الاثنين
2024/04/29
آخر تحديث
الاثنين 29 أبريل 2024

مع القرآن لفهم الحياة (الحلقة: 7)

31 مارس 2024 الساعة 19 و09 دقيقة
مع القرآن لفهم الحياة (الحلقة: 7)
لمرابط ولد لخديم
طباعة

وهكذا لا يزال تحدي القرآن الكريم قائما ومستمرا على مر القرون والأجيال وهو معجز في القرن العشرين أكثر مما كان عليه لأنه استمر تحديه أربعة عشر قرنا. ومع نمو العقل البشري عجز الإنسان عن الإتيان بسورة واحدة من مثله، وهذا هو برهان التجربة والمشاهدة، وهو الذي عناه الخطابي في كتابه:" بيان إعجاز القرآن" عندما قال:
" ...والأمر في ذالك أبين من أن نحتاج إلى أن ندل عليه بأكثر من الوجود القائم المستمر على وجه الدهر، من لدن عصر نزوله إلى الزمان الراهن الذي نحن فيه" (29)
وبيان ذالك أن العرب بدأوا فسألوا محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية تدل على صدق دعوته ورسالته. فأخبرهم الله تعالى بأن القرآن أعظم آية تدل على ما يريدون، وذالك في قوله تعالى:
﴿ وقالوا لولا أنزل عليه ءايات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفيهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذالك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾(30)
ولكن الكافرين أنكروا أن يكون في شيء من آي القرآن ما يدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وادعوا أنه كتابا كغيره ليس فيه ما يعجز عن الإتيان بمثله، وأعرضوا عنه قائلين ما نقله الله على لسانهم؛ ﴿ قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين﴾ (31)
وحينئذ تحداهم الله ـ أو قل تحداهم القرآن إن شئت ـ أن يأتوا بسورة من مثله.
وأفرغ هذا التحدي في قوالب مختلفة من اللفظ والأسلوب، وأنهضهم إلى الإتيان بمثله أو بمثل أقصر سورة منه، بالتقريع والتحميس ومختلف أشكال التحدي فقال لهم مرة:
﴿ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين﴾(32)
وقال مرة أخرى:
﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾(33) وقال لهم مهيجا ومقرعا:
﴿ أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين﴾.(34)
ولقد كان من مقتضى قولهم: لو نشاء لقلنا مثل هذا، وما سمعوه من هذا التقريع والتحدي وما كان يعتلج في صدورهم من الحقد والكراهية لهذا الذي جاءهم، النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانوا منصرفين إليه من البحث الدائب عن أي وسيلة يمكن الاعتماد عليها، لإفساد أمره عليه ومنع دعوته من السير في طريق النجاح.
كان من مقتضى ذالك كله أن ينهضوا لمعارضته ومجاراته بفصول من كلامهم البليغ، ليقطعوا بذالك خطره عنهم وليعلنوا بذالك لمن قد يتحدث بهذا الذي يأتيهم به من القرآن، أنهم قد جاءوا بمثله وخير منه.
ولكنهم _ على الرغم من كل هذا ـ لم يفعلوا شيئا، ولم يستجيبوا لتحدي القرآن الكريم في محاولة ما، غير أنهم تحولوا عن قولهم السابق:
(لو نشاء لقلنا مثل هذا)، إلى زعم أن محمدا (35) إنما يأتيهم بسحر..أو كهانة..أو شعر فريد في بابه, كما قال الله تعالى عنهم:
﴿ ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ﴾(36)
ثم إن آيات التحدي هذه ظلت مسجلة في كتاب الله تعالى حتى يوم الناس هذا, تقرع آذان العلماء والأدباء والشعراء والبلغاء على اختلاف نحلهم ومذاهبهم, في كل عصر وقرن.
انه أغرب تحد في التاريخ، وأكثره إثارة للدهشة، فلم يجرأ أحد من الكتاب في التاريخ الإنساني ـ وهو بكامل عقله ووعيه ـ أن يقدم تحديا مماثلا، فإن مؤلفا ما لا يمكن أن يضع كتابا، يستحيل على الآخرين أن يكتبوا مثله، أو خيرا منه..فمن الممكن إصدار مثيل من أي عمل إنساني في أي مجال, ولكن حين يدعي أن هناك كلاما ليس في إمكان البشر الإتيان بمثله، ثم تخفق البشرية(37) على مدى التاريخ في مواجهة هذا التحدي، حينئذ يثبت تلقائيا أنه كلام غير إنساني، وأنها كلمات صدرت من المنبع الإلهي Divineorigin، وكل ما يخرج من المنبع الإلهي لا يمكن مواجهة تحدياته"(38)
على أننا ندعم هذا البرهان بميزان الاستقراء التام الدال على أن القرآن لا يمكن أن يكون كلام غير الله عز وجل كما يقول البوطي مستدلا على ذالك بأن عجز العرب كلهم عن الاتيان بمثله, دليل جلي علي أنه لا يمكن أن يكون من تأليف أحد منهم كورقة ابن نوفل، وبحيرا الراهب، أو غيرهما..
إذ أن الاحتمال مخالف لبرهان العجز الذي دلت عليه التجربة البشرية والمشاهدة على أن القرآن فيه تعليق على أحداث وقعت بعد موت ورقة وبحيرا (39)، فكيف يكون مع ذالك من إيحائهما أو تأليفهما؟؟
فكلمات القرآن، رغم أنها كانت عربية لم تتجاوز حدود هذه اللغة وقاموسها، تمتاز في صياغتها وموقع كل منها مما قبلها وبعدها بجرس مطرب في الأذن لم يكن للعرب عهد به من قبل، هذا إلى أن كثيرا من الاشتقاقات والصيغ الواردة فيه، تكاد تكون جديدة في النطق العربي، وهي مع ذالك تحي بمعناها إلى الفطرة والطبع، قبل أن يهتدي السمع إليها بالمعرفة والدروس.
وهذا مايظهر جليا من خلال شهادات علماء الغرب الذين قرؤا القرآن الغير مترجم بتدبر من هؤلاْء
1- المستشرق الألماني يوهان فك:
" إن لغة القرآن تختلف اختلافا غير يسير عن لغة الشعراء السائدة في الجزيرة، فلغة القرآن تعرض من حيث هي أثر لغوي صورة فذة لا يدانيها أثر لغوي في العربية على الإطلاق.
ففي القرآن لأول مرة في تاريخ اللغة العربية يكشف الستار عن عالم فكري تحت شعار التوحيد، لا تعد لغة الكهنة والعرافين الفنية المسجوعة إلا نموذجا واهيا له من حيث وسائل الأسلوب، ومسالك المجاز في اللفظ والدلالة.
2_كورسل ( مفكر)
القرآن الكريم معجزة إلهية بليغة، ليست من قول بشر إنها معجزة دائمة ليست كأي معجزة هي أقوى من معجزة الموتى....يتواصل..
ملخص الحلقة:
الحلقة تسلط الضوء على تحدي القرآن الكريم للبشرية عبر العصور، حيث استمر تحديه لمدة أربعة عشر قرنا. ورغم نمو العقل البشري، فإن البشر عاجزون عن إتيان بسورة واحدة مثله، مما يدل على أنه كلام غير إنساني وصادر من المنبع الإلهي. كما تشير إلى شهادات علماء الغرب الذين أشادوا بلغة القرآن وفرادتها وعمق معانيها، مؤكدين على أنها معجزة إلهية.

يتواصل

لمرابط ولد لخديم