الاثنين
2024/03/18
آخر تحديث
الاثنين 18 مارس 2024

من نتائج الانتخابات (الحلقة الأولي "عرضية")

4 يونيو 2023 الساعة 11 و37 دقيقة
من نتائج الانتخابات (الحلقة الأولي
طباعة

منذ يومين ومدينة نواكشوط تنفث دخان الاطارات المطاطية لأن شابا- سلوكه غير مضبوط، رحمة الله عليه- قضى نحبه عقب عراك مع أصدقائه، وقد حاولت الشرطة نجدته وباءت بالفشل. وعلى طريقة "النفخ في الصور"، انبجست من كل حدب وصوب عثاكل البشر بلون واحد في عملية استعداد هائلة للعنف واستهداف المحلات العامة والخاصة وأفراد الشرطة، وكأن هدفا دفينا لابد من تحقيقه بالأخص "قضاء فائتة" في خلط لجميع أوراق الهدوء والسكينة والخروج من جو التهدئة. جاءت هذا الاحتجاجات في جاهزية طافحة للعنف وكأن السكينة اقتلعت من جذورها في البلد، فهناك مجموعة متزامنة من الأحداث في عدة نقاط في البلد ضمن ردة الفعل نفسها التي جاءت عقب "نهدة" الضمير الذي لا يستقيظ إلا عندما يموت شخص أسود في مخافر الشرطة. الذين ذبحوا في الشوارع أو الذين ماتوا لأسباب عديدة، لا يثير موتهم أحدا، بل يبقى موتهم ضمن ثنايا الأحداث اليومية العابرة التي لا يعبأ لها خاصة في هذا الفضاء الافتراضي التأجيجي . فخلال هذه الحادثة، لم يكن هناك استعداد لسماع شيء آخر سوى العنف، وكأنها لا توجد سوى مشروعيته .الشرطة "تكذب"، ووكيل الجمهورية "يكذب" والطب الشرعي "يكذب"، وكل شيء في هذه الدولة "يكذب"، النظام والعقل والهدوء: كلها أعداء للموقف، فالأحكام المسبقة أُبرمت وتم ختم الأمر بأنه استهداف وقتل عمد، وصار الشيء الوحيد المتاح والمسموح به في هذه الضوضاء هو ممارسة العنف حتى بالنسبة لمن يفترض فيه "التعقل والقانونية " حيث ظل ينفخ النار في صدور الغوغاء ويؤصل لهم أسباب الاستمرار في العنف. النواب والمحامون وقادة المجتمع المدني أبطال في مشهد السوقة والعوام، وقد ظلوا يصدرون الأحكام ببطلان البيانات الرسمية ويلفتون عنها أنظار وأسماع الناس بتعليقاتهم على جدرانهم الالكترونية بكل أنواع القذع والشتم والسباب للدولة والتشكيك في مصداقيتها وحياديتها ، ويتهمونها بالعنصرية، فهل لهذا منطق مناط يمكن الركون إليه لإثبات أو نفي صحة عملية التعذيب أم لا؟! .في كل العالم، وفي جميع مفوضيات العالم، وأثناء تعامل الشرطة مع المواطنين، تقع أخطاء وفظاظات وظلم وقتل وتظل محصورة في إطار مقترفيها …لماذا تبقى هذه الأخطاء غير مقبولة عندنا ! لماذا يكون هناك لون بشرة واحد لا تجوز في حقه هذه الأخطاء أو الجرائم ! لماذا يفرض هذا الجدار الملون على أمننا؟. صحيح أننا في الوقت نفسه في كنف مناخ سياسي أظهر تراجعا كبيرا لخطاب تقسيم المجتمع حيث يجب تكذيب ذلك ، ولفشل الساسة الذين يصدرون القرارات من البيوت ولا يعبأون بالانشقاقات داخل أحزابهم، ومع ذلك لا يقبل أحد بالنتيجة المنطقية، بل الحتمية لتراجع نشاطه ومناضليه حيث أصدروا جميعهم رفضا وتلويحا بالمجابهة يمكن أن يشكل موجة يركبها البعض. لقد تم ضبط 10 أجانب (4سينغاليين و6ماليين) في المظاهرات في ازويرات أمس الأوّل ،وخلال موجة الاحتجاج على نتائج انتخابات 2019 منع مرشحي المعارضة الشرعية عن أحداث العنف حينها ورفض أي مشاركة فيها، ومع ذلك ركبها أجانب باندفاع كبير نحو العنف.. إنها موجة جاهزة لأن تقل خليطا لا يحمل نفس الأهداف ولا النوايا ولا المبررات لحرق البلد .المواقف في تهويل تزوير الانتخابات من طبع معارضتنا، ومع ذلك لم يستطيعوا تقديم الحجة الدامغة على التزوير بجمع الأدلة الكافية وتقديمها للطعون رغم تعهد رئيس الجمهورية الذي استقبلهم باكرا بأنه لن يدعم أي ظلم ولن يفوّت أي تزوير قامت عليه الأدلة، وبعيدا عن ذلك ألا توجد مسطرة في قانون الانتخابات تصحح أخطاء الهيئات المشرفة على الانتخابات وتقوّمها ؟ لماذا لم يتوجه أحد إليها ! ألا توجد الثقة بها أيضا! فبم يمكننا أن نثق على نحو شرعي ومنطقي ! هل نثق فقط في موقفنا الذي تعتريه طوباوية ما ؟ .إننا نتفهم حجم المرارة والخسارة السياسية التي توجت فترة كبيرة من النضال، كما نتفهم الأثر النفسي للتراجع من المواقع المتقدمة إلى الوراء، ومع ذلك ليست هذه نهاية العالم ولا نهاية المشوار، فمن المهم، بالنسبة لمن يريد أن يواصل مشواره، أن يجري تحقيقا في مساره ليتمكن من تصحيح الأخطاء والوقوف على قدميه. لماذا لا نبدأ من حيث أمرنا القانون والشراكة السياسية ! لماذا نصدر أحكاما لا يأتيها الباطل بين يديها ولا من خلفها على تزوير لم نقم به الحجة ونقلب طاولة الحوار والتفاهم والتشاور والتهدئة، وكأن النهاية أزفت لنفرض فرضية لم نقدم لها دليلا على أنها هي الواقع بذاته؟ .
تحاول المجموعات التي فقدت وزنها السياسي أن تتكاتف لكي تبرهن سياسيا على أنها تعرضت لعملية تزوير ضدها، ولكي تبرر بذلك عدم صعود نجمها في الانتخابات …هل هذا هو الطريق الصحيح لاقناع الرأي العام بمنزلة الضحية التي حط ساستنا رحالهم بساحتها !أليس أهم من ذلك إبراز الشجاعة والصلابة ومواجهة حقائق الوضع؟.. ويظل هذا هو العجب العجاب، ومع ذلك يمكننا بقدر من عدم الانصياع للمنطق أن نغض الطرف عن هينات دعوى المعارضة بالتزوير، لكن ما يثير الاستغراب هو انسجام الأغلبية في هذا الإدعاء بالتزوير الذي شاب الانتخابات والذي حال بينها وحسم بعض المناطق في حين أنها لا تملك شعبية بالأساس، فقد شكلت أخطاء الحزب الحاكم عطية لهذه الأحزاب بأن تلقت مغاضبين لايريدون مغادرة دعم الرئيس غزواني ولا يريدون تمرير ترشيحات الحزب الحاكم. إنهم- أي أحزاب الأغلبية- ورغم خروجهم عن أصول الالتزام بروح الفريق والحلف الواحد، لم يبرهنوا على التزوير، لكنهم ركبوا موجة المغاضبين الذين خسروا رهانهم في ليّ ذراع حزبهم: "الانصاف".
الشعب كمتابع للوضع بحاجة لمن يجمع أدلته ويقدم بها طعونا لدى الجهات المختصة وينشرها في مؤتمر صحفي حتى يقيم الحجة على الجهات المسؤولة من أجل حشد الدعم لمساعي التصحيح ومطالبه بما في ذلك إلغاء الانتخابات .
إننا نترك جميع الفرص القانونية تضيع لكي نظل متمسكين بالمطلب للامعقول الذي نؤثر به على شرعية الانتخابات التي لم نفز بها لكي نحافظ على مكانتنا كزعماء سياسيين يريد النظام أن يقلل من مركزنا .إن البرهان الوحيد الذي نملكه على زعامتنا السياسية هو أن نظل نردد أن الانتخابات مزورة ونطالب بإلغائها في تجاوز صارخ للمنطق والقانون حيث أن المسالة لم تعد سياسية ولا موضوع تفاهم، بل أصبح إلغاء النتائج منوطا بالقانون وبالمجلس الدستوري بالنسبة للنواب والمحكمة العليا بالنسبة للبلديات .إن السياق العام لهذا الموقف والمطالب المترتبة عليه ليس من صنع الواقعية السياسية ولا الحكمة والتجربة، بل من صنع ردة الفعل وعدم القبول، بل الوضع المترتب على سلوك سياسي من عدم الفاعلية والجاهزية دام فترة من الزمن ،كما أنه لا يعكس الاعتراف بالجميل للإرادة السياسية للبلد التي قدمت جميع التنازلات والضمانات والامكانيات التي طالبت بها الأحزاب خاصة أحزاب المعارضة في مشاورات الحوار والتشاور الطويل الذي حضّر وأسّس لهذ الانتخابات لكي تظل توافقية ويظل جو التهدئة ومناخ الثقة هو الإطار العام للتنافس السياسي والانتخابي ولتظل كل من المعارضة والموالاة مجرد مقاربات سياسية تهدف لبناء الوطن من زوايا وبرامج مختلفة .
إننا، في الحقيقة، أمام خلط كبير في المفاهيم السياسية وفي عدم الواقعية …..
يتواصل

المحلل السياسي والإعلامي محمد محمود ولد بكار