الخميس
2024/03/28
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

تقرير دولي: جفاف ونزوح.. كيف يُدمِّر التصحر موريتانيا؟

31 يوليو 2022 الساعة 09 و22 دقيقة
تقرير دولي: جفاف ونزوح.. كيف يُدمِّر التصحر موريتانيا؟
طباعة

نشرت مجلة «نيوزويك» الأمريكية تقريرًا أعدَّته فادومو عبد القادر، مسؤولة إعداد التقارير في منظمة «الأيادي المسلمة» المعنية بمساعدة المتضررين من الكوارث الطبيعية والصراعات والفقر، سلَّطت فيه الضوء على مشكلة التصحر التي تواجهها دولة موريتانيا وتأثيرها في حياة الشعب هناك.

تروي الكاتبة في مستهل مقالها ما لاحظته بينما كانت تسير في القيظ الحارق عبر قرية اتكلالت بموريتانيا، إذ رأت كيف توشك الرمال الحارقة ذات اللون الأحمر الأصفر أن تغمر عددًا من منازل القرية. لكنها سرعان ما أدركت أن هذا هو الواقع المؤلم للحياة في شمال غرب أفريقيا. ويتسبب عدم القدرة على التنبؤ بأزمة المناخ في إنزال الدمار بكثير من قاطني هذه المناطق، بدايةً من نزوح العائلات وتدمير سُبل كسب العيش، ووصولًا إلى ما يُخلِّفه ذلك من آثار صحية ونفسية بالغة الخطورة.

كيف نفهم ظاهرة التصحر؟
توضح الكاتبة أن ظاهرة التصحر، وهي عملية تحوُّل الأراضي الخصبة إلى أراضٍ صحراوية، تُمثل مشكلة كبيرة في جميع أنحاء أفريقيا. وفي الوقت الحالي، يعاني 45 في المئة من مساحة الأراضي اليابسة في أفريقيا من مشكلة التصحر، مع احتمالية تفاقم الخطر إذا زادت النسبة المئوية. وتتأثر موريتانيا تأثرًا سلبيًّا كبيرًا بسبب تغير المناخ ووطأة ظاهرة التصحر.

ونظرًا لأن 90 في المئة من دولة موريتانيا تقع في الصحراء الكبرى، تتعرَّض البلاد بصفة خاصة للآثار الناجمة عن فترات طويلة من الجفاف وانخفاض معدل هطول الأمطار. ويمكن أن تؤدي هذه الكوارث الطبيعية إلى تدمير حياة المدنيين.

وفي الوقت الحالي، يعيش حوالي 17 في المئة من شعب موريتانيا تحت خط الفقر المدقع، ما يعني أن طفلًا واحدًا من كل أربعة أطفال يعيش في حالة من الفقر المدقع. ويعتمد كثير من الشعب الموريتاني على الموارد الطبيعية لتوفير سُبل عيشهم، وقد أثَّر التصحر بشدة في التنمية الاقتصادية للبلاد، وأسفر تغير المناخ عن أعباء أكثر أُلقيت على عاتق المجتمعات المُستضعَفة المتأثرة بموجات الفقر.

كيف يُؤثر التصحر في حياة الشعب الموريتاني؟
تتطرق الكاتبة إلى قصة كومبا إبراهيم من قرية اتكلالت، التي أخبرتها كيف لاذت بالفرار من قريتها السابقة بعد أن غمرت الرمال منزل العائلة. وانتقلت كومبا إلى قرية جديدة على أمل النجاة من رمال الصحراء، بيد أنها كشفت عما تعانيه من أوجاع وآلام تحرمها من النوم في بعض الليالي، نتيجةً لعمليات الإزالة المنتظمة للرمال التي تزحف على بيتها، والتي تتطلب قوة عضلية تؤثر في جسدها النحيل، بالإضافة إلى البقع الداكنة التي تُغطي يديها بسبب ما تقوم به من تجريف مستمر للرمال الساخنة.

وعندما نظرت الكاتبة إلى أيدي كومبا، شعرت بالحزن بسبب ما رأته من ندوب وجروح، والتي تُعد شاهد عيان على كفاحها وتذكيرًا محركًا للمشاعر. تقول كومبا «هذه هي الحياة في موريتانيا». وقد شاهدت الكاتبة وضعها المأساوي المروع الذي تعيش فيه، حالها في ذلك حال بقية أفراد مجتمعها، حيث يُؤثر التصحر تأثيرًا مدمرًا في سُبل عيشها وصحتها، ولا تنال سوى قسط قليل من الراحة في طريق كفاحها.

وإلى جانب التصحر، يتعين على السكان المحليين أيضًا مواجهة أزمة شُح المياه، ذلك أن المياه العذبة النقية الصالحة للشرب تُعد من الرفاهية هنا. وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية أن 2.150 موريتانيًّا يموتون سنويًّا بسبب أمراض الإسهال، ومعظم هذه الوفيات (90 في المئة) مرتبطة بالمياه الملوثة. ويواجه هؤلاء الذين يعيشون في القرى النائية صعوبة بالغة في الحصول على المياه النظيفة بسبب ندرة المياه.

منزل من معدن
تُنوه الكاتبة إلى أنه على الرغم من كفاحهم، يعاني كثيرٌ من شعب موريتانيا من قسوة الحياة وهم صامتون. وفي الآونة الأخيرة، قالت ماريا نيرا، مديرة قسم البيئة وتغير المناخ والصحة في منظمة الصحة العالمية، إن: «آثار تغير المناخ أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية على نحو متزايد، ولا يتوفر سوى قدر ضئيل جدًّا من الدعم المخصص للصحة النفسية للأشخاص والمجتمعات التي تتعامل مع المخاطر المرتبطة بالمناخ وغيرها من المخاطر الطويلة الأجل».

وفي السياق ذاته، أعربت فاطمة أحمد، مواطنة موريتانية أخرى تحدثت إليها الكاتبة، عن شعورها بالقلق المستمر على سلامة أطفالها، إذ أن ثلاثة من أطفالها الأربعة مكفوفون منذ ولادتهم، وتعتقد فاطمة أن حرارة الشمس الشديدة والعواصف الرملية تزيد من تفاقم مشكلاتهم الصحية. وتشعر الأم بالقلق بشأن مستقبلهم الذي ينتظرونه إذا لم تتحسن الأوضاع.

وتعلق الكاتبة قائلةً: لقد تفهَّمتُ قلقها عندما جلستُ في منزلها المكون من غرفة واحدة والمصنوع من صفائح المعدن المموجة. وفي حين أن الأجواء كانت خانقة في الصحراء الكبرى، كاد الجو داخل منزلها المكون من الصفيح أن يكون أشبه بالحياة تحت قبة حرارية. وعلى الرغم من تدهور حالة عائلتها الصحية، فإنها لا تزال مُمتنَّة لأن لديها مكانًا يمكن تسميته بمنزل. وتتمنى فاطمة ألا يختفي منزلها وممتلكاتها تحت الرمال التي لا تتوقف عن الحركة. ويُعد منزل فاطمة واحدًا من المنازل غير الصالحة للسكن في قرية اتكلالت.

الممارسات البشرية
تشير الكاتبة إلى أن أمينة محمد، نائبة رئيس بلدية اتكلالت، أخذتها في جولة حول القرية، وكشفت لها إلى أي مدى يُهدد التصحر الغذاء والسكن وصحة السكان. وقالت أمينة إن «التصحر أثَّر في سكان قرية اتكلالت، وآية ذلك أن منازل عديدة باتت غير صالحة للسكن. وقرر الناس مغادرة القرية بسبب نقص المياه وقلة الدخل. وهم ينتقلون إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط لبدء حياة جديدة، وقد دُمرت أرواح كثيرة، بينما كنتُ أشاهد قرية أخرى تختفي تحت أمواج الرمال».

وبينما يُعد تغير المناخ أهم عامل في ظاهرة التصحر، فمن المهم عدم تجاهل حقيقة أن الممارسات البشرية مسؤولة بصورة جزئية كذلك. وإزالة الغابات من الممارسات الشائعة في موريتانيا، ومع زيادة حدة الفقر، يتجه الناس إلى مصادر دخل بديلة.

بحسب منظمة «جلوبال فورست ووتش» المعنية بمراقبة الغابات، فقدت موريتانيا خلال الفترة من عام 2001 إلى عام 2021 حوالي 33 هكتارًا من الغطاء الشجري. ويقطع السكان المحليون الأشجار بطريقة غير قانونية ويحرقونها على أمل الحصول على الفحم. ومن وجهة نظر السكان، يُعد الفحم مصدر دخل وطريقة للبقاء على قيد الحياة.

ولا يُدرك كثير من السكان تأثير قطع الأشجار في البيئة وكيف يؤدي ذلك إلى تفاقم عملية التصحر. وهؤلاء السكان مضطرون للقيام بممارسات متطرفة بسبب يأسهم، ولا تُعد مسألة قطع الأشجار حالة فردية تتعلق بسكان اتكلالت، بل يواجه الناس في نواكشوط المشكلة نفسها. وكانت إحدى الوسائل التي استُخدمت للتصدي لهذه المشكلة هي إقامة حواجز وتعيين حراس أمن لحماية الأشجار.

مبادرة «السور الأخضر العظيم»
تنقل الكاتبة عن كومبا إبراهيم قولها إنها: «سئِمت الغموض الذي يكتنف حياتها»، في ظل شعورها بالإرهاق والتعب بسبب الأزمات المستمرة التي تواجهها هي وعائلتها بسبب التصحر. وللأسف، هذا هو حال كثير من الموريتانيين. ولا تستطيع كومبا تحمل النظر إلى الرمال وتريد نسيانها. ويبدو أن الرمال تطارد كومبا وغيرها من الموريتانيين أينما ذهبوا، ولا يستطيعون ببساطة الابتعاد عنها وتجاوزها وراء ظهورهم.
وتختم الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى مشروع مبادرة «السور الأخضر العظيم» الذي أُطلق في عام 2007، ويهدف إلى استعادة المناظر الطبيعية المتدهورة ومكافحة التصحر عبر منطقة الساحل الأفريقي. وتهدف المبادرة إلى استعادة 100 مليون هكتار من مساحة الأراضي المتدهورة وتوفير 10 مليون فرصة عمل خضراء بحلول عام 2030. واكتمل المشروع حاليًا بنسبة 15 في المئة فقط. وفي الوقت الذي تهدف فيه مبادرة «السور الأخضر العظيم» إلى القضاء على ظاهرة التصحر، يحتاج أناس، مثل كومبا وفاطمة الذين يواجهون قسوة تغير المناخ، إلى الدعم فورًا.