الجمعة
2024/03/29
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

لم يعد في الأمر ما يخفى فليأخذ كل موقعه

12 سبتمبر 2019 الساعة 12 و25 دقيقة
لم يعد في الأمر ما يخفى فليأخذ كل موقعه
سيدي علي بلعمش
طباعة

مثل "مؤتمر ألاك" عند ولد الشدو ، الذي يعتبره أهم منعطف في تاريخ البشرية و اكتشاف النار الذي غير مجرى الحياة، تعتبر شبيحة النظام التي تطلق على نفسها اسم الأغلبية، تسليم ولد عبد العزيز "طواعية" الحكم لولد الغزواني، أهم حدث في تاريخ الديمقراطية على مستوى القارة و يذهب من كانوا يطالبون بمأمورية ثالثة من الجهلة ، إلى اعتباره أهم حدث في تاريخ البشرية.
خمس سنين عجاف هي عمر مأمورية ولد عبد العزيز الثانية، لم يفكر خلالها في غير أمرين: المأمورية الثالثة و النهب. لم يترك محاولة ممكنة و لا غير ممكنة إلا و جربها .. لم يترك مخططا للتمهيد لما يمكن أن يسهلها إلا و مر به . و ربما لا نعرف قيمة الأوكسيجين الذي نتنفسه لأنه مجاني ، لكن ما قامت به المعارضة الموريتانية لمنع ترشح ولد عبد العزيز (حتى لو لم يكن مرئيا و لا مقدرا عند الكثيرين)، سيبقى عملا نوعيا ، اشتركت فيه المهارات و الذكاء و التضحيات من كل نوع و من الجميع. و لا يدرك قطعا ما حدث، كل من لا يرفع قبعته عاليا للمعارضة في الخارج و على وجه الخصوص ولد بو عماتو و ولد اعبيدنا و ولد الشافعي ، تقديرا لما بذلوه من جهود جبارة و على أعلى المستويات ، لمنع ترشح ولد عبد العزيز.
ربما كان تركيز الجهود على منع ترشح هذا المجرم هو ما جعل المعارضة تدخل الانتخابات منهكة و ربما كان تقديرها أن كل من سيأتي بعده ، لن يستطيع تبير بقائه من دون المرور بمحاسبة من نهبوا البلد نهارا جهارا ، هو ما جعلها تقع في ما وقعت فيه من أخطاء ، من الواضح اليوم أنها تعود لسوء التقديرات.
لا شك أن ترشح الغزواني مثل (بصدق) أملا لدى الكثيرين من الصادقين مع أنفسهم و الصادقين في حب وطنهم . و حتى نحن الذين رفعنا عاليا سقف رفضنا و تجاوزنا كل الحدود في التعبير عنه ، لم يكن من بيننا ، على ما أعلم ـ و قليل ما لا أعلمه في هذا الشأن بالذات ـ من لا يكن بعض الاعتراف للرجل بقدر من التوازن و الكياسة و العقل و الأصالة الاجتماعية ، لا يمكن أن يجعله ـ في تقديراتهم ـ أسوأ الاختيارات ، إن لم يكن أفضلها عند البعض (و لست منهم للأمانة)
أنا لا أنتمي إلى حزب و لا طائفة و لا جهة و لا قبيلة . صحيح أنني أتشاور أحيانا في ما أكتب ، على مستوى التحليل و المعلومات ، مع أهم رجالات المعارضة في الداخل و الخارج بصفة أخص ، لكنني لا آخذ منه إلا ما يقنعني ؛ فلا هم يطلبون مني ذلك لأنهم يدركون قيمة و أهمية حرية الرأي و لا أنا سهل الشكيمة لأكتب ما يريده الآخر إرضاء لخاطره .
باءت كل محاولات ولد عبد العزيز بالفشل . و ما وصله من تحذيرات خارجية مباشرة و غير مباشرة، أكثر من أن يحصى . و من المؤكد أنه كان يدرك جيدا من كان وراءها .
و بعد وفاة ابنه الذي كان يعده لخلافته و تسكير كل أبواب الترشح أمامه ، كاد يجن جنونه.
هنا بدأ التفكير في مأمورية ثالثة غير مباشرة أو بالوكالة؛ فكان ولد الغزواني.
من يتحدثون إذن عن تنازل ولد عبد العزيز "طواعية" عن الحكم ، يرددون بسخافة و جهل مواويل ولد صهيب التافهة ، ثم كيف يتنازل ولد عبد العزيز عن الحكم "طواعية" بعد نهاية ما يسمح له الدستور به؟
كيف وصلنا إلى مستوى ولد صهيب من التفاهة و السذاجة و الاستهتار بالمفاهيم؟
كانت معركة منع ولد عبد العزيز من التلاعب بالدستور و مبادرات المتزلفين و شيوخ القبائل الخونة و كل رعاع الأعماق النتن و الإعلام المأجور ، معركة صعبة ، لا سيما أنها كانت تتناغم بانسجام كبير مع مقررات "لا بول" في رسم شكل الديمقراطية المطلوبة في المستعمرات القديمة التي بدأت نخبها تدعو لمحاسبة فرنسا على جرائمها في القارة و على رأسها التخلص من الفرنك (CFA) الذي سيعيد الاقتصاد الفرنسي من الرقم خمسة عالميا إلى ما بعد العشرين .
كان ولد الغزواني العجينة المطاوعة لمثل هذه المهمة ، في طموحه، في خضوعه، في ميوعته، في توريطه، في تورطه، في قدرته الفائقة على امتصاص الخجل، في خبرته الكبيرة في لعب دور حصان التلقيح، في استعداده الدائم للعب دور المحلل...
بدأ إعداد ولد الغزواني للمهمة و تم (بالتوازي) إطلاق مشروع ترشح ولد عبد العزيز لإدخال الناس في معركة وهمية كانت تنطلي حتى على المطالبين بترشحه و تم إطلاق آلاف بالونات الاختبار ، انشغل بها الجميع عن ما يتم إعداده في الخفاء.
و كل ما يتم الآن يخضع لمخطط محكم يتم تنفيذه بالحرف و الفاصلة:
ـ لو كان ولد الغزواني أعطى وعودا ، لكان اليوم في ورطة حقيقية
ـ لو تحدث ولد الغزواني اليوم بأي شيء لأدخل نفسه في ورطة حتمية
ـ لو كان ولد الغزواني عين "معارضا" واحدا (ممن انخدعوا بأكاذيبه) لانحرف المسار بأكمله.
ـ لو كان ولد الغزواني عين "حكومة أمل تغيير" لخرجت الأمور عن سيطرته .
كل ما يحدث اليوم دقيق و ذكي و يسير ضمن مخطط محكم .
هذه العصابة لم تعد تخفي أي شيء من حقيقتها .. لم تعد تستطيع إخفاء أي شيء من حقيقتها : أي تعاطي معها جريمة في حق شعبنا .. أي لقاء معها جريمة في حق شعبنا .. أي حوار معها جريمة في حق شعبنا .. أي اتفاق معها جريمة في حق شعبنا .. أي استماع لما تقول من أكاذيب ، سذاجة لا غبار عليها.
لقد كان لقاء ولد داداه أمس مع ولد الغزواني خطأ فادحا و كارثة حقيقية ، مهما كانت دواعيه و مبرراته . حتى لو طلب ولد الغزواني لقاء ولد داداه في مقر حزبه ما كان ينبغي أن يقبل استقباله.
تعرفون جميعا أن ولد عبد العزيز لن يشارك المعارضة إلا في ما يخدم استمرار سيطرته و حين يكتشف في أي لحظة أن التعاطي مع المعارضة لا يخدمه سيرمي بكل تعهداته في الزبالة. فلماذا ترتكبون مثل هذه الأخطاء الفادحة؟
لقد كانت الأيام الأخيرة مشحونة بالغضب الشعبي في الكتابات، في التصريحات، في التسجيلات المغاضبة التي اكتسحت المواقع الاجتماعية . هناك حراك جماهيري يتبلور في الخفاء ، مرعب و سيحفر حتما مجراه في وقت قريب.
فلماذا يستجيب ولد داداه لدعوتهم من أجل تهدئة الأوضاع ؟
إلى متى تنقذون هذه العصابة الشيطانية كلما وجدت نفسها في وضع محرج؟
إذا كان هذا اللقاء سيجعل ولد داداه مرتاحا لأن النظام ما زال يعتبره زعيم المعارضة ، فهذا ما يلعبون عليه بالضبط ، أيمكن حقا أن يكون ولد داداه مزهوا بتلاعب أغبياء مثل عزيز و غزواني بعقله؟
لا أتهم ولد داداه هنا بسوى أنه أكبر من أن يقع في مثل هذه الأخطاء .
موريتانيا اليوم في مأزق حقيقي و ليس مطلوبا من أي جهة جادة سوى أن لا تساهم في تضليل شعبنا .. سوى أن لا تشارك في تكبيل شعبنا .. سوى أن لا تكون شروط مشاركتها عبئا على العمل النضالي.
لا أحد ينازعكم في مكانتكم التاريخية و الجغرافية ..
لا أحد يقلل من تضحياتكم الباسلة ..
لا أحد يشكك في وفائكم و نضجكم و استعدادكم للدفاع عن موريتانيا ..
فاتركوا شعبنا مرة واحدة يواجه مصيره بنفسه ..
دعوه مرة واحدة يجرب التعبير عن غضبه على طريقته..
دعوه مرة واحدة يفهم أن عليه أن ينتزع حقه أو يموت دونه أو يموت من دونه ..
سيسقط ولد الغزواني و يسقط ولد عبد العزيز و ستمتلئ السجون بشبيحتهم و أعوانهم و سيعرف الجميع أن شعبنا ليس أقل شأنا من أي شعب آخر و أن عبارات جلد الذات التي يمارسها الكثيرون اليوم في التقليل من شأنه، ليست سوى مقدمة وعي يؤججه الظلم و القهر من طرف من سيكونون حطب ناره القادمة حتما.