الأربعاء
2024/04/24
آخر تحديث
الأربعاء 24 أبريل 2024

ملامح من حياة العلامة ولد اباه.. "قيمة إنسانية وقامة علمية"

3 مارس 2023 الساعة 08 و45 دقيقة
ملامح من حياة العلامة ولد اباه..
طباعة

مرت مدة أربعين يوما على انتقال الأستاذ محمد المختار ولد اباه إلى جوار ربه، حيث دفن بمسقط رأسه بالنباغية بموريتانيا. أردت بهذه المناسبة أن أقول فيه نزرا من الخير الكثير الذي يستحقه، رعيا لأواصر شخصية ربطتني به وتعبيرا عما أثاره عندي على الدوام من مشاعر الإعجاب والتقدير. كلما التقينا كان يسألني عن صحتي بهذه العبارة: “هل تنام جيدا؟”، وأنا من حسن الظن بالله تعالى أنه الآن هنالك قد استيقظ على أحسن الأحوال الموعودة للعاملين.

كان بعلمه عزيز النظير بين كثير ممن عرفت من العلماء أو سمعت بهم، لأنه متين القواعد، راسخ القدم في كل ما يتصل بالعربية وبعلوم الشريعة، وكان شاعرا وناظما لبعض قواعد العلم.

أتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكانت له إلى هذه اللغة الأخيرة ترجمة جيدة للقرآن الكريم، ولا يقدّر هذا الإنجاز إلا من جال بين مختلف ترجمات القرآن الكريم وعرف قضاياها الشائكة لما هو معروف من الأسباب العلمية والدينية.

من إنجازات الراحل التربوية العلمية تأسيس جامعة شنقيط الإسلامية، وقد رافقته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية في هذا المشروع، لأنه أقنعها بالهدف الأسمى للجامعة وهو الصرامة والرصانة في التعليم وحفظ معنى الثوابت الدينية لهذا الغرب الإسلامي الذي له إسهامه في الاجتهاد العلمي والسلوكي، لاسيما بعدما أصبح هذا الغرب هدفا من الخارج للتشويش المفضي للفتنة الاجتماعية والسياسية من جهة الدين.

ومن كماليات حذق الأستاذ جوانب طريفة، منها أنه كان يسوق الطائرة، وكانت له طائرة إذا سافر فيها إلى مسقط رأسه على بعد مئات الكيلومترات من نواكشوط، فإذا وصل البلدة ظل يحلق فوقها حتى يتأكد أن القبيلة قد أبعدت المواشي من الإبل والغنم عن مجال نزول طائرته.

إلى جانب ثراء حياته العلمية كانت له حياة مهنية نشيطة متنوعة سامية، فقد اشتغل بالديوان الملكي بالرباط، وكان مديرا للإذاعة الوطنية المغربية، وتقلد مناصب في منظمات دولية.

ولكن أعظم جانب في حياة الرجل يكمن في مساعيه غير المعلنة غالبا من أجل حفظ روابط الأخوة بين البلدين، المغرب وموريتانيا، فقد قال لي مرة: “مما وقفت عليه من عبقرية الحسن الثاني أنني طلبت منه يوما أن تكون لي الجنسية المغربية، فقال لي: الأفضل أن تبقى على جنسيتك الموريتانية وأن تظل على محبتك للمغرب”. وقد فهم فهما عميقا أن الملك أراده أن يكون حرا في خدمة علائق الأخوة بين البلدين، وكذلك ظل يفعل متمتعا بتقدير مفيد من قبل معظم المسؤولين في بلده موريتانيا.

لم أر من بين المنتمين للثقافة في بلدان المغرب من حمل هذا الهم، إلا محمد أركون، كنت في ضيافته في داره في جوفيزي بضاحية باريس يوما من عام 1980، وقال لي: “ما هذه الحماقة في الإعلان المنشور القائل بأن المغرب ألقى بأسلحة في أرض الجزائر؟ أرى أن هذا التوجه الخطير يرهن المستقبل، بينما مستقبلنا في مواجهة تحديات الخارج بالوحدة على الصورة التي يسفر عنها صوت الشعب”، ثم أضاف: “وأين صوت الشعب؟”. وكان يقول: “أنا مستعد لأجمع عددا من مثقفي بلدي الأصلي للقدوم عندكم وشرح الاستعداد لخدمة مستقبل المغرب الكبير أمام قيادتكم التي هي وحدها في المنطقة تقتعد مقام الإمارة”، كان يسميها Instance de Pouvoir.

الأستاذ أحمد التوفيق

هسبريس