الثلاثاء
2024/04/23
آخر تحديث
الثلاثاء 23 أبريل 2024

مرة أخرى، أين المعارضة؟

18 يناير 2023 الساعة 17 و02 دقيقة
مرة أخرى، أين المعارضة؟
طباعة

تختفي، في هذه المرحلة التي يمر بها البلد، بصمات المعارضة بمعنى "المقاربة السياسية البديلة"، ليس فقط من حيث الوقوف على الطرف الآخر، وإطلاق حملات عشوائية، ومناهضات، أو انتقادات لاذعة وحادة، أو الكفر البواح بكل ما له صلة بالنظام على مألوف عادتها، بل أيضا من حيث غياب المشاركة في إعلان رأيها وموقفها. علينا أن نحلل ذلك قليلا: ألأنها ترى في التوجهات الحالية للنظام، التي كان بعضها مطلبا ملحا للمعارضة، مجالا للشراكة معه ودعما له، ولأن الإعلان عن ذلك يعد تحولا في الموقع من المعارضة إلى الموالاة ؟ ألا يمكن أن تكون بعض قرارات وتوجهات النظام ملبية لرغبة المعارضة ومتوافقة معها بالصدفة؟!وماذا عليها في هذه الحالة ؟وعلى أي نمط يجب أن يكون موقفها؟ وكيف ستفسره؟ فهل يكون الحل الخجل من قول الحق؟!
مهما يكن من تفسير ، فإننا في المحصلة نشعر بغياب شبه تام للمعارضة عن النشاط السياسي في الساحة والمنابر..إننا كمن يفكر في أن حماس المعارضة وبريقها مرتبطان بتطرفها ضد النظام، وإلا فلا دور لها !وعكسا لذلك تظل المعارضة تملك رأيا في قضايا البلد إضافة إلى جماهيرها الثابتة والمتعاطفة معها التي لها الحق عليها في تجلية مواقفها من مجريات الأحداث تحقيقا لطموحها السياسي في الوصول للسلطة بواسطة توعية وتعبئة المواطنين حول برامجها وحول الأهداف الوطنية وخطوط التوافق السياسي، وليس فقط حول الصراخ وإلقاء البيانات النارية وشحن الصدور ولهب المشاعر .
موقف المعارضة غير مُعلَّل من الوضعية القائمة …حتى تماهيها في التهدئة لم يجد التعليل الكافي ! لكن وماذا بعد التهدئة ؟ هل ما تم إحرازه وانجازه يرضي المعارضة بصفة عامة أو بقدر ما؟ وهل تم بالأسلوب والطرق التي تتقاسمها المعارضة مع النظام أو ضمن تصورها أو طموحها ؟..
كان على المعارضة أن توضح باستمرار موقفها من الأحداث التي يمر بها البلد، مثل الخطوات التي تمت بشأن رقابة التسيير ومحاربة الفساد ،وكذلك الحديث عن الوضعية الاقتصادية للبلد والقفزة في المداخيل وتسوية الاختلالات :مثل مراجعة الديون التي وصلت ل 40%من الدخل الوطني الخام بدل 104%ومحاولة تنظيم الميزانية بشأن زيادة الاستثمار الذي انتقل من 25% إلى 35%وتقليص الإنفاق بتوازن والاستراتيجية الاجتماعية الواسعة التي اتسعت لأكثر من مليون مواطن بالنسبة للتأمين الصحي وتوفير رواتب ما مجموعه 7مليار سنويا ،والخطوات التي قطعت بشأن ملف العشرية التي ستتوج بمحاكمة ولد عبد العزيز. لقد كان ذلك مطلبا للمعارضة حتى أثناء وجوده في السلطة وقد قامت بتحقيقات كبيرة تدينه حينها وتصب في نفس نتيجة التحقيقات الحالية من اختلاس واستغلال للنفوذ وخيانة للأمانة وتبييض للأموال والفساد. إنها ترسانة من السوء لا يمكن توقعها في شخص متوازن …أين موقف المعارضة المستقل وفي ضوء مقاربة التهدئة من هذه الحزمة ؟
يتحرك البلد اليوم في اتجاهات سياسية مختلفة (جو الشراكة وتوسيع قاعدة مشاركة المعارضة وزيادة حظوظها) واقتصادية (ضبط الإنفاق وتحرير المبادرات الفردية وتقوية مناخ الثقة وقدرة التحمل ومصداقية الدولة الاقتصادية وتقوية نظام الرقابة على التسيير تحسبا لمداخيل كبيرة) واجتماعية (تثمين الموارد الاقتصادية ذات الطابع الاجتماعي وتوسيع مجال استفادة القطاعات الهشة من الدولة ومواصلة تحمل جزء من أعباء الحياة عن الفقراء).. فما هو دور المعارضة؟
تختلف الوضعية اليوم عن الأمس، فيمكن ببساطة تحديد المشترك ، والوطني، وغير الوطني لأن الكل مستقل عن ضغط الأحداث ،ليس لأنها تسير بهدوء وروية، بل لأن الأداة المؤثرة والمصاحبة والمحركة هي حسن النية، وهي البحث عن المصلحة، ولأن هناك قاعدة عامة للشراكة تقوم على الجواب على كل التساؤلات وفتح المجال لكل الآراء ،ولأن المقاربة العريضة أن المعارضة لم تعد "عدوة للشعب" كما ظل ولد عيد العزيز يكرر على المنابر وفي اسلوب من سبقوه، بقدر ما هي- في نظر الرئيس الحالي- الجزء المكمل للصورة والداعم لفاعلية خيارات البلد السياسية ونهضته الاقتصادية وتعايشه الاجتماعي المديد .لكن يبقى السؤال المطروح: على أي نحو فهمت المعارضة ذلك ؟!
نحن اليوم نلاحظ قرع الطبول في الداخل احتفاء ببعثات الحزب ورئيسه الذي لا يعرف قدراته ولا كنهه سوى الرئيس غزواني ،فكل ما يمكن الخروج به من تصور في هذه اللحظة أن غزواني حريص على أن تظل الواجهة ترسم نمطا أخلاقيا معينا (مدير ديوان رئيس الجمهورية ،الوزير الأمين العام للرئاسة ،الوزير الأول )، وخارجا عن ذلك، علينا أن ننتظر .
كان حري بالمعارضة الثابتة في حلبة مقاربة الهدوء والشراكة في كسب بعض الرهانات الوطنية العامة مثل "التوافق حول شروط العملية السياسية " أن تخرج، هي الأخرى، للعلن في هذا السباق السابق لأوانه والضروري أيضا للتحضير لانتخابات توافقية وعامة على امتداد التراب الوطني لتعلن موقفها للملأ ،لكن الغريب والمر في نفس الوقت أن المعارضة تعودت على التحرك دائما في الوقت بدل الضائع ..كانت في السابق تواجه مخططات النظام العدائية ضدها التي كانت تعرقل مسارات الإتفاق والتوحد، لكنها اليوم في راحة بال كبيرة من ذلك، فلأي سبب الاحتفاظ بهذه العادة !.
إن المواطن العادي اليوم، عكسا لأي مرحلة سابقة، لا يرى هو الآخر أن مصالحه معلقة على دعم النظام. لقد اختفى قاموس "هذا معارض "لكي يتم حرمانه أمام تدخل الدولة بالنسبة للمساعدات التي درجت عليها عبر بعض المؤسسات والبرامج ..إنه اليوم أيضا مرتاح من العبودية للنظام، وبامكان المعارضة أن تبث رسالتها في جو سياسي معتدل، لكنها لا تحرك مياهها الراكدة …إن مياه المعارضة اليوم هي التي يغتسل فيها المتطرفون، لا أعني مفهوم الغلو، بل أعني الانحراف عن السياق العام، "سياق التوافق والتهدئة"، إلى الشطط، إلى لا شيء من حيث الطرح العقلاني مثل نمط ولد عبد العزيز وما شاكله. إنهم يريدون منا السكوت عن ما يصدر عن أشخاص أثناء المرور بعدم التركيز، وهذا مستحيل، فهو مشابه لحالة سابقة: "رجل فقد عقله وصار كلما مرّ على شيء يقول إنه ملكه، فما كان من الناس إلا أن قالوا له انه عندما يشفى سيعرف أنه كان يهلوس"..تماما مثل خطاب عزيز: "لن أترك البلد بين يدي المفسدين ليدمروا انجازاتي، أنا لن أترك هذا ……". لماذا لا تصوب النخبة، خاصة المعارضة، هذا الموقف على الأقل مثل ما قال الناس لصاحبهم ؟لماذا لا يوّضحون الحقيقة للرأي العام ؟إن وجهة نظر المعارضة وموقفها مهم لمصلحة السكينة ولمصلحة الحق ولمصلحة البلد. إنها هي الطرف الأقل وقوعا تحت ضغط التجاذب ،لكنها للأسف تعاني من كثير من الغياب خاصة بالنسبة لدعم وتوكيد مطالبها الملحة التي ظلت تناضل من أجلها .

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار