الخميس
2024/03/28
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

الغاز لن يخلق الرفاه المطلوب قبل مرحلته الرابعة.. هل بنية الآقتصاد الموريتاني تمكنها من مواجهة الأزمات الدولية الراهنة؟

28 أغشت 2022 الساعة 10 و00 دقيقة
الغاز لن يخلق الرفاه المطلوب قبل مرحلته الرابعة.. هل (...)
طباعة

الحلقة الثانية:

وفي هذه الحلقة :
 منْ من الدول العربية يمكن أن تساهم في التعجيل بنهاية سقوط الدولار ؟
 هل بنية الآقتصاد الموريتاني تمكنها من مواجهة الأزمات الدولية الراهنة ؟

لايمكن أن نقلب الصفحة ونحن بصدد تحليل الوضع الدولي دون أن نتحدث عن العالم العربي الذي يمثل أكبر خريطة للخيرات الطبيعية وأكبر سوق استهلاكية والذي لايكاد يظهر له أي دور على الساحة الدولية بسبب وقوعه خلف الركام وعدم انسجامه في رؤية موحدة، ومع ذلك تظل السعودية إضافة مهمة للحلف الذي تعلن فيه نفسها من جديد. صحيح أن أي معالم بارزة لتغيير السياسية السعودية من الغرب ليست واضحة بما فيه الكفاية لدرجة التنبؤ بالانتقال إلى حلف جديد ومعاكس تجد فيه السعودية ذاتها مثل بقية بلدان العالم التي تطمح للتخلص من الهيمنة الامريكية، لكن من الواضح أن تغييرات جذرية في عقلية الحاكم السعودي أخذت تتحدد في عهد محمد بن سلمان منبئة بتغيير واضح في سقف طموح المملكة: من البحث عن حماية خارجية إلى السعي إلى الإستقلالية في القرار ولعب دور بارز في قيادة العالم.
لا يمكن تقييم دور السعودية حاليا بتسارع وتيرة النمو لهذه السنة (9,9%الأفضل من بين مجموعة العشرين، كما سجلت فائضاً في الميزانية قدره 20.8 مليار دولار) خلال الربع الثاني من هذا العام، وإنما بناء على الإصلاحات الداخلية، خاصة السعي إلى تحويل دخل النفط إلى اقتصادات مستديمة جعلت البلد يطمح لدور فاعل في قيادة العالم.
إن فرصة السعودية، كغيرها من الإقتصادات الناشئة، ستكون أفضل في حل بنية النظام العالمي القائم الذي يستعمر جميع بلدان العالم ولا يقيم لها وزنا. وهذا ما يبدو أن حكامها الحاليين بدأووا يتعاملون معه بذاتية أكبر .
لقد أطلق محمد بن سلمان خطة إقلاع الإقتصاد السعودي في غضون 2030 وتحويله من الاكتفاء بريع النفط إلى اقتصاد متطور ومتنوع وأكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات التي تعصف بالعالم، كما دخل معتركات عنيفة داخلية وخارجية بدأت بالصدمة الداخلية من تحجيم دور "المطوعين" ودور القيادات الدينية، وصولا لتمكين المرأة وتثمين دورها في الإقتصاد والمجتمع، محدثا بذلك تغييرات جوهرية في السياسة السعودية، وكذلك ضرب بعض اللوبيات التي كانت تستحوذ على جزء كبير من عائدات البلاد عن طريق الصفقات الفاسدة. كما امتدت الإصلاحات مع تغيير تدريجي لمواقف المملكة الخارجية التي اتسمت بمرونة أكثر في سبيل تحقيق الإستقرار الاقليمي كما حصل مؤخرا من تثبيت للهدنة في اليمن وطي لقضية اغتيال جمال خاشقجي وتسوية للأزمة مع قطر. وليس المعيار هنا نجاحها فيها من عدمه، لكنه يكمن في تغيير هذه التوجهات الجديدة من نظرة السعودية لدورها وصورتها الخارجية وحجمها الذي يحاول النظام الافصاح عنه في شكل مواقف جديدة للبلد على الساحة الدولية. كما ينضاف إلى ذلك استخدام النفط لتطوير السعودية عبر بناء قاعدة صناعية وإحداث ثورة رقمية وتطوير السياحة والخدمات وتحديد هدف ذاتي ضمن إطار المنافسة والاداء الاقتصادي العالمي، وهي خطة رصدت لها ميزانيات ضخمة.
لا يستهدف هذا التوجه التنظيم الداخلي فقط، بل يتضمن أيضا البحث عن مرتبة ودور خارجيين.
ويمثل عدم حفاوة محمد بن سلمان بالرئيس الأمريكي في المطار، وحتى وهو يستقبله في القصر، وطريقة المصافحة غير البروتوكولية، ومن خلال الحديث في المؤتمر الصحفي بانتقاد الولايات المتحدة وسياسية الكيل بمكيالين وتوبيخ السعودية في قضية خاشقجي و"تمجيد" اسرائيل في قضية شرين أبو عقلة وخرق الولايات المتحدة لحقوق الإنسان في العراق (خاصة سجن أبو لغريب) مظهرا جديدا في سياسية السعودية وخروجا عن عرفها الديبلوماسي. ولم يذكر محمد بن سلمان في خضم الثورة الحالية ضد هيمنة الدولار أن السعودية هي التي ساهمت في دعم الدولار عندما وافقت على أن يتم بيع النفط به حصرا، وهي بذلك اليوم ضمن الدائرة الضيقة من الدول التي يمكنها سحب الثقة من الدولار عندما تعتمد عملات أخرى.
العقلية الحالية الحاكمة للسعودية لم تعد تعتبر أن الصين وروسيا، وريثتا الإتحاد السوفيتي، ملحدتان، بل دولتان قويتان يجب التعامل معهما خاصة أنها تتعامل بالمثل. كما تقع السعودية -مثل باقي دول العالم- ضحية للنظام الاقتصادي العالمي الذي فرضته الولايات المتحدة عندما تخلت عن ضمان الدولار بالذهب. فقد كان مقابل كل أوقية (أونصة من الذهب) 35 دولارا، وعندما حلت الكارثة بالعالم الذي امتلأ من الدولار الذي لم يعد له رصيد، قال نيكسون حينها كلمته الشهيرة: "يجب أن نلعب اللعبة كما صنعناها، ويجب أن يلعبوها كما وضعناها". لقد كان هذا هو فحوى النظام الاقتصادي العالمي الذي يتحكم في العالم فهل بدأ العد التنازلي للهيمنة الأمريكية مع الإرهاصات الحالية!؟ أو هل هذه التواترات الواسعة التي اتسم بهذا العقد الثاني من هذا القرن هي تجليات لواقع عالمي جديد تتغير فيه الموازين الدولية ؟
لن يكون الخروج من ربقة هذه اللعبة بسيط ولا سهل سيتطلب حروبا طويلة الأمد لأنها تخدم أهدافا استراتيجية عميقة وترتبط بلاعبين أقوياء وبتغيير سياسة العالم وليست مثل الحرب على الإسلام التي لم تدم طويلا بعدما تم ابتلاع كل المدخرات والودائع العربية والإسلامية في البنوك الغربية ووضعت التوجهات في حالة سلم استراتيجي مع إسرائيل وتصفية أعداء هذا المشروع من الزعماء والقادة العرب ووضع النظام العربي في تبعية تاريخية للغرب وتم الحفاظ على شعار الحرب على الإرهاب لدعم استمرار تلك السيطرة.
البلدان النامية والبلدان الصغيرة خاصة ستشتعل أولا وبسرعة في نار الحرب إذا لم تتمكن من شد الأحزمة وتضع تصورات وخطط وقائية ولتقوية بنية اقتصادياتها ،موريتانيا واحدة من تلك الدول التي لا تملك أي خبرة ولا جاهزية في التصدي للأزمات دون مساعدة خارجية ،وقد كانت في كل وقت تعاني من اقتصاد هش وعجز مالي وديون مرتفعة وهي اليوم وللمرة الأولى تعيش في وضع اقتصادي متوازن وتعيش على توقعات بارتفاع الدخل فهل سيمكنها ذلك من تطوير أقتصادها حتى تتمكن من التحضير لمواجهة الأزمات القادمة أو الحساب لها؟

 بنية الآقتصاد الموريتاني بين الهشاشة والأمل .

لا تملك موريتانيا أي بنية اقتصادية ولا إنتاجية ولا جاهزية موروثة للوقوف في وجه الأزمات والتداعيات السيئة لهذا الوضع ولا لأي وضع طارئ بصفة عامة ولا تملك خطة للأمن الغذائي بحجم رهانات المستقبل الكالح وهكذا يتعين عليها شد الأحزمة أو تجهيز خطة سريعة للتخلص من لاستيراد الدائم لجميع حاجياتها من الخارج باستثناء اللحوم و80% من حاجياتها من الأرز ،وللتنبيه فإن الشركات الأجنبية تستورد لحومها من آمريكا اللاتينية وفرنسا يا للعجب !!!! .تجعل هذه الوضعية القرار الاقتصادي الموريتاني عبدا وخادما للعملة الصعبة لتوفير حاجياتها اليومية التي لايصنع منها أي شيء كما تقدم .
ففي سنة 2021 ارتفعت الواردات الموريتانية بنسبة 35٪لتصل إلى 3،2 مليار أورو وانتقل الميزان التجاري الإيجابي البالغ 76 مليون يورو إلى رصيد سلبي بسبب تلك الزيادة الهائلة وقد ساهمت زيادة الصادرات الموريتانية بنسبة 11٪ مدعومة بالمنتجات التعدينية خاصة خام الحديد 1،5 مليار يورو (زيادة السعر ب 76٪) أي ما يعادل 55٪ من إجمالي الواردات والنحاس زيادة السعر ب14٪ بينما تراجع الذهب إلى 58٪ بصفة استثنائية بسبب حريق منجم تازيازت.لقد ساهم ازدهار هذه المعادن في امتصاص الضغط الاستثنائي للاستيراد. وهكذا سيكون الوضع أكثر حدة مع هذه الأزمة الثانية خاصة أن موريتانيا ستفقد أكبر موردين الصين والإمارات العربية المتحدة المورد الثاني 14٪ لموريتانيا بعد (إسبانيا 15٪) بحيث ستحتاج موريتانيا في وقت حرج وفي أفق معطيات سلبية لموردين جدد بأسعار وشروط جديدة لن تكون مواتية بل أكثر صعوبة.
تحتاج موريتانيا للدخول في مرحلة تحقيق أمن غذائي وكفاية ذاتية إلى تغيير مقاربتها الاقتصادية بصفة عامة وفي مجال الطاقة بصفة رئيسية فعنصر الاستيراد الرئيسي للبلد هو المنتجات البترولية والتي تمثل 26٪ من إجمالي الوادرات (858 مليون يورو) في حين لا تملك موريتانيا أي خطة لتأمين حاجتها منها بشكل مستقر ومتوسط الأجل ويعيق عامل التخزين وعامل الميناء في نواكشوط لرسو البواخر النفطية ذلك، فلا تزيد كامل قدرة التخزين على 480ألف متر مكعب بما في ذلك المخزون الاحتياطي الذي كان قبل العقد الأخير 86ألف طن ، فهذه البنية أقل قدرة من أن تحقق الصمود في وجه الأزمات أو تساعد في جهود الاقلاع.
كما أنها تواجه مشكلة توفير الكهرباء للصناعة والزراعة في أي خطة طموحة جديدة رغم أن البلد تضاعف انتاجه منها 3مرات ونيف وصار تبيع جزءا منه للسينغال نتيجة لعدم القدرة على استيعابه بسبب غياب البنية التحتية (النقل والتخزين والتوزيع) التي تعيق تحقيق أي استفادة من هذه القفزة في زيادة الإنتاج الكهربائي ، وهكذا ظلت زيادة الضغط على البنية القديمة المتهالكة التي لم يعد في مقدورها مواكبة التوسع السكاني غير قادرة على الاستجابة إلا للحلول المؤقتة لنفس المشاكل الدائمة "مقاربة الترقيع"،وسيكون هذا كارثيا في وضع الأزمات .
لقد كلف زيادة انتاج الدولة من الكهرباء ربع دينها الخارجي مليار ونيف دولار لمضاعفة انتاجها 3مرات وقد تم الإعتماد على الطاقة النظيفة بشكل كبير لكن حجم الفساد جعل الدولة تخسر كل تلك الاستثمارات تقريبا وتظل في دوامة شراء المازوت لتشغيل الكهرباء في البلد وهو ما يمثل العبء الكبير على الميزان التجاري .
ومع ذلك تظل موريتانيا في مقدمة دولة العالم من حيث موارد الطاقة النظيفة الرياح والشمس والصحاري الشاسعة .
يتواصل ….

محمد محمود ولد بكار