الخميس
2024/03/28
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

محمد محمود ولد بكار يكتب: أي مخرجات ننتظر !

31 أكتوبر 2022 الساعة 17 و27 دقيقة
محمد محمود ولد بكار يكتب: أي مخرجات ننتظر !
محمد محمود ولد بكار
طباعة

اللجنة المستقلة للانتخابات واحدة من حزمة من المطالب ولدت ولادة طبيعية مع المسار التعددي الموريتاني بعد انتخابات 1992 وكانت واسطة عقد المطالب المتعلقة بالتحسينات السياسية وسقف طموح المعارضة وشرطها في الثقة في نتائج أي عملية انتخابية عامة .فبالإضافة إلى بطاقة التعريف غير قابلة للتزوير ، والنسبية ، واحتكار الترشحات داخل الأحزاب ، وقانون تمويل الحملات الانتخابية ،وابعاد جهاز الدولة الوظيفي وإرادتها السياسية، والجيش عن التأثير على نتيجة الانتخابات قبل وأثناء العملية الانتخابية ) كانت اللجنة المستقلة هي صلب المعركة السياسية وحجر الزاوية في ساحة التنازلات بين النظام والمعارضة وكانت من جهة ثانية ضرورية لتنمية الديمقراطية ، ويدعم غيابها تبريرات المعارضة أمام الإخفاق الدائم في كل الاستحقاقات نتيجة للتزوير ، وفي التهميش في تسيير المسار ، وفي الحقيقة لم تكن مبررات واهية ،فقد ظلت الشفافية غائبة تماما، كما أن هذه المطالب ظلت مشروعة وديمقراطية وتمثل ضمانا لشفافية العملية السياسية والإنتخابية بصفة عامة وضمانا لشرعية المؤسسات المنبثقة عن العملية الانتخابية ، ومع أن التركيز كله كان يتعلق بالحقل الانتخابي خاصة العملية الفنية فقد كانت كذلك المطالب "جزافية " فلم يكن أحد في البلد يعرف أبعاد هذه المطالب بالمعنى الوظيفي فقط كانت مجرد تصورات عامة عن هذه الشروط والظروف التي ستمكن المعارضة مَن تحقيق نتائج في الانتخابات وتقلص هامش التزوير وهيمنة النظام وتسييره الأحادي للانتخابات ،وتدعم ثقتها أي المعارضة في الموسسات الديمقراطية وحتى عندما تم الولوج لهذه التنازلات وكسبها لم يتم إنشاء ولا تطوير آلية توافقية دائمة لتتولى مهمة تجديد هذه المؤسسة عند الحاجة ومتابعة هذه "التنازلات السياسية ليس لأن تظل نهائية بل لتظل وظيفية وحيوية وتخدم تطوير المسار ،لقد تم تحقيق أغلب هذه المطالب في شبه مرحلة التأسيس أو مرحلة الإصلاحات أثناء المرحلة الانتقالية 2005 وكانت هناك امكانية كبيرة لوضع أسس لمكانزمات اختيار هذه اللجنة وتحقيق كامل رغبة الطيف السياسي خاصة المعارضة ضمن المسار التوافقي الأول الذي عاشه البلد حينها ،فخلال تلك المرحلة كانت المعارضة تملك القوة لفرض بعض الشروط خاصة إدخال جميع الإصلاحات التي تسعى لها والجوهرية منها بالنسبة للشفافية على وجه التحديد ، لكنها كعادتها تتجاوز الأمور الأساسية جريا وراء الطموح الفردي للزعماء ، وقد ضيعت فرصة كبيرة لوضع تلك الأسس ،كان كل شيء متاحا لها بفضل وضع العداد عند الصفر تقريبا خلال تلك الحقبة ،وحتى بعد ذلك لم يكن النضال يسعى في واقعه لتقوية تلك الأسس بل كان لتحقيق مكاسب حزبية وفردية ولذات السبب ولدت لجنة مشوهة بالنسبة للقانون وبالنسبة للهدف الرئيسي لانشائها خاصة في نسختيها الأخيرتين وكانت مكونة من شخصيات فاعلة في أحزابها ومعينة لترعى مصالحها بصفة أساسية ولذلك حصل بعض المرشحين على تعديل نتيجته الانتخابية بسبب وزنه التمثيلي داخل اللجنة ،كانت الانتخابات شديدة التشويه وقد تم عزل مجموعة معارضة بشدة عن النجاح ،التجربة السيئة هي التي جعلت الطرف المستفيد أي النظام يشعر بالإحراج إزاء التمسك بنفس التركبة التي تمثل خروجا واضحا على القانون بالنسبة لمن يرفع شعار الإصلاح والشفافية ،وهنا مهم للتوضيح التذكير بأن ذلك ليس مرتبط بالضرورة بأعضاء اللجنة الذين يتأثرون بالصراع الدائر بين أحزابهم وبين الأقطاب السياسية كما يخضعون لتعليمات من لدن رؤسائهم ، لكن هناك معضلة رغم ابتعادنا عن تحقيق الأهداف الأساسية لإنشاء اللجنة أصلا ، فإننا نقع عند محاولة تجديد اللجنة لوضعية أسوأ وهي العودة لما وراء نقطة البداية ، حيث لم يوجد تراكم ولا نقطة بداية ولا نمط معياري ،نحن اليوم أمام نقاشات تبتعد كل البعد عن مصلحة المسار وعن المعقول نتيجة لغياب القواعد وحتى انعدام الأسس أوالتقليد .هذه الحالة تنم عن أزمة حقيقية وهي أزمة نخبة وطنية وعن أزمة سياسية وعن غياب دور المؤسسات ويعطي صورة كبيرة عن سيطرة الذاتية والفردانية والأنانية والحزازات .
اللوحة الكبيرة التي يمكن أن نرسمها لهذا المشهد إذا أردنا تعليقها على شوراع نواكشوط هي صورة لمجموعة من الأشخاص "تقف على بئر ملئى من الماء وهي تتصارع على قطرة ماء في دلو " لماذا ؟لأنها لاتريد للدلو أن يعود قبل أن يحصل كل واحد منهم على "نصيبه " من الموجود على قلته ، رغم أن الدلو سيأتي بأكثر كلما ما عاد لقعر البئر …أي كل ما كان هناك البحث عن المصلحة العامة التي ستعم الاستفادة منها ، نحن لا نحب الانتظار ولا نحب الآجلة كل شيء مؤجل أو قد تغيب الشمس اليوم قبل تحقيقه لن نتحمس له ،وعلى نحو أشد سوءا لا نتراجع أمام الأسبق أو الأجدر وبالتالي لا نقبل بالمعايير ، ولذلك وعلى نحو صارم لم نتمكن من بناء أي صرح كبير ولا قوي ،والأخطر من كل هذا أننا لا نقرأ ما ضينا ولا نستفيد مَن أخطائنا ،كان بالإمكان تقييم المرحلة الماضية والاستفادة منها أمام هذه الفرصة مع هذا الرئيس الذي يؤمن بأهمية المعارضة وضرورة التوافق الوطني ودشن مرحلة استثنائية من التشاور والتهدئة السياسية وهي المرحلة التوافقية الثانية ، أي محاولة بناء الثقة في المؤسسات وبين الفرقاء ، لقد منح فرصة لحوار وطني شامل تم افساده بسبب التشظي والتشعب وطرح الشروط المسبقة وبعد الفشل في ذلك تم فتح باب لإصلاح سياسي كبير وهو أصلا مدار الحوار وبهوه، وهو المتعلق بمنح ضمانات قوية بالشفافية وقد تم الخروج بأعجوبة باتفاق حول الخطوط العريضة لإجراء انتخابات توافقية أيضا بإرادته وصبره أي غزواني على إدارة مطالب "معارضية " استفزازية ، وعند بحث التفاصيل عادت حليمة لعادتها، عدنا للصراع الشخصي وللبحث عن المصالح الذاتية الضيقة على حساب الوطنية وعلى وحساب الدوام وهكذا نفقد مجددا فرصة بناء الأساسات مع هذا الرئيس .
النظرة العميقة تقودنا إلى أبعد من ذلك في خلفية تفكير غزواني الذي لا يبوح به والذي يطفوا من خلال جملة من القرارات والمواقف هو خلق نظام سياسي مدني ، ففي الوقت الذي يريد بناء جيش جمهوري وتوطيد القيم العسكرية والجمهورية داخل المؤسسة العسكرية وابعادها عن السياسية وغياب أي فكرة للتوريث حسب نمط وطبيعة الفريق الموجود في قمرة السلطة الذي لن يكن لأي فرد منه القابلية للترشيح بعد 2029 فإنه في نفس الوقت يفتح الباب للإصلاحات السياسية الجوهرية الأمر الذي لم تغتنمه الطبقة السياسية ولم تستوعبه وتحولت عنه لممارسة طموحها الفرداني .
إنها اليوم تفوت فرصة تاريخية على الشعب في وضع أسس لتكوين لجنة مستقلة ذات مصداقية وتمثل أساسا للتراكم في المجال .
إننا نفشل في الوقت الذي لايكون فيه للفشل أي مبرر .ونعجز عن إخراج لجنة صغيرة تخدم المسار الديمقراطي وتخدم البلد .ياله من فشل مريع!!!!!!
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار