الأربعاء
2024/04/24
آخر تحديث
الأربعاء 24 أبريل 2024

مسرحية غزواني.. الأمل: فصل نذيرو والأدوية المزورة.. أين المجرم يا نذيرو؟

19 نوفمبر 2019 الساعة 08 و53 دقيقة
مسرحية غزواني.. الأمل: فصل نذيرو والأدوية المزورة.. أين (…)
Hacen Abbe
طباعة

سنة 2008 وعلى مدى 6 أشهر ستشهد تونس احتجاجات ما سمي حينها " انتفاضة الحوض المنجمي " " احداث الحوض المنجمي " " إضرابات قفصة " وهي حركة احتجاجية واسعة وقعت في جهة الحوض المنجمي في الجنوب الغربي التونسي ( ولاية قفصة ) .
هذه الأحداث شملت الحوض المنجمي في قفصة الغني بمادة الفوسفات ، والواقع على بعد 350 كم من تونس العاصمة ، في جهة بها مستويات عالية من البطالة والفقر ، وتعتبر الأوسع والأكبر التي شهدتها تونس منذ أحداث الخبز في 1984 ومنذ وصول الرئيس زين العابدين للحكم في 1987 .
قمعت السلطات بشدة هذه التحركات الاحتجاجية السلمية ذات الطابع الاجتماعي والتي شاركت فيها شريحة واسعة من سكان المنطقة، مما خلف عدة قتلى ومئات المعتقلين، إلى جانب تعذيب الناشطين الحقوقيين والنقابيين والصحفيين الذين حكم عليهم بأحكام مشددة بالسجن .
الشاهد ، رغم 6 أشهر من الإحتجاجات والقتل والاعتقال والتعذيب الذي مارسته السلطات ضد المحتجين .... لم تقم ثورة في تونس ! وبقيت الأحداث محصورة في ولاية قفصة لوحدها ، وعادت الأمور لمجاريها وأبقى النظام الحاكم الوضع على ما هو عليه بالقوة .
وقبل ذلك وفي ليبيا ستتعدى سمعة سجن أبو سليم السيئة مسامع الليبيين إلى مسامع العالم أجمع ، سجن صار مضرب المثل في سوء المعاملة لنزلائه وانتهاكات لحقوق الإنسان فيه وصلت حد القتل الجماعي " مذبحة عام 1996 " والتي قدرت هيومن رايت واتش القتلى فيها ب 1270 سجينا .
الشاهد ، لم تقم ثورة في ليبيا على إثر ما حصل بالسجن من بين إنتهاكات أخرى كثيرة ظل يمارسها نظام العقيد !
في مصر ، اليمن ، سوريا ، الجزائر ، السعودية، ... كل الدول العربية باختصار ، لم تقم أي ثورة " شعبية " بسبب انتهاكات لحقوق المواطنين فيها ونهب خيرات بلدانهم من أنظمة شمولية تحكمهم ، ورغم أنه وفي كل دولة جرى مثل ما جرى في تونس وليبيا وأحيانا أشد كسنوات الرصاص بالمغرب .
فلماذا ثارت إذن الشعوب العربية وخاصة في تونس ( 2010 ) لأن شابا أحرق نفسه ( رحمه الله ) ولم تثر للأحداث الآنفة الذكر والتي تم قتل مئات المواطنين فيها ، وحتى أن عدة مواطنين أحرقوا أنفسهم في دول عربية عدة قبل البوعزيزي ( رحمه الله ) ؟
الجواب بالعريض هو : الأمل ... الأمل بأن هذه الأنظمة سترحل لتقدم قادتها في السن ، ولأن هناك وعي متزايد في المجتمعات وخاصة في صفوف أجياله الصاعدة و .... وبالتالي فالصبر والأمل بقيا السمة المشتركة بين هذه الشعوب في انتظار غد أفضل .
الشاهد ، الأمل في غد أفضل ، مهدئ فعال للشعوب وكابح لثورات تقوم بها وضامن لصمتها وصبرها على الظلم والغبن و ... ولكن ، ماذا لو أن شعبا فقد ذلك الأمل ؟ الجواب : ثورة البركان الصامت منذ عقود .

الأنظمة ليست غبية ( على الأقل في طرق إلهاء شعوبها ) وتعي جيدا قضية " الأمل " هذه ولذلك تعمد إلى تدجين شعوبها عن طريق الإعلام الرسمي الذي تحتكره وتجعل منه وسيلة لهذا التدجين ، وتعمد من حين لآخر إلى صك مسامع العامة ب " إصلاحات " في هذا القطاع أو ذاك ، عزل هذا المفسد أو ذاك ، فتح حنفية ، تدشين طريق معبد من عدة أمتار ، حفل حصول البلد على معونات ، تقرير عن مشروع وقرض له هنا أو هناك ، لقاء الزعيم بساكنة القرية كذا ، زيارة زعيم دولة ما للبلد ، زيارة الزعيم لبلد ما ، حصول البلد على قرض أو منحة ..... وتمر الأيام بنهب للخيرات في الكواليس ، والشعب تحت مخدر " الأمل " الذي يستثمر فيه النظام كل طاقاته وكل الوسائل والطرق .
ولكن ، حتى " مخدر الأمل " له فترة صلاحية حينما تنتهي يستيقظ الشعب وحينها يثور البركان .
ففي تونس فقد الشعب الأمل من غد أفضل وهو يرى أفراد عائلة الطرابلسي يزدادون نفوذا وقوة وخاصة بعد الحديث عن إمكانية تولي ليلى علي للحكم بعد زوجها في انتظار بلوغ ابنهما سن الرشد ، وفي ليبيا صار واضحا لشعبها بأن سيف الإسلام سيرث الحكم من والده العجوز تماما مثل ما يحضر له في مصر من توريث للحكم في عائلة مبارك لصالح جمال وفي اليمن أحمد ابن عبد الله صالح ... والشعوب لا تتخيل هكذا سيناريوهات فالمعطيات على الواقع تؤكدها وقد رأت رأي العين كيف تم توريث الحكم في سوريا بصورة " سلسة " ومر الأمر بصورة " طبيعية " ، فمات الأمل في التغيير وغد أفضل ، فكان حرق شاب لنفسه كفيل بثورة البركان ووصول حممه للدول الآنفة الذكر ، ولم تعد فصول المسرحية تشد انتباه الشعوب ولا تلهيها وصمت آذانها عن ( أفهمتكم ، الشعب ... ليس كالشعب التونسي فهو متعلق بقائده ويحبه ، الزعيم يلتقي بالشباب ويستمع لهم ، البلد يتعرض لمؤامرة، الثوار خونة تحركهم أجندات ، ... ) .

الشاهد ، غزواني يدرك جيدا ما يعانيه البلد وشعبه من مآسي وظلم وغبن نتيجة #عشرية_الجراد التي كان أحد الفاعلين العسكريين والسياسيين فيها ، ويدرك جيدا أن هناك ألف سبب ليتذمر الشعب من الوضع المزري بالبلد ولكن " أمل " رحيل عزيز جعله يصبر وينتظر الغد الأفضل القادم بعد رحيله ، ولكي لا يفقد الشعب هذا " الأمل - المخدر " يعمد غزواني لقطارة إصلاحات شكلية قشرية يرى المواطن ظاهرها بينما لبها حفاظ على مصالح المافيا العزيزية من سياسيين ورجال أعمال و" أعيان " ، فيما يشبه مسرحية من عدة فصول يتم حاليا عرض أحد فصولها تحت عنوان " نذيرو والأدوية المزورة " ، ولكي لا يتشكل وعي بأن هناك توريث للحكم حصل بين " اخوة السلاح " وبأن الحكم سيبقى دولة بين هؤلاء الاخوة لعقود قادمة كما هو سار به العمل منذ عقود .

مللنا من طول فصلك المسرحي يا نذيرو .
#أين_المجرم_يا_نذيرو ؟