الخميس
2024/03/28
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

قصص مؤثرة لخمسة من شهداء غزة

10 أغشت 2022 الساعة 10 و55 دقيقة
قصص مؤثرة لخمسة من شهداء غزة
طباعة

توقف القصف وعاد الهدوء إلى شوارع غزة، ولكن أسرا كثيرة في القطاع المحاصر لم تتنفس الصعداء بعد، وما زال ألم الفراق ووجعه الممض يسكن نفوسها بعد أن فقدت أحبابا لها في قصص وداع مؤثرة.

تتشابه النهايات وتختلف الخطى إليها، يجمعهم الموت النازل من سماء العدوان الإسرائيلي غير هائب لشيبة الكبير أو عادل عن نضارة الصغير.

قصصهم متعددة تعدد الإصابات وأعداد الشهداء، ولكل قصة مأساة ووجه يدمي الفؤاد ويستدر الدمع، ويستمطر الإكبار للشعب الذي ألف الموت وغنى له، "والضحايا توديعهم حفلات".

العرس الدامي.. فرحة ختامها الاستشهاد
ربما لم يمر على أنعام أبو قايدة ذات الـ62 ربيعا يوم أكثر فرحا وغبطة واستبشارا من يومها الذي استشهدت فيه، فقد كانت أنعام رفقة ابنها خارجين لاستلام عروسه، والفرحة تغمر روحها المفعمة بالأشواق لتزف إلى ابنه عروسه.

كان الموكب قد أخذ زينته، وفي شغاف الغيب كان موكب آخر، فما إن نزل نجلها من السيارة لأخذ عروسه حتى باغتها صاروخ إسرائيلي قضى على فرحتها وحول العرس إلى مأتم.

انطلق موكب الشهداء، زغاريد وأشجانا ودموعا وتكبيرا، وطوت أنعام ثوب الفرح، ليلف جسدها بأكفان الشهادة، في عرس آخر من أعراس فلسطين التي عبّر عنها الشاعر الموريتاني أحمدو ولد عبد القادر:

نسكن النار لا نبالي لظاها.. زادنا العزم والإبا والثبات

نتلقى الشهيد عزا ونصرا.. والضحايا توديعهم حفلات

من سيناديني.. يا أمي؟
لم يكن خليل أبو حماده مجرد رقم في عداد الشهداء، فالفتى الذي اختطفته نيران صواريخ الاحتلال، كان وحيد أمه، التي انتظرته 13 سنة بعد زواجها من أبيه، وخرج إلى الحياة بعد 5 عمليات زرع، وخلال سنوات حياته، كانت أمه تغمره بحنان أم الولد الوحيد، الذي لم يأت صدفة، ولم يزدحم مقعده في البيت بالأشقاء.

كان أبواه مستعجلان على زواجه، وكانا يترقبان ذلك اليوم السعيد المنتظر، لكن هادم اللذات كان أسرع إليه من خطوات الفرح الموثقة بسلاسل الحزن في فلسطين.

اخترق جسد خليل لهب نار الاحتلال، وبقيت أمه تعاني لواعج الشوق إلى راحل لم يودع بعد أن كان ملء العين ونور البصر ونبض الشغاف.

لم يبق من خليل غير ذكرى وثياب وصور وتغريدات على توتير كان من آخرها تهنئة لأمه بعد تخرجها من الجامعة، وبقيت في دفاتر الحزن آلاف الصور التي اختزنتها ذاكرة والدين انتظرا صرخة استهلال الولد 13 سنة، ثم غادرها بلا وداع في رحلة أدبية على خط الشهادة.

على ضفة القبر.. الوالد يتشبث بنعش فقيديه
كان والد الشهيدين أحمد ومؤمن النيرب على موعد مع شغب الطفولة، كان الصغيران عصفورين يملآن روضة البيت تغريدا ومرحا وسعادة، ودونهما يفقد البيت جزءا كبيرا من راحته وسعادته.

غير أن صواريخ إسرائيل -المولعة بأكباد الصغار- حطمت البيت وزرعت نار حزن، لا تخبو ولا تخمد، في فؤاد والد كان يضم -كل يوم- إلى صدره ابنيه الصغيرين ويطبع قبلات الحب على خدودهما المتوردة.

ظل الوالد متشبثا بحافة النعش الذي يضم طفيليه، النائمين في غفوة الموت بعد أن سرقتهما بعنف نيران الاحتلال من صخب الطفولة وعنفوان الشغب البريء، وأدى الصلاة عليهما مئات الفلسطينيين الذين هتفوا بالتكبير، المفعم بالغضب، قبل أن يواروا الصغيرين في الثرى الذي يردد معه الناس كل حين: "ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد".

المنقذ الشهيد
رفع السبابة، وظلت ممتدة إلى السماء عنوان توحيد وبراءة استشهاد، بعد أن قضت عليه قذيفة صاروخ إسرائيلي مفعم بالحقد واللهب.

كان أحمد عفانه قد هب لنجدة جيرانه من تحت ركام منزلهم الذي هدمه القصف الإسرائيلي على رؤوسهم، لينتهي به المطاف أحد الضحايا ورقما في عداد الموت الذي يوزعه العدوان على أجساد الغزاويين بسخاء لا حدود له.

على مشارف الموت
في أشذاء الراحلين في يوميات الموت في غزة نكهات متعددة للحزن، ألوان متعددة تكتب قصص الموت، وترانيم الشهادة.

وفي بيت أبو حسام الطهراوي قصة أخرى للموت، كان حسام شاهدا على المزع التي تطايرت من جسد ابنة شقيقته، كانت تلك الزهرة الغزاوية الناضرة قطعة من جمال وفتوة وعنفوان، وتحولت إلى أشلاء ممزقة، جمعت في كفن، ونقلت إلى حيث لا يفزعها بعد ذلك أزيز الرصاص ولا هدير قاذفات اللهب الإسرائيلية.

ولأن حجم المأساة كان أكبر من الصبر، اختار الطهراوي الغياب عن مشهد تشييع ابنة شقيقته، لأن الألم كان أكبر من التحمل، وكتب على جدارية حسابه على الفيسبوك "قلت لهم والكلمات صعبة جدا علي قبل أن تكون عليهم: إننا لن نحضر الجثمان للبيت. ومع كل الاتصالات، رفضت الفكرة نهائيا؛ لأنني كنت موجودا في المكان حين انتشال الجثمان، وأعرف التفاصيل أكثر من غيري، فعند خروجنا من المستشفى كانت تصلنا أشلاء من جسدها".

ولم تكن آلاء إلا رقما في لائحة تحت التحديث ينضاف إليها كل يوم اسم جديد، وقد تنهي في كل لحظة عمر رضيع، أو سجدة شيخ أحدب، أو فرحة عروس، وتسرق فتاة من أحضان أمها، قبل أن تحرق الأرض راسمة يوميات مفعمة بالألم بين لهب نازل من السماء وصبر وصمود راسخ في الأرض.

المصدر : الجزيرة