الأربعاء
2024/05/1
آخر تحديث
الأربعاء 1 مايو 2024

من نتائج الانتخابات (الحلقة الثانية)

15 يونيو 2023 الساعة 22 و30 دقيقة
من نتائج الانتخابات (الحلقة الثانية)
طباعة

حاد بي الحديث المشحون بالتمييز العنصري والاتهامات الجزافية بالعنصرية لمجتمع البيظان إلى العودة بالقراء إلى التاريخ وصولا للمستقبل حيث يمكننا تأصيل نتائج التجربة والأحكام التي يمكننا من خلالها أن نحكم على مجتمعنا بالعنصرية من عدمها .يواجه مجتمعنا ضغطا سياسيا بتهم لا يمكن التأسيس لها .
يعود الوجود البشري للفضاء الذي توجد فيه موريتانيا إلى 700000 سنة على الأقل كانت نتاجا لرحلات وهجرات من مختلف الأماكن من وادي النيل ومن قبائل النوبة ومن شمال افريقيا وغيرها شكلت حضارات عدة متتابعة ومتزامنة لهذا العنصر الأبيض والأسود الذي يشكل الجسم الموريتاني الحالي ورغم فترات الحرب والسلم فقد ظلتا تتعايشان في هذا الفضاء إذ لم تعرف العلاقات بين الأعراق في هذه البلاد على مدار التاريخ أي نعرة عنصرية منذ مقدم الإسلام وحتى قيام الدولة الموريتانية العصرية، كانت مكونة الزنوج حاضرة في التاريخ المشترك لهذه الأرض .كان زنوج دولة التكرور متحالفين مع لمتونة ضد گدالة في المعركة التي قتل فيها الأمير يحي بن عمر الزعيم الأول للمرابطين ، كما كانت إحدى كتائب يوسف بن تاشفين خلال فتح الأندلس زنجية .كما لم يؤد مقتل بوبكر بن عامر على يد الزعيم الزنجي "أدار" بعد تقريعه له على طريقة الذبح والسلخ يوم العيد أي ردة فعل عنصرية وللاستئناس كانت هي نفس الطريق ونفس السبب الذي قتل بسببه كسيلة زعيم البربر عقبة بن نافع .
كان الزوايا يتحالفون مع الزنوج الذين غيروا عقيدتهم من الوثنية للاسلام، وكان المغافرة يساعدون "دنياكوبى" ضد الزوايا في نفس الوقت كان البعض من بني حسان ضد الثورة التي قام بها "سليمان بال" وساعدوا "لام تور " الذي استنجد بهم الذي رفض أن يكون المامي إماما كما ساعدوا ثورة "عبدالقادر كان".
رغم سيطرة الثقافة والعنصر العربي الصنهاجي كانت المنطقة تشهد تثاقفا قويا فقد تأثر العرب باللبس الزنجي الدراعة بدل القميص والتدينيت بدل العود وغيرها وكان الزنوج يكتبون بالأحرف العربية ،كانت نساء البيظان اللاتي يعانون من موت الاولاد يتيمنون بأسماء زنجية لأبنائهم كما كان بعض علماء الزنوج يعطون الإجازة في أرض البيظان مثل شيرنو حاميدو تال . عندما قامت دولة الإمام ناصر الدين انخرطت الشعوب الزنجية في جيولوف وفوته وكايور والوالو إلى جانب البيظان بقيادة ناصر الدين ضد حكامهم الذين كانوا يسترقونهم لصالح النصارى، وكانوا يسمونهم "توبنان" .
وعند مقدم بني حسان ظلت التحالفات تنعقد على أساس الولاءات السياسية بغض النظر عن العرق فكانت قبائل بني حسان تحارب أبناء عمومتها ذودا عن حلفائها من الزنوج، ومن أشهر أمثلة ذلك مقتل أمير الترارزة اعلي الكوري سنة 1200 للهجرة على يد تحالف بين فوته وأبناء عمومته البراكنة، وعند اغتيال سيد ولد محمد لحبيب سنة 1871 جاء اعلي مع أخواله في الضفة اليمنى للنهر ليأخذ بثأر أخيه وسار بمن معه من البيضان والسودان وحدثت معارك عديدة ،كما عمل الإمام عبد القادر كان على توفير الحماية والإقطاعات للنابغة الغلاوي في عموم بلاد فوته. ونفس الشيء وقع في حروب الحاج عمر تال الذي تحالف معه بعض البيظان ضد أولاد امبارك من جهة، بينما تحالف بعض الكنتيين مع دولة حمدي لبو الزنجية ضده.

وفي يوم 25 فبراير 1855 أحرق فيديرب 25 قرية في الوالو (جنوب النهر) إمعانا منه في ترهيب السكان، الذين تحالفوا مع اعلي ولد محمد لحبيب ضد النصارى وصادروا أراضيهم في الوالو، ضمن سياسته الزراعية الاستعمارية، وهكذا ازداد حجم مأساة السكان، وتفاقم الفقر بين قبائل الضفة اليسرى. وردا على ذلك الوضع المأساوي، قرر الأمير اعلي ولد محمد لحبيب، سنة 1880، فتح شمامه (الضفة اليمنى، بموريتانيا) أمام سكان الوالو السينغاليين ليزرعوها، فقسم عليهم آلاف الحقول وشجعهم على التوطن في قرى تؤمنهم من بطش المستعمر وكانت سببا لوجودهم لليوم .
وعندما فشل المقاوم السينغالي سيديا جوب في دحر الاستعمار الفرنسي الذي هزمه في عدة معارك، وطارده المجندون داخل السينغال، قرر الأمير اعلي ولد محمد لحبيب منحه اللجوء في الترارزه (شمال النهر)، ودفعت إمارة الترارزه ثمنا باهظا على إثر ذلك، إذ نظمت فرنسا حملة عسكرية عنيفة اجتازت النهر وخربت القرى وأشعلت الحقول وقتلت الكثير من الأنفس. وتحمل سكان إمارة الترارزه كل تلك المآسي لأنهم يعتبرون أن مناصرة المقاوم سيديا جوب يفرضها الدين المشترك والتاريخ المشترك والعلاقات الطيبة المتبادلة.
كما أن الحرب التي قامت بين الأمير أعمر ولد المختار والفرنسيين من أجل إفشال مشروع الاستعمار الزراعي والدفاع عن النفوذ السياسي لإمارة الترارزة وتأكيد السيادة التروزية على "دكانة" مركز المستعمرة الزراعية ليس إلا نوعا من المقاومة المشتركة والوقوف مع الزنوج ضد الفرنسيين .وفي سنة 1889/1890 احتضن بكار ولد اسويد أحمد زعماء المقاومة الزنوج من الضفة اليمنى عبدول بوكر من بوسيا وعالي بوري انجاي من جولوف وتم مقابل ذلك الشطب على الإتاوات التي كان يقدمها الفرنسيون لبكار الذي رفض تسليم مجاهدي الزنوج الذين لجأوا إليه طيلة 4 سنوات ، وفي سنة 1894 رفض المختار ولد أحمد ولد عثمان زعيم الشراتيت التوقيع على كامل الاتفاق الذي ناقشه معه باسم الفرنسيين ولد بنو المقداد"دودو سك"وذلك اعتراضا على المادة 14التي تضمن حماية فرنسا لسكان الضفة اليمنى من الزنوج حيث اعتبر ذلك تقسيما لمجتمعه معللا بأن سكان تلك المنطقة من مواطنيه كما وفر بابه ولد الشيخ سيديا المأوى للشيخ أحمدو بمبه، وعندما ترشح سيدي المختار ولد يحيى انجاي مستهل الخمسينات مال إليه أكثرية البيضان حيث لم يكن الموريتانيون يعرفون أي شيء اسمه العنصرية.
والشواهد كثيرة …والشواهد كثيرة …
الحركات المرتبطة بالمطالب الزنجية التي لها علاقة " بالفرقنة " التي طرحها سينغور كانت دائما تأخذ ديناميكيتها من الخارج لأن الذين كانوا يحركونها أجانب ،ففي سنة 1965 ألقى محمذن ولد باباه بوصفه أصغر المعلمين وكتقليد في مثل هذه المناسبات خطابا بمناسبة عيد الاستقلال الفرنسي وقال فيه إنه من غير المعقول أن تكون العربية في موريتانيا تدرس في المدارس كخيار مثل اللغات الأجنبية الفرنسية والاسبانية والانجليزية ،الخطاب أغضب السفير الفرنسي الذي لاحظ الحضور وقوفه مع المختار وهو يودعه لوقت أطول من المعتاد دون معرفة فحوى حديثهما الذي كشف عنه المختار لمحمذن ولد باباه بعد تعيينه له وزيرا للتعليم 1972 كهدية مع تعيينه حيث قال له إن السفير طلب منه اعتقاله وطرده من الوظيفة وكان رد المختار وفق لباقته بأنه سينظر في ذلك …حينها أي حين تلك الحادثة كان مدير التعليم الابتدائي الثانوي فرنسيا، أيضا وذكرت بعض المصادر علاقته الوثيقة بمجموعة ال 19 والمستعمر الفرنسي معروف أنه لا يهادن في المسألة الثقافية أبدًا.
ظهرت مجموعة من المناشير بعد ذلك موغلة في الكراهية والتطرف ضد البيظان وتصفهم بالبرابرة الرعاة الهمج، توجت هذه المناشير بمنشور 19 المعروف ووجوهت هذه المناشير بمناشير مضادة من نقابة المعلمين العرب ونقابة كتاب الضبط العدليين وغيرهم وعلى إثر ذلك نشبت أحداث 1966 وتم سجن الجميع بمن فيهم شخصيات سامية الشيخ ولد خطاري أمين عام لإحدى الوزارات وعثمان ولد سيدي ميلة مدير في الضرائب وبمب ولد سيدي بادي رجل أعمال ومكتب نقابة المعلمين العرب … داخل السجن طلب المعلمون من إخوتهم الزنوج أن يدرسوهم الفرنسية ويتعلموا منهم العربية كان رد عزيز با رئيس محكمة الاستئناف والشخص الأول على لائحة 19 أنه لن يفعل ذلك لأنه ضد "الحرطنة " وعندما أطلق سراح المجموعة ذهب عزيز با من يومه للسينغال حيث تم اكتتابه كقاض وتعيينه رئيس محكمة لاحقا ولم يعد إلى موريتانيا إلى اليوم . أفرادا الادارة الذين قدموا كموظفين في مؤسسات الدولة الوليدة إلى نواكشوط مع تحويل العاصمة 1957 من سينلوي هم سينغاليون في الغالب شكلوا اللبنة الأساسية لكل تلك المطالب وكانوا الوسيلة الرئيسة للمخططات الفرنسية لزرع التفرقة في البلد .الزنوج الموريتانيون سلميون بطبيعتهم وينتمون لنفس التاريخ الاجتماعي للمنطقة ولهم نفس نظرة المختار ولد داداه التي لخصت معنى كلمة "البيظاني "التي تقابلها بالفرنسية كلمة "مور" حينما سأله سينغور الذي نعرف جميعا مشاعره حول المسألة الزنجية فكان جواب المختار أن البيظاني تعني البربري الذي يحمل الثقافة العربية والممزوج بقوة بالزنوح".بالتأكيد أننا لانتفق مع المختار في هذا التأصيل العرقي أي أن الأصل هو البربر ، لكن نتفق معه في الفهم في سياقه التاريخاني والبنية الثقافية .وعلى كل حال فقد استحسن سينغور ذلك الجواب وظل يردده .والحقيقة أن البيظان عجين من ثقافات وأعراق تعايشت على هذه الأرض ومرت بفترات سلم وحرب ظلت عابرة ولم تؤثر على جو السلم والإخوَة. فأثناء التحضير لانشاء الوطن الموريتاني كان أغلبهم منخرطا في توجهات موحدة لإنشاء دولة وفي ثنايا النقاشات في مؤتمر آلاگ 1958كانت مجموعة البيظان تريد إطلاق اسم الجمهورية العربية الموريتانية على الدولة الوليدة فغضب المؤتمرون الزنوج وانسحبوا من الخيام حيث كان يعقد المؤتمر وفي اليوم الموالي أعطيت الكلمة للأمير عبد الرحمن ولد بكار حيث قال إنه استمع لقول إخوته العرب وطموحهم وتحمسهم لهذا الانتماء لكنه في الحقيقة يفضل على ذلك العشرة مع إخوته وأهله الزنوج وأن الأولى هو إرضاؤهم وعليه فإنه يقترح "الاسلامية "بدل العربية لأن الاسلام يجمعنا في الأخوة وتم اعتماد ذلك .
يتواصل

المحلل السياسي والإعلامي محمد محمود ولد بكار