الجمعة
2024/04/19
آخر تحديث
الجمعة 19 أبريل 2024

النظام الصحي السوداني يتداعى

3 مايو 2023 الساعة 16 و14 دقيقة
النظام الصحي السوداني يتداعى
طباعة

تلوح أمارات انهيار النظام الصحي في السودان تحت وطأة الاحتراب المندلع بين الجيش وميليشيات ’قوات الدعم السريع‘، منذ الخامس عشر من أبريل الجاري.

وحذرت مؤسسات صحية وإغاثية من كارثة إنسانية قد يمتد مداها لعشرات السنين في السودان.

ففي صباح الثلاثاء الماضي أعلنت ’اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان‘ عن توقف الخدمة في أكثر من 70% من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات بالولايات السودانية المختلفة، وتعرض 13 مستشفى منها للقصف بينما أُخلي 19 آخرون قسرًا.

ويهدد نقص الكوادر والإمدادات الطبية وانقطاع التيار الكهربي المستمر بغلق ما تبقى من المستشفيات العاملة رغم زيادة عدد ضحايا الاشتباكات الجارية، وفق عطية عبد الله، سكرتير اللجنة.

وبعد 10 أيام فقط من الاقتتال، تجاوز عدد الضحايا 450 قتيل وما يزيد على أربعة آلاف جريح، حسبما نقل المكتب الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية عن وزارة الصحة الاتحادية بالسودان، في 25 أبريل الجاري.

ويقول مدير عام المنظمة، تيدروس أدهانوم جيبريسوس: ”تقديراتنا أنه كان من الممكن إنقاذ العديد من الأرواح إذا أتيح للمتضررين من القتال المستمر الوصول إلى وسائل السيطرة على النزيف، لكن الطواقم الطبية غالبًا ما تكون غير قادرة على الوصول إلى الجرحى، كما يصعب على المصابين الوصول إلى المرافق الصحية“.

يقول عطية في مكالمة هاتفية لشبكة SciDev.Net: ”نحن في حالة انهيار تام، نفدت مخزوناتنا الدوائية، ودُمرت المؤسسات الصحية، وتعرضت فرقنا الطبية للقتل خلال المعارك“.

وأكد عطية سقوط 11 قتيلًا من الكودار الطبية وطلاب الطب في ظل الاشتباكات الأخيرة.

”حتى في حال تأمين ممرات لعبور الطواقم والمعدات الطبية يظل الوضع كارثيًّا، ونحتاج إلى مساعدات خارجية عاجلة“.

ويمتد تأثير مخاطر تعطُّل الخدمات الطبية إلى أبعد من الإصابات النارية المباشرة خلال الاشتباكات؛ إذ نبه أحمد المنظري -المدير الإقليمي لشرق المتوسط بالمنظمة- في مؤتمر صحفي عُقد الخميس الماضي إلى أن المصابين بأمراض مزمنة غير قادرين على الحصول على العلاج مع تزايُد احتياجات الصحة العقلية، خاصةً بين الأطفال.

كذلك هنالك انتشار للعديد من فاشيات الأمراض، منها الحصبة وشلل الأطفال، واندلاع أول لفاشية حمى الضنك بالعاصمة الخرطوم، وزيادة مطَّردة في حالات الملاريا بجميع أنحاء البلاد.

يقول المنظري: ”بسبب الظروف التي مر بها السودان خلال السنوات الماضية والظروف التي يمر بها حاليًّا هناك ارتفاع في الإصابات بين الأطفال بأمراض معدية، بعضها كان قد تم القضاء عليه“، منوهًا بأن أضرار الحرب على النظام الصحي قد تستمر إلى عقود مقبلة.

أفضت الاضطرابات السياسية المتكررة في تاريخ السودان الحديث إلى وهن نظامه الصحي، فقرابة 70% من المؤسسات الصحية تفتقر إلى العلاجات الأساسية المنقذة للأرواح، مع نقص حاد في الطواقم الطبية (4.1 أطباء لكل 10 آلاف مواطن)، وفروق واسعة بين الخدمات المتوافرة لسكان الحضر وتلك المتوافرة لأهل القرى.

وكان اتفاق تَشارُك السلطة الذي وُقع بين القوى العسكرية والمعارضة عام 2019 يمثل فرصةً لالتقاط الأنفاس ومحاولة إعادة بناء نظام صحي يشمل كل السودانيين ويتجاوب مع الحاجات الصحية الطارئة التي تم تجاهُلها لسنين طويلة، وفق ما نشره باحثون سودانيون ودوليون في مجلة ذا لانست وقتها.

لكن عودة الاضطرابات أفضت مجددًا إلى تعطل الخدمات الصحية وتوقف المنح الدولية وتزايُد حدة الأزمات الإنسانية، خاصةً في بؤر النزاع مثل دارفور.

حاليًّا، المؤسسات الصحية والإغاثية الدولية شبه عاجزة عن إيصال المساعدات، نظرًا لتوقف حركة الطيران، أو خوفًا على سلامة طواقمها.

فقد أعلنت منظمة أطباء بلا حدود الأربعاء الماضي أن مسلحين أغاروا على مقرها بنيالا في دارفور- الذي يحوي الإمدادات الطبية الحيوية- وسرقوا كل شيء بما في ذلك السيارات والمعدَّات المكتبية.

يقول سايروس باي، منسق مشروع أطباء بلا حدود، في شمال دارفور: ”إن الإمدادات الطبية في المرافق الصحية آخذة في النفاد، والطواقم عاجزة عن الوصول إلى عملها، شل القتال العاملين في المجال الصحي ومجال الإغاثة والإنقاذ، ويقضي الكثيرون نَحبهم بهذا الوضع“.

وأوضح المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط عدم قدرته على إرسال اللوازم الطبية إلى السودان؛ نظرًا لتوقف المطارات وغياب الأمان عن الطرق، مشيرًا إلى أنه يتعاون مع ”شركاء على الأرض“ للوقوف على وضع الموارد المتواضعة المتوافرة حاليًّا.

والأحوال ”بالغة التعقيد“، على حد وصف فريد عبد القادر، رئيس مكتب الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في السودان.

يقول عبد القادر لشبكة SciDev.Net: إن فرق الهلال الأحمر السوداني ما زالت نشطة في 16 ولاية سودانية، وتعمل في ظل هذه الأحوال.

وأوضح أن فِرق الهلال والصليب الأحمر تتوزع على المناطق الحدودية في كلٍّ من مصر وتشاد وإثيوبيا لتوفير خدمات صحية أساسية للنازحين.

يقول عطية: ”أبدت عدة جهات إغاثية استعدادها لتقديم يد العون، لكن حتى الآن لا توجد ممرات آمنة تتيح وصول المساعدات“.

وكانت ’الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية‘ قد أعلنت الأحد الماضي نشر فريق الاستجابة للمساعدة في حالات الكوارث بالمنطقة؛ للقيام بأعمال تنسيق الاستجابة الإنسانية.

لكن المتحدثة باسم الوكالة، جيسيكا جينينجز، أوضحت لشبكة SciDev.Net أن ”الفريق سيبدأ العمل من كينيا نظرًا لتعليق عمل السفارة بالخرطوم، وأن الاستجابة الإنسانية ما زالت في أولى مراحلها؛ إذ تجرى الآن دراسة الحاجات الأساسية المطلوبة“.

ورغم إعلان الإدارة الأمريكية عن نجاحها في التوصل إلى هدنة لمدة ثلاثة أيام تبدأ من منتصف ليل 24 أبريل، تواصل ميليشيا الدعم السريع خرق الهدنة بتكثيف التحركات العسكرية ومحاولة استغلال الموقف بالحصول على إمدادات من الذخائر.

ويؤمل عطية سريان الهدنة، ونجاحها في وقف الاقتتال بعد تعثر كل المحاولات السابقة، فوصول المساعدات وإيقاف الحرب هو السبيل الوحيدة نحو إنقاذ حياة الملايين من السودانيين.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

المصدر