الثلاثاء
2024/04/16
آخر تحديث
الثلاثاء 16 أبريل 2024

جردة الحساب بعد ثلاث سنوات من حكم غزواني: هل تعافى البلد فعلا؟ وهل تغير نمط تسييره؟

2 أغشت 2022 الساعة 17 و01 دقيقة
جردة الحساب بعد ثلاث سنوات من حكم غزواني: هل تعافى البلد (…)
سلسلة مقالات يكتبها محمد محمود ولد بكار..
طباعة

سلسلة مقالات يكتبها محمد محمود ولد بكار..

الحلقة الثانية -

كان الخروج من عباءة استمرار النهج أمرًا في غاية الصعوبة بالنسبة لمن هو جزء منه، فالنظام العام مسمّر للفساد، والرئيس، منذ فترة الرئيس السابق معاويه ولد الطايع، شخص واحد ضمن نظام يتأججه رهان البقاء .

كان الأمر معقدا بالنسبة لولد الغزواني في المروق من هذا النظام الذي هو اليوم قائده. صحيح أنه بذلك يتوج 40 سنة من تقلد المناصب العليا في الدولة انسجم الناس حول وصفه خلالها بالاتزان (لا متطرف ولا مفسد)، ولم يبق أمامه سوى شرف خدمة الوطن وهو في هرم السلطة وأن يختار لنفسه منزلة بين الرؤساء الذين حكموا البلد.

ليس هناك إلا خيار استثنائي بين خيارين طبيعين :

 مسح الطاولة، أي إعلان الحرب على نظام قائم منذ الاستقلال، يسيّر الدولة وفق مصالحه الذاتية في تعاضدية قوية وقديمة.

- البقاء ضمن قبضته وتسييره بما يضمن استمراريته، أي أن يكون جزءا من منظومة الفساد والتوريث والحفاظ على نفس النظام.

ودون الارتهان لأي من الخيارين، خرج غزواني إلى طريق ثالث غير معبد، ولا مطروق نهائيا، ويتطلب قدرات عقلية استثنائية ودرجة عالية من تنظيم الخطوات وكأنه لاعب شطرنج محترف.

لقد أقنع غزواني الأوروبيين ودول الخليج بانقلابه مع ولد عبد العزيز سنة 2007 على المرحوم سيدي ولد الشيح عبد الله، وغيّر الموقف الراديكالي الفرنسي بصفة غريبة وغير مفهومة إلى اليوم، وكان -ضمن جماعته- الوحيد الذي حافظ على علاقات وطيدة مع المرحوم سيدي الذي كان أول أو ثاني خروج له عن الصمت من خلال بيان يدعم به ترشح ولد الغزواني للرئاسة… كيف يمكن الخلط بين الأمرين في آن واحد! ألا تعتري الأمر أعجوبة !!!

أما الأعجوبة الثانية فتكمن في أن محمد ولد عبد العزيز رشحه للرئاسة دون أن يدرك أنه يمتلك طموحا فيها ودون أن يعرف أنه لا يصلح لأن يكون دمية رغم صداقة دامت 40 سنة ورغم الاشتراك في ثلاث انقلابات ناجحة وتسيير الدولة وتعقيدات الحكم من 2005 إلى 2019.

وقد جاء ذلك على النحو التالي: فبعد فشل الخطة "أ"، وهي التفكير في ترشيح الشيخ ولد بايّه حيث واجه عزيز تحذيرات كبيرة من مغامرة ترشيحه خاصة أنه لم يتخط الشوط الثاني في مدينة متوسطة (ازويرات) إلا بكل أنواع الإكراه والإغراء والتحالفات الواسعة، كانت الخطة "ب" هي المأمورية الثالثة، وعندما فشلت كان ترشيح غزواني هو الخطة "ج" أي الخطة البديلة الأخيرة عندما لم يتمكن عزيز من التعديلات الدستورية- التي خطط لها مع أسرته الضيقة فقط، لا مع نظامه، رغم أن لائحة النواب التي تم جمع توقيعاتها لتأييد المأمورية الثالثة قد تجاوزت المائة، لكن المعلومات الدقيقة التي توصل إليها تفيد أنه لم يتم الوثوق سوى من 44 نائبا، وأنه سيتعرض لنفس الضربة التي تعرض لها من مجلس الشيوخ في حين يكون قد فقد السيطرة والمصداقية والتحكم في الساحة، فالوقت بدأ يضيق، ولذلك ترك بيان وقف الدعوة للتعديلات الدستورية قبل مغادرته للإمارات ليذاع بعد ذهابه . وهناك ملاحظة دقيقة في الخصوص تصديقا لذلك، وهي انزعاجه من الترحيب والانشراح الكبيرين اللذين واجه بهما الرأي العام ترشح غزواني حيث فهم أن صاحبه يملك بريقا وشعبية مستقلة عنه ….وقد عبر عن ذلك الانزعاج في خرجتين بدون سبب سوى لقاء الصحافة، وأظهر فيهما قدرا من التخبط، الأولى صرح وبتشنج بأنه لم يرشح غزواني وإنما رشح نفسه، والثانية بعدها في الأسبوع الموالي مع مداعبة الصحافة بأنه هو من رشحه …وكان أسلوبه في الحملة يخضع لعملية مد وجزر غير اعتيادية وغير مفهومة الأبعاد.

إننا اليوم نساق بفعل التأثيرات العارمة لغياب القدرة على التحليل وربط عناصر الأحداث بمسبباتها الحقيقية إلى جهل حقيقي بما يدور حولنا من قرارات مهمة، وهو الوضع الذي ظل فيه دور النخبة الوطنية المستقلة غائبا منذ اليوم الأول، لذلك لم نستطع فهم ما يجري خارجا عن السطحية والتسرع وتتبع الدهماء وعكسا لأي رؤية ثاقبة وعقلانية نشاهد أنها تردد ما تفكر فيه العامة وتقول ما تريده دون الرجوع إلى المنطق السليم. وقد عقَد التواصل الاجتماعي من مهمتها، فمثل ما يوجد في كل العالم فإن سيطرة الفيس بوك هي تنحية للقدرات عادة وانتاج نجوم ليسوا سوى عبيد لحماقات الجمهور، وهكذا أتاحت وسائل التواصل لجحافل الأغبياء أن يتحدثوا كأنهم علماء ونَحَّت الجدية والتفكير المتزن جانبا .

إن الجميع -بما في ذلك العقلاء- يقعون في نفس خطأ عزيز خلال 40سنة خاصة عند عودته من بريطانيا لتسلم السلطة من رجل يحسبه رخوا وهيّنا قد أودعه السلطة وأحاطه بنظام أحسن تنظيمه وترتيبه في خطة تضمن عودته إليه وقت ما يشاء. .
وبدون التتبع الموضوعي للخطوات التي قام ويقوم بها غزواني وترك الأحكام المسبقة والمصنوعة في قوالب جاهزة ومصممة على أهداف معارضة مبدئية، لن يتمكن أحد من قراءة عميقة للأحداث والقرارات التي تخدم المستقبل ،فقد كان بإمكان غزواني التمديد لكل الجنرالات وترقية كل العقداء، لكنه وضع قواعد صارمة وحرّم الاستثناءات، وكان أهم ما في الأمر أن القادة العسكريين الذين كانوا يعتبرون أنفسهم شركاء في النظام لم يكن لهم علم ،مع استثناء ضئيل ، بإحالتهم للتقاعد إلى عشية الآجال القانونية. إنه خروج عميق على القاعدة منذ 1978 والأهم في الأمر أنه لم يبنِ نظاما عسكريا بقدرما يخطط لجيش جمهوري. إنه لأول مرة في تاريخ البلد يكون القائد العام للجيش ومساعده من نفس المجموعة القبلية والجهة دون أن يحدث ذلك ضجة يرتج لها البلد لأن ذلك وقع في إطار القانون والمهنية .
لقد كان وضع الدولة التي استلمها غزواني سيء جدا ويتطلب طابعا شخصيا قويا مغايرا لكل ما كان موجودا بالنسبة لشخص يعي مسؤوليته التاريخية والأخلاقية ويريد العودة بالبلد إلى أرومته الأخلاقية وذلك بتسوية اختلالات كبيرة أهمها إعادة الوقار والاحترام لمؤسسة الرئاسة كرأس الهرم الأخلاقي في ضوء ابروتوكولات الدولة وأخلاق المجتمع بعدما كانت برج بابل للصراخ وإلغاء البيانات النارية، فقد استعادت بذلك بريقها ورمزيتها وحظيت كل الشخصيات الاجتماعية والسياسية وغيرها بالاحترام والتقدير أثناء زيارتها لها ، وأصدر الناس بيانا عاما ضمنيا بتغير أسلوب الرئاسة بوجود رجل منهم يفهم أخلاق وعادات المجتمع وينزل الناس منازلهم. إنه تحول مهم وبعيد من الشكلية. كان بإمكان هذه الملاحظات أن تعطي صورة عن نوعية المشاكل والتعقيدات البسيطة والمعقدة التي كانت مطروحة للرئيس الجديد وصورة أخرى عن التغييرات التي حدثت، لكن الصورة ستظل غير مكتملة ما لم نتعرض لحقائق الوضع الذي استلم فيه غزواني الحكم بصفة أوسع،
فعلى المستوى الاقتصادي كان البلد يعاني من ثلاث مشاكل أساسية بسبب المجهود القوي للفساد، فقد كانت قدرة التحمل للدولة ضعيفة جدا ، وبالتالي انعدام الذمة المالية وانهيار المصداقية الخارجية بسبب الحركة غير الاعتيادية للعملة الصعبة والتي تفوق الحالة المالية للدولة حيث صنف البلد ضمن المناطق الحمراء بالنسبة لتبييض الأموال وضمن البلدان الخطيرة على الاستثمارات، وهكذا خرجت موريتانيا من منطقة تبادل الدولار ،كما كانت الديون في مرحلة نادرة من تاريخ البلد حيث وصلت 104% من الدخل القومي السنوي الخام، وكانت الدولة فالسة في العمق واقتصادها مبني على الفساد، ففي مقابل هذا التاريخ 2019 كان بخزينة الدولة قرابة 6 مليارات أوقية فقط من بقايا تسيير رئيس "محاربة الفساد" محمد ولد عبد العزيز و12 مليار أوقية (50 مليون دولار )متأتية من دعم أداء الخزينة الذي يقدمه البنك الدولي، وكان احتياطي العملة الصعبة عبارة عن ودائع للشركات المحلية وسلفة سعودية وغيرها من الودائع. كان الدين الخارجي 5,3 مليار دولار تقريبا وكانت نسبة الفقر تزيد على 30% من السكان وكانت الميزانية 589 مليار أوقية تسيير بطريقة شخصية، فالرئيس هو من يفتح الرشاد وهو من يغلقه وهو من يوجه ميزانية البلد. وخلال ثلاث سنوات ضمنها سنة كوفيد أصبح الناتج المحلي يفوق 8,5 مليار دولار وتراجعت الديون إلى 63% من واقع 104%وزاد دخل الفرد إلى حدود 2000دولار ووصل الفقر أقل أو يساوي 23% ووصل احتياطي الدولة الصافي من العملة الصعبة 2,3 مليار دولار بما في ذلك احتياطها من الذهب الذي يقدر ب 10 طن، وقد ارتفعت الميزانية للمرة الثانية خلال سنتين إلى 1ترليون أوقية: 1000مليار أوقية. لقد كان الوصول لهذه الأرقام لسببين فقط: الأول الإصلاحات القطاعية وترشيد النفقات دون الإخلال بنشاط الدولة كما في السابق، بل تم تنفيذ ما يربو على 83% من المشاريع على نفقة الدولة وعلى مستوى جميع القطاعات
أما الثاني فهو السياسات النقدية ومراجعة الديون ونجاح المقاربة المتعلقة بكوفيد التي جعلت الدولة تستفيد من المساعدات الخارجية لتخطي أزمة كوفيد واستفادت ما يربو على 500مليون دولار من التمويلات والمساعدات والقروض خلال فترة كوفيد ،كما أن اتفاق الصيد ومراجعة مدونة المعادن والاتفاقات مع الشركات العاملة في المجال والزيادة الكبيرة في أسعار المعادن زادت من تعافي الاقتصاد الوطني ………….
يتواصل
محمد محمود ولد بكار