الخميس
2024/04/25
آخر تحديث
الخميس 25 أبريل 2024

قصة هارب من مصحة عقلية..

29 أكتوبر 2019 الساعة 22 و26 دقيقة
قصة هارب من مصحة عقلية..
طباعة

بداية من شهر حزيران/يونيو 1812، انطلق نابليون بونابرت في حملته العسكرية على روسيا التي استمرت لأكثر من خمسة أشهر وانتهت بانهيار قواته وخسارته لنحو نصف مليون جندي.

وبينما كان نابليون منغمسا في حربه ضد الروس، عاشت العاصمة الفرنسية باريس خلال الليلة الفاصلة بين يومي 22 و23 تشرين الأول/أكتوبر 1812 على وقع محاولة انقلاب فاشلة قادها جنرال أفلت من مصحة الطبيب دوبويسون (Dubuisson) التي سجن خلف أبوابها منذ عامين.

وقد قاد هذه العملية الانقلابية الجنرال كلود فرانسوا دي ماليت (Claude François de Malet) البالغ من العمر حينها 58 سنة. فبعد سجل عسكري حافل أثناء سنوات الثورة الفرنسية، قاد خلاله قوات الحرس الوطني بمنطقة دول (Dole) وجيش الرين (Rhin) عام 1792 قبل أن يحصل على رتبة جنرال سنة 1799، عارض دي ماليت المعروف بميوله الجمهورية هيمنة نابليون بونابرت على البلاد أواخر القرن 18 وإعلانه نفسه إمبراطورا سنة 1804، ليبدأ بالمشاركة بسلسلة من الانقلابات التي قادته في النهاية للوقوف وجها لوجه أمام فرقة الإعدام.

اضطرابات نفسية
وما بين عامي 1807 و1808، سجن كلود فرانسوا دي ماليت مرات عديدة بسبب معارضته لنظام نابليون بونابرت قبل أن يرسل في النهاية بحلول سنة 1810 نحو مصحة الطبيب دوبويسون بسبب اضطرابات نفسية قيل إنه عانى منها عقب مؤامرة ضد الإمبراطورية.

واستغل الجنرال دي ماليت فرصة تواجد الإمبراطور نابليون بونابرت بالجبهة الروسية وغيابه عن العاصمة باريس، وأفلت من مصحّة الطبيب دوبويسون برفقة اثنين من أصدقائه، واتجه لثكنة الحرس الوطني بوبنكورت (Popincourt) بباريس، مرتديا ثيابه العسكرية ليعلن لكل من كان بها عن مقتل الإمبراطور، مؤكدا على أهمية تشكيل حكومة جديدة وإعادة النظام للبلاد. في الأثناء، لم يتفاجأ أي من الجنود عند سماعهم للخبر حيث كان الجميع حينها على دراية بأخبار هزائم قواتهم وتراجعها على الجبهة الروسية.

"الإمبراطور قتل"
بناء على ذلك، رافقت خمسة فرق مسلحة من الحرس الوطني الجنرال دي ماليت نحو سجن لافورس (la Force) حيث عمد لتحرير اثنين من رفاقه وهما الجنرال لاهوري (Lahorie) وزميله غيدال (Guidal)، بعد أن أقنعهما بموت الإمبراطور وضرورة تشكيل حكومة لتسيير شؤون البلاد. وخلال ساعات الصباح الأولى، اعتقل المتآمرون مدير شرطة باريس، الذي قبض عليه وهو نائم بفراشه، وقائد الشرطة السرية ووزير الداخلية.

بالتزامن مع ذلك، فتح فروشوت (Frochot) المسؤول بالعاصمة قاعة بلدية باريس للمتآمرين ليجعل منها مقر اجتماعات الحكومة الجديدة، والتي اتجهت بدورها لإرسال تعزيزات عسكرية هيمنت بفضلها على القصر الملكي ومقرات مجلس الشيوخ وبنك فرنسا. وبحلول الساعة العاشرة صباحا يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر 1812، كان الجنرال دي ماليت سيدا على الجزء الأكبر من العاصمة باريس.

الاستيلاء على الجزء الأكبر من العاصمة
أيضا، حاول دي ماليت الاستيلاء على قيادة فيلق الحرس الوطني الأولى بباريس، فاتجه لقائده الجنرال هولان (Hulin)، بطل حصار سجن الباستيل، وطالبه بالاستقالة بأمر من مجلس الشيوخ ليندلع بذلك خلاف بين الطرفين، أطلق خلاله دي ماليت رصاصة تجاه هولان استقرت عند مستوى فكّه.

إلى ذلك، لم تدم فترة استيلاء الجنرال دي ماليت على العاصمة طويلاً، حيث كشف عدد من قيادات الجيش خدعته بشأن وفاة نابليون بونابرت عن طريق مراسلات الأخير لجنرالاته ليقع بذلك الانقلابيون في قبضة سلطات العاصمة باريس التي عجّلت بمحاكمتهم قبل عودة نابليون.

ويوم 29 تشرين الأول/أكتوبر 1812، أعدم كل من دي ماليت ولاهوري وغيدال رمياً بالرصاص و11 آخرين من المتآمرين. ومع عودته من الجبهة، استشاط نابليون غضبا عند سماعه لخبر الانقلاب ولام مسؤولي باريس تجاهلهم لوصيته بمنح عرش فرنسا لابنه نابليون الثاني، البالغ من العمر حينها عاما واحدا، في حال وفاته.