غير طبيعيتين: أولاهما مداخيل تقدر ب 17 مليار دولار خلال تلك الحقبة وثانيهما مديونية تقدر ب 5 مليار دولار. ….

يتواصل في الحلقة الثانية
محمد محمود ولد بكار