الخميس
2024/04/25
آخر تحديث
الخميس 25 أبريل 2024

محمد حمدان دقلو "حميدتي" من تاجر للإبل والذهب إلى قائد لقوات الدعم السريع(قصة حياته)

19 أبريل 2023 الساعة 12 و38 دقيقة
محمد حمدان دقلو
طباعة

محمد حمدان دقلو، المقلب بـ"حميدتي"، ولد عام 1975 في دارفور، واشتهر في شبابه بالمتاجرة بالإبل والأغنام، وبقي يتنقل بين تشاد وليبيا ومصر. كوّن مليشيا بدأ معها تأمين القوافل وردع قطاع الطرق، وتطورت حتى أصبحت قوة كبيرة لفتت أنظار الحكومة السودانية التي طمعت بضمها لمساندة مليشيا الجنجويد من أجل قمع تمرد الحركات المسلحة في إقليم دارفور غربي البلاد، وهكذا كانت تلك المليشيا بوابته نحو الدخول في معترك السياسة حتى صار نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي بعيد الانقلاب على عمر البشير الذي عينه وأدخله الجيش.

الولادة والنشأة
ولد محمد حمدان دقلو عام 1975 في ولاية شمال دارفور، ويعود أصله إلى فخذ المحاميد من قبيلة الرزيقات الهلالية البدوية العربية التي لها عمق شعبي كبير في دارفور وكردفان وتشاد وعدد من دول أفريقيا. تلقى تعليمه في الكتاتيب التقليدية، لكنه انقطع عن التعليم منذ عام 1991، وكان وقتئذ في عمر الـ15.

وفي منتصف التسعينيات أصبح حيمدتي شابا معروفا في الممرات والطرق التجارية، فنشط في تجارة الإبل والأغنام واستيراد القماش، خاصة بين ليبيا ومالي وتشاد، وقاد مجموعة صغيرة لتأمين القوافل وردع قطاع الطرق واللصوص في مناطق سيطرة قبيلته.

وبين دارفور وتشاد وليبيا ومصر تنقل حميدتي بائعا للإبل وحاميا للقوافل إلى أن كوّن ثروة كبيرة، وشكل مليشيا لفتت انتباه السياسيين السودانيين لرغبتهم في ضم القبائل لتحالفها مع الجنجويد من أجل مواجهة التمرد في دارفور، ومكنته مليشياه لاحقا من التأثير في الشأن السياسي السوداني.

التجربة السياسية
ومع اندلاع صراع دارفور عام 2003، استقطبت مليشيا حميدتي عناصر من الجنجويد وبدأ يلفت نظر صناع القرار في الخرطوم، وما لبث أن بدأ باستقطاب أبناء القبائل المختلفة، حتى شكّلت قوات شعبية قومية تحت اسم "وحدات استخبارات الحدود" وعين حميدتي عليها.

في عام 2007 عين حميدتي عميدا، وضمت قواته إلى جهاز المخابرات السوداني، ثم في عام 2013 أعاد هيكلتها الرئيس المخلوع عمر البشير وسماها "قوة الدعم السريع"، وجعلها كيانا رسميا شبه عسكري بقيادة حميدتي الذي منحه البشير صلاحيات وامتيازات كبيرة أثارت غيرة وحفيظة كبار الضباط، وجعل البشير القوة تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية في عهده خلال الحرب في دارفور.

زادت ثروة حميدتي في تلك الفترة، ورافقتها زيادة نفوذه وقواته، حتى استولى على مواقع تعدين الذهب الرئيسة في منطقة دارفور، وبحلول عام 2017 شكلت مبيعات الذهب في البلاد 40% من الصادرات.

وفي عام 2015 استطاع حميدتي تطوير علاقاته الخارجية، إذ أرسل وحدات الدعم السريع إلى اليمن بعد انضمام السودان إلى تحالف مع السعودية لمحاربة الحوثيين.

ووفق إحصائيات غير رسمية، بلغ تعداد قوة الدعم السريع عام 2019 نحو 40 ألف عنصر معظمهم من القبائل السودانية من الغرب والشرق، ودججها البشير بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة مثل البنادق والمدافع الصغيرة وسيارات الدفع الرباعي. وتقول تقارير إنها أصبحت حاليا نحو 100 ألف مسلح، مزودين بعربات رباعية الدفع مسلحة وسريعة الحركة.

وتقول بعض التقارير إن سيطرة حميدتي وقواته على مناجم الذهب في السودان، في جبل عامر خصوصا، بعد الإطاحة بزعيم مليشيا الجنجويد السابق موسى هلال، أكسبت حميدتي استقلالا ماليا وقوة خارج سيطرة أجهزة الجيش، فاقمتها بعض أيادي الدعم الخارجي كما يقول خصومه.

حاول عمر البشير تعزيز نفوذ "قوة الدعم السريع" وجعلها مركز قوة موازية للجيش، تفاديا لأي انقلاب عسكري. وواصل حميدتي صعوده اللافت في دوائر الحكم السوداني، وحصل على ترقيات عسكرية استثنائية رفعته إلى رُتبة لواء ثم إلى رتبة فريق، من دون أن تُفلح ضغوط القادة العسكريين في الإطاحة به بعدما تنامى عداء الجيش له.

وفي يناير/كانون الثاني 2017 أقرت الحكومة قانون "الدعم السريع" ونقلت تبعية "القوة" من جهاز الأمن والمخابرات إلى القوات المسلحة، رغم أن معظم منتسبيها ليسوا عسكريين.

الإطاحة بعمر البشير
مع تصاعد وتيرة المظاهرات عامي 2018-2019، قرر حميدتي التخلي عن البشير الذي بقي حاميا له 15 عاما، ورفض قمع المتظاهرين، كما دعا لإسقاط البشير وكل رجال الحرس القديم، وتقليص الفترة الانتقالية، وطرح استفتاء بشأن بقاء القوات السودانية في حرب اليمن، كما أدلى بتصريحات لافتة دعا فيها الحكومة إلى توفير الخدمات للمواطنين وتوفير سبل العيش الكريم لهم.

بدأت المفاوضات السرية بين حميدتي والجيش بشأن دمج قواته أو تقليص صلاحياتها، وتوصل الطرفان إلى صفقة عُرض فيها على حميدتي منصب نائب رئيس المجلس العسكري، مقابل ضمانات لا تُخِل بمصالح الجيش في مرحلة ما بعد البشير، التي تمثَّلت في حماية سلطاته القديمة، وضمان بقاء سيطرته على الموارد الحيوية للدولة، وتحجيم أي حكومة قادمة تستهدف الإطاحة به من المشهد.

وإلى جانب السلطة الجديدة التي تمتع بها، حافظ قائد قوات الدعم السريع على ميزانية مستقلة لقواته، إلى جانب تحصين منصبه طوال الفترة الانتقالية من العزل أو المحاكمة، وهو ما يظهر في مخرجات الوثيقة الدستورية الموقعة أواخر عام 2019.

اصطدم عبد الله حمدوك (رئيس وزراء الحكومة الانتقالية وقتئذ) مع قوات الدعم السريع بسبب مبادرة شملت إلحاق تلك القوات بالمؤسسة العسكرية وتسوية وضعها، فقرر حميدتي والبرهان الانقلاب على حمدوك.

الخلاف مع البرهان
حتى موعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021، كانت العلاقة بينه وبين نائبه حميدتي طيبة، وكان حميدتي يتمتع بسلطة واسعة، خاصة في اختيار أفراد الحكم في الولايات.

وكان الطرفان حليفين ضد القوى المدنية بعد عزل البشير، وأصبح البرهان رئيسا لمجلس السيادة وقائدا للجيش، بينما أصبح حمدان نائبا لرئيس مجلس السيادة.

وفي مايو/أيار 2021 اشتعلت الخلافات بين الطرفين حول السلطة والنفوذ، حتى كادت تصل إلى المواجهة المسلحة، لكن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وأعضاء مدنيين من مجلس السيادة تدخلوا للمصالحة بينهما، حتى توافقا على إنهاء الشراكة مع قوى إعلان الحرية والتغيير في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

بعد ذلك بدأ حميدتي من جديد باتهام البرهان وقال إنه "عاش معه خدعة" الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير، واتهمه بأن لديه "أجندة" لإعادة نظام البشير للسطلة، وخرج معلنا العجز عن تشكيل حكومة تنفيذية، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتدهور الأوضاع الأمنية، ثم اعتكف في دارفور، ثم تحدث عن أياد للاستخبارات العسكرية تُحرِّك قلاقل في أفريقيا الوسطى، وانتقد أداء الأجهزة الأمنية الموالية للبرهان.

وبات الجيش يرى تهديدا واسعا في تنامي قدرة قوات حميدتي غير النظامية، وامتلاكها أحدث الأسلحة، مع سيطرتها على ميزانية كبيرة بفضل استقلالها المالي، واتجاه حميدتي إلى بناء تحالف جديد مع أعيان القبائل ومشايخ الطرق الصوفية، في وقت أخذ يبحث فيه الجيش عن واجهة مدنية لإكمال الفترة الانتقالية ونقل السلطة إلى حكومة منتخبة يضمن فيها عدم المساس بمصالحه.

بنهاية عام 2022، أعلن حميدتي منفردا تأييده للدستور الانتقالي الذي أعدته نقابة المحامين السودانيين، ونص الدستور على إبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم، ودمج كل القوات الأخرى في الجيش السوداني، في عملية إصلاح أمني وعسكري شامل.

برزت اقتراحات للتسوية السياسية بين العسكر والمدنيين في أغسطس/آب 2022 تحت رعاية إقليمية ودولية، وكان قائد الدعم السريع حميدتي أكثر حماسة للتسوية، مقابل قائد الجيش الذي قبلها "بتحفظ شديد".

وقّع البرهان وحميدتي في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022 على اتفاق إطار مبدئي مع المدنيين لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، والقيام بـ5 ورش تُخصص للإصلاح الأمني والعسكري والعدالة والعدالة الانتقالية وغيرها. ورغم توقيع البرهان على الاتفاق الإطاري، خرج مشترطا في أكثر من مناسبة دمج قوات الدعم السريع في الجيش لتنفيذ الاتفاق.

ثم خرج حميدتي في بيان رسمي في فبراير/شباط 2022 معلنا ندمه على المشاركة في "انقلاب" 25 أكتوبر/تشرين الأول، وتلا ذلك تعرقل الورش المدرجة للإصلاح الأمني والعسكري في الاتفاق.

وقع البرهان وحميدتي على ورقة الإصلاح الأمني والعسكري في 15 مارس/آذار تحت رعاية اللجنة الرباعية المكونة من أميركا والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، والتي حددت السقف الأقصى لدمج قوات الدعم السريع بـ10 سنوات، لكن الخلاف دب من جديد بشأن طريقة الدمج وتفاصيله.

وتلا ذلك عدة محاولات للوساطات بين الطرفين لكنها باءت بالفشل ودون حلول، وكان محور الخلاف أن البرهان ومن معه رأوا أن القوات يجب أن تكون تابعة لقائد الجيش، بينما رأى حميدتي أنها يجب أن تكون لرأس الدولة وفقا لما جاء في الاتفاق الإطاري.

في أبريل/نيسان 2023، شبّ خلاف بين حميدتي وعبد الفتاح البرهان حول الجدول الزمني لدمج "قوات الدعم السريع" ومن سيتقلد منصب القائد العام للجيش خلال فترة الاندماج، وأيضا مكانة ضباط الدعم السريع في التسلسل الهرمي المستقبلي.

واتجهت "قوة الدعم السريع" إلى مدينة مروي شمال السودان في 13 أبريل/نيسان للتمركز قريبا من مطار مروي الذي فيه قاعدة جوية قيل إنها تضم عناصر من الجيش المصري موجودة لمساعدة الجيش السوداني في حرب منتظرة ضد الدعم السريع.

وأثار تمركز قوات حميدتي حفيظة الجيش الذي عزز في المقابل وجوده في المنطقة بقوات إضافية، لتبلغ الأمور حد المواجهة المسلحة وتشتعل في أرجاء مدن السودان في ظل تراشق الاتهامات بين الطرفين حول المسبب للشعلة الأولى.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية