الخميس
2024/04/18
آخر تحديث
الخميس 18 أبريل 2024

متى سيحكم ولد الغزواني أو متى ستنجح موريتانيا؟(الحلقة الرابعة)

25 سبتمبر 2019 الساعة 17 و47 دقيقة
متى سيحكم ولد الغزواني أو متى ستنجح موريتانيا؟(الحلقة (…)
طباعة

لا أحب السكوت على البؤس الذي يغلفه الخوف والعتمة، ولا على هذا الحكم مخلوط العناصر والمواد. ولأن أكثر ما جرى ليس طيبا ولا يسر الناظرين
فلابد من إشاعة السخط ، والتذمر بين أنصاف المواطنين، لكي يلعنوا الظلم المخيَّم على الأنفاس حتى يتلاشى هذا الركود، ويتلاشى مفعول غسيل الأدمغة بتأثير الترويج للمفاهيم المغلوطة أو تمجيد الحاكم الجاهل الأعمى أو الأخرس الأصم. لا يقلقني أي شيء في هذا البلد أكثر من الاستدارة الحادة للنخبة من النقيض إلى النقيض -لأسباب ضحلة وواطئة خلقت هذا المشهد الكالح الذي لا يوجد به ما ينمي الشعور الإيجابي -ولا كفر العجائز بكل يمين، ولا بمحاباة "الزعماء" لحاكم عسكري رث التفكير، ووضع مكفهر، من أجل منفعة شخصية غير مضمونة. لم يترك ولد عبد العزيز - الذي انبجس بمعجزة تاريخية كرئيس مطلق السلطة ولا يعرف أحد عنه أي كفاءة- بسبب تكديس المال والجاه في مجتمعه الشخصي وتوزيع التهميش والغبن على باقي الشعب، أي فرصة لموقف حصيف للتنديد، باسم الوطن، بالعنف المتصاعد في مطالب مكونات المجتمع الأخرى التي يحثها الحرمان، وإن كان يشوبها العنف المشاعري الذي ينحو باتجاه الكراهية. ليس لنا أن نعاقب الناس على قوة إظهار مشاعرها اتجاه نظام يغير جلده كل مرة ليسومهم سوء "العذاب" : الفقر المدقع وترك أوضاعهم على ماهي عليه. صحيح أن البلد بكامله في نفس المركب ويدفع ثمن الحرب على الشفافية والعدالة وسوء الأخلاق والحكامة، لكن الأوضاع تختلف في المنشأ من حيث الغياب الطويل في النمو الاقتصادي بالنسبة لبعض الفئات، ثم أن القبلية والجهوية ما تزالان تحكمان مفاتيح النجاح والحماية، وقليلون هم من يحظون بالتغطية القبلية، لا أعني بالنسبة لمظاهر التكافل البسيطة، بل في وجه تكافؤ الفرص وفي غياب عدالة وظيفية، وإدارة وطنية.
دعونا من اللف والدوران.. ليس هناك غد مشرق لهذه الفئات وسط دولة لا تريد أن تطور مفاهيم العدالة والمساواة، ولا تريد نفس الفئة الحاكمة مغادرة السلطة إلا على جثة الوطن، وتعرف نخبتها تهاونا مع القضايا المصيرية وخنوعا متزايدا لنظام حكم تسلطي، وتتسابق في الفرار من التضحية في سبيل العدالة. لن أفتات على الغيب بشأن مستقبل وضاء مع ولد الغزواني، لن أفعلها أبدا ما دام لا يرى أي حرج في أن يتمثل في أهم سمة من سمات "النهج القميئ "، وهي عدم الاعتراف بواجب التعاطي مع المواطنين في الأوقات التي يلحون فيها على ذلك ويكون ضروريا. لا يوجد أي سبب لرئيس جاء بالكلام أن يسكت وقت الجد! نعم كان عليه أن يتكلم ويضرب التراب برجله رافعا رأسه ملْء قامته احتراما للشعب، كما يفعل العسكري أمام قائده العظيم، ويكشف عن حقيقة ما وجد أمامه، وما ينوي فعله حتى يعلم الشعب أنه "انتخبه" من أجل مصلحته وأنه صادق عندما قال انه "رئيس كل الموريتانيين". إن عليه أن يفهم أنه يسيَر تركة من الوعود الكاذبة والمغالطات وعدم الثقة وصورة سيئة للدولة وصورة أسوأ للنظام، ووضع اقتصادي كارثي، وأن هذا ليس "قدح قهوته" كما يقول الفرنسيون. كيف يريد من الشعب -والحالة هذه- أن يصبر على عتمة لا تنفك، ورئيس لم يحدد لهم مكانه بالضبط في خريطة الأحداث والواقع، ويزهو ويزدهر في جو من الكتمان. لا ترتبط المسألة هنا في الغالب الأعم بموقف مبدئي من ولد الغزواني- وإن كان تأثير الصورة النمطية عنه يسري في عروق الآراء على أوسع نحو -بقدر ماهي مرتبطة بالخوف والضجر من العشرية الماضية والارتباط بها، وهكذا فإن الشعب يريد بسرعة ضمانات بأنه لن يعود لذلك العهد، وبعدها فليغط غزواني في طيّ كتمانه ما وسعه ذلك ويعمل على إيهام الناس بما يشاء، وعلى كل حال سيظل لوقت طويل أقل إقناعية. إن الشعب يريد التخلص من تلك النظرة لهذه الدولة التي تقتلهم بالأسى، ويتطلع لأن يغيب من أعينه شبح الفساد والظلم "وأدوات النهب " المنتصرة على القانون والشفافية في البلد. إنه لا يريد الإصلاح بقدر ما يريد زوال هؤلاء المفسدين ولو بمفسدين وناهبين جدد لم يخبروهم . إن مشكلتهم مع أولئك الذين عرفوهم أن لا فرصة معهم ولا فتات على موائد نهبهم، ومع ذلك يحتقرون الدولة والناس. إن حقيقة الشعب أنه يتطلع للمستقبل مع دولة مختلفة وقليل من الإحترام والإعتراف بهم كمواطنين، وليس تطلعا لنظام محصن من الشفافية ولا لعصر الغاز كما يكرر البعض، فذلك لا يعني له أي شيء ولا يعوّل عليه ، خاصة المواطنين البسطاء الذين تعودوا على سماع اكتشافات كبيرة للثروات في البلد، دون أن تظهر على سحنة الدولة أو أن يستفيدوا منها على أي مستوى، فهي دائما ثروة مهدورة تضيع تحت الطاولة وفي دهاليز الاتفاقيات المعقدة وبين "المسؤولين"ولا تغير من أحوالهم ، بل يريدون قليلا من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وأن يحصلوا على فرص لاستثمار أموالهم التي جاؤوا بها من الخارج بعد مخاطرة أو كدٍّ، أو تلك التي حصلوا عليها من الداخل، أو ليحافظوا على شركائهم.. يريدون أن يستفيدوا من عرق جبينهم: أن تسيّج مزارعهم وأن يرعوا مواشيهم بشكل آمن في دول الجوار، يريدون أسعارا في متناولهم ومردودية لتعلَم أبنائهم وأمانا لبناتهم، يريدون نقلا عموميا وتغطية صحية، أي يتطلعون لرؤية الدولة أمامهم في كل شبر وأمام كل مشكلة، يريدون ذلك في رسائل مباشرة من الرئيس، فكل الرسائل الماضية مخيبة للآمال وتحمل نقاط استفهام حادة: الوضع الفخري لولد عبد العزيز واستمرار الامتيازات التي خلقها لنفسه دون ان يشوبها أدنى ظل من "إتْرَزْگِ" في ثوب الاستخدام التعسفي للقوة العمومية وعدم التعاطي مع مشاكل المواطنين المرتبطة بالغلاء ومضاعفة الضريبة على المواد الأساسية والإستمرار في الإستخدام المفرط للقانون في حق المعارضين في الخارج. إنه شعب عاثر الحظ فعليه كل مرة أن ينتظر سنين لكي يتأكد من حقيقة نوايا رئيسه الحقيقة التي غالبا ما تكون دون المؤمل. ليس على ولد الغزواني أن يترك الشعب تائها لأنه لا يريد التنكر لصديقه. صحيح أن من حقه أن يحافظ على صداقاته، لكن بصفته الشخصية لا بصفته الرسمية كرئيس، أي دون أن تنعكس على تسيير الشأن العام ولا تعطيل المصالح العامة أو الخاصة ، ودون تسخيره الدولة بسببها لنفس النظام الجبائي والتسييري المجحف والضار بالبلد والقائم على تصفية الحسابات، وترك الدولة فريسة لاتفاقيات وعقود نهب مبرح لمواردها ودخلها ، ودون قتل المنافسة وتكديس الفرص والامتيازات في طرف واحد. إن البلد بحاجة للثقة في الرئيس وفي مؤسسته وفي الحكومة وفي القانون والخروج من هذا المجال المظلم الذي يقتل الأمل .