الجمعة
2024/03/29
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

حمام دم وتهجير..

14 أكتوبر 2019 الساعة 09 و37 دقيقة
حمام دم وتهجير..
طباعة

عقب هزيمتها بالحرب العالمية الأولى، أجبرت الدولة العثمانية يوم 10 آب/أغسطس 1920 على توقيع معاهدة سيفر (Sèvres) مع الدول المنتصرة. وقد اتجه الحلفاء، حسب ما جاء بهذه الاتفاقية الموقعة بمدينة سيفر الفرنسية لتقليص مساحة الدولة العثمانية وتجريدها من المناطق غير الناطقة باللغة التركية، كالأمر الذي أتاح للأكراد حسب البنود 62 و64 من الجزء الثالث من الاتفاقية حق تقرير مصيرهم وإنشاء دولة كردستان.

وبفضل ذلك، سجّل التيار القومي الكردستاني صعوده لتبرز معه على نطاق واسع "جمعية مولد كردستان" (Society for the Rise of Kurdistan) التي نشأت عام 1918 على يد عدد من المثقفين الأكراد، لتستمد لاحقا من مبادئ الرئيس الأميركي وودرو ولسن ونقاطه الـ14 وبنود معاهدة سيفر برنامج إنشاء دولة كردية مستقلة بشرق تركيا.

بداية من العام 1920، عرف المشهد السياسي في تركيا تغييراً واضحاً، حيث حقق القوميون الأتراك بقيادة مصطفى كمال أتاتورك تقدماً واضحاً بحرب الاستقلال التركية وهو الأمر الذي هدّد بنود اتفاقية سيفر والوعود المقدمة للأكراد، حيث أكد أتاتورك رفضه إقامة دولة كردستان محبّذا ممارسة سياسة التتريك ضدهم لطمس هويتهم ودمجهم بالمجتمع التركي.

وخلال سعيه للتنكر للوعود المقدمة للأكراد، حسب بنود معاهدة سيفر، عرض مصطفى كمال أتاتورك على كل من المناضل والكاتب الكردي نوري درسيمي (Nuri Dersimi) وأحد القوميين الأكراد المنحدرين من قبائل كوشغيري (Koçgiri)، ذات الأغلبية العلاهية، مقعدين بالبرلمان التركي مقابل التخلي عن فكرة إقامة دولة كردستان.

رفض المسؤولون الأكراد بجمعية مولد كردستان الاقتراحات التركية، وراسلوا أنقرة مطالبين بتفعيل ما جاء باتفاقية سيفر، ومع عدم حصولهم على أي رد، أعلنوا أواخر العام 1920 عن قيام ثورة كوشغيري التي قادتها قبائل هذه الجهة الواقعة ما بين شرقي سيواس (Sivas) وغرب أرزينجان (Erzincan).

وخلال بداية الثورة، حققت القبائل الكردية نجاحات عسكرية كبيرة، ففرضت سيطرتها على عدد من القرى، وطردت الحاميات التركية بعد أن سيطرت على عتادها العسكري.

جذبت هذه الانتصارات عدداً من القبائل الكردية التي هبّت لمحاربة الأتراك، جاء أبرزها من منطقة درسيم (Dersim) لينضموا لثورة كوشغيري.

في الأثناء، أثارت أخبار ثورة كوشغيري وتراجع القوات القومية التركية غضب حكومة أنقرة ومصطفى كمال أتاتورك، الذي وافق على إرسال الجنرال نور الدين باشا (Nureddin Pasha) رفقة الآلاف من جنوده المدججين بالأسلحة والمدعومين من مرتزقة طوبال عثمان (Topal Osman) للمنطقة لقمع الثورة.

قبيل انطلاقه، نطق نور الدين باشا بكلماته الشهيرة "في السلطنة، تم إبادة الناس الذين يتحدثون "زو" (أي الأرمن)، أما أنا فذاهب لتنظيف الناس الذين يتكلمون "لو" (أي الأكراد) من جذورهم".

بحلول شهر حزيران/يونيو 1921، تمكن نور الدين باشا من قمع ثورة كوشغيري وسط حمام دم انتهى بمقتل المئات من الثوار. كما اتجه أيضا لصب جام غضبه على القرى الكردية القريبة بعد اتهامها بالخيانة فأحرق ما يزيد عن 130 قرية كردية وأعدم كثيراً من رجالها ولجأ لنقل ما تبقى من سكانها قسرا نحو غرب البلاد، ففارق نحو ألف منهم الحياة بسبب ظروف التهجير الصعبة.

فيما أثارت شدة القمع التي مارسها نور الدين باشا ضد ثورة كوشغيري غضب حكومة أنقرة، التي طالبت بضرورة مساءلة هذا القائد العسكري والتحقيق معه، إلا أن مصطفى كمال أتاتورك رفض ذلك ومنع محاكمته.