الخميس
2024/03/28
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

بلا مجاملة

26 سبتمبر 2019 الساعة 21 و00 دقيقة
بلا مجاملة
د. هاشم غرايبه
طباعة

لا يختلف اثنان في الأمة على تشخيص حالها الراهن، فالكل متفقون على أنها الآن في أسوأ وضع في تاريخها كله، الخلاف يحدث عندما يجري تحديد المسؤول عن ذلك، والأسباب التي أدت لهذه الحالة.
في كل الأمم الحية، من ينهض بها هم القادة إن كانوا مخلصين، ومن يدمرها هم القادة أيضا إن كانوا مأجورين، لذلك عندما ينسب سبب الإنهيار الى الشعب، ويتهم بأنه عميل مأجور، وأن ثورته على قيادات الفاشلين هي سبب الخراب، فذلك تزوير من قبل هذه الأنظمة وعملاء أجهزتها الأمنية من جماعات اسلامية متشددة، والمنتفعين من الفساد.
دفاع المنتفعين والفاسدين عن مكتسباتهم مفهوم، لكن ما هو غير مفهوم أن يصدر ذلك التشكيك عن القوميين واليساريين الذين يعتبرون أنفسهم قوى تقدمية مناوئة للإستعمار، إذ هم بذلك يحطبون في حبال الأنظمة، ويحافظون على تسلطها على أمتنا، بمناصرة أدوات من يدّعون مناوأته، أي يفعلون عكس ما يرفعون من شعارات.
الحقيقة أنهم ما كانوا ليتخذوا هذا الموقف المتناقض لو كان التحول الديمقراطي المنشود سيوصلهم الى السلطة، لأنهم يعلمون أن خيار الغالبية العظمى من الشعب (لو أتيحت انتخابات حقيقية) سيكون لمنافسيهم (الإسلاميين). وعليه فمكسبهم متحقق أكثر في ظل أنظمة القمع والفساد، لذلك يلتقون معها مصلحيا عند نقطة العداء للمنهج الإسلامي.
الخروج من هذا الواقع الأليم، معلق ومرهون بمعرفة المشكلة وبمسبباتها، فإذا تحدد السبب فالعلاج يصبح معلوما، لذلك فسنبدأ بأساسها وهو أطماع الأروربيين في السيطرة على ديار الأمة بسبب الموقع الإستراتيجي والموارد الطبيعية.
لم يعد سرا القول أن بداية الإيقاع بهذه الأمة كان بعد الحرب العالمية الأولى، وتحول الأوروبيين من التصارع فيما بينهم الى تحقيق الرفاه باستغلال موارد الأمم الأخرى، والمرشح الأول كان جيرانهم على الشاطئ الجنوبي والشرقي للبحر المتوسط.
كانت الخطة بسيطة: فالصراع العسكري مع هذه الأمة العربية الإسلامية، ظل على مدى القرون الماضية سجالا، ومكلفا لأنها موحدة على عقيدة واحدة، فالسبيل الأنجح تمزيق وحدتها، فقسموها أقطارا، وغرسوا في فلسطين كيانا لقيطا أغروا اليهود المشتتين باستيطانه، وتكفلوا بحمايته كقاعدة عسكرية متقدمة في قلب وطن الأمة، ولم يكن ذلك لينجح إلا بضمانات سرية من أنظمة حكم اختارتها من قيادات قبلية متناحرة أصلا، لإدامة التشرذم الإقليمي، واشترطت عليها التخلي عن فلسطين، وحماية ذلك الكيان فيها.
لتحقيق أمان الكيان، ألزمت الأنظمة بإفقار شعوبها، وجعلها تلهث طوال الوقت لتحصيل لقمة العيش، وبالإستبداد وقمع الحريات لمنع التململ.
وجُعل الفساد مؤسسيا، ومرتبطاً بالسلطة الحاكمة لتحصينه من الملاحقة القضائية، من أجل تبديد الموارد، وتعطيل التنمية، ومنع التقدم التصنيعي، لإبقاء التأخر الإقتصادي والإجتماعي وتبرير الهيمنة الغربية تحت مسمى خطط الإصلاح.
إذأ منتهى الأرب لدى الغرب بقاء هذا الحال، والذي لا يهدده أكثر من انتفاضة وحدوية، ولا يحقق حلم الوحدة غير العقيدة الإسلامية، لذلك انتهجت الأنظمة جميعها في كل أقطار العروبة العلمانية، وجعلت أولويتها محاربة كل من يدعو الى وصول الإسلام الى الحكم، لأن ذلك يعني توحدها من جديد، وعودة هذه الدولة مرة أخرى منافسة قوية للغرب.
ما تقدم من تفصيل الحال، ينطبق على كل قطر عربي، سواء كان غنيا بموارده مثل دول الخليج، فبددت أموالها فيما لا يرفع من قدر الأمة، أم مُفقَراً قصدا إفسادا وبمنعه من استغلال موارده مثل موريتانيا والأردن والصومال، فأوصلتها الى الدمار الإقتصادى…
ما يؤكد صحة التحليل الآنف تفصيله، هذا التطابق التام في أحوال 22 قطرا تمثل ما كان يعرف بالأمة العربية الإسلامية.
بعد التعرف على أساس المشكلة، فهل هنالك حل غير التغيير؟.
سيتصدى لذلك القلة المستفيدون من هذا الحال المائل وهم ثلاثة:
– الفاسدون والإنتهازيون وعملاء اجهزة السلطة من بعض السلفيين متسلحين بفتوى الخروج على ولي الأمر، وبدعوى التخويف من الفوضى والخراب.
– القوميون واليساريون الذين يخشون أن يصل الإسلاميون الى السلطة إن جرت انتخابات نزيهة.
– المعادون تاريخيا للإسلام من الأقليات الطائفية، ولا يريدون تغيير الأنظمة لأنهم مطمئنون الى ممناعتها للإسلام، لذلك يريدون تغييرات تجميلية شكلية تحت مسمى “الدولة المدنية”.
السؤال الكبير الآن: ألا يكفي هؤلاء الثلاثة صبرنا قرنا على وعود التقدم والرخاء، أم تراهم يراودوننا عن أنفسنا!؟.