الثلاثاء
2024/04/16
آخر تحديث
الثلاثاء 16 أبريل 2024

أرض الميعاد

5 دجمبر 2019 الساعة 20 و52 دقيقة
أرض الميعاد
سيدي علي بلعمش
طباعة

ـ لأنه ولد تائها بلا وطن ، ينتمي إلى أسرة من بدو المغرب تشردت في بداية القرن الماضي إلى أن استقر بها الحال في السنغال، حيث ولد و ترعرع في دارومستي و دخل الابتدائية فيها بأوراق سنغالية، سهل له الحصول عليها قريب له كان يعمل في بلدية اللوغة التي تتبع لها إداريا قرية مولده،
ليحصل بعد بلوغه على أوراق موريتانية مزورة ، في إحدى أكبر جرائم الإداريين الموريتانيين، مدعيا أنه مولود في أكجوجت ، ثم يصبح ضابطا في الجيش بشهادة مزورة ، ثم رئيسا للجمهورية (ينص الدستور الموريتاني على أن يكون المترشح للرئاسة مولودا موريتانيا...) ،
ـ لأن موريتانيا أرض بلا رجال يدافعون عنها و يغارون عليها من القلب ،
ـ لأن الأحكام الماضية عملت بكل جهودها لتحكم البغايا و المخنثين و أصحاب الدجل و الفتوى تحت الطلب و المنافقين، في مفاصل البلد،
ـ لأنها أرض حلت بها لعنة عقوق أبنائها و خيانة نخبها و انحراف علمائها ،
تبلورت في عقل عزيز المريض فكرة "أرض الميعاد" ، معتبرا أن المعجزة الأكبر قد حصلت بالفعل بوصوله إلى دفة الحكم و أن أي مستحيل لم يعد قائما في طريقه.
كان هذا الاستنتاج واقعيا و كان الحلم على مرمى حجر من تحققه؛
لكن انهيار المجتمع بنخبه المدنية و العسكرية أمام تقدمه السريع ، جعل قوى غير مرئية ، كان من الصعب عليه فهم آليات تحركها ، تضع العراقيل في وجهه، فوقع في فخ ما زال حتى هذه اللحظة حائرا من سر قوته و غموض حقيقته.
كان الغبي قد رتب كل شيء لتحقيق حلمه :
ـ استحوذ على كل ما في البلاد من خيرات و جعلها رهينة لمدة خمسين سنة قادمة لمؤسسات تركيع العالم الثالث.
ـ دمر التعليم كأهم عامل لنهوض الشعوب.
ـ شيد رموز عظمته على أنقاض الرموز التاريخية للبلد :
ـ بلوكات (بما تحمل في ذاكرة الكثيرين من ذكرى الاستقلال)
ـ تغيير العلم الوطني (لا يمكن أن يفهم الغرض منه إلا انطلاقا من فكرة الهيمنة)
ـ تغيير النشيد (لفهم تغييره نحتاج إلى أن نتذكر أننا لم نر من قبل اهتمام عزيز بأي أمر معنوي غيره)
ـ تغيير العملة الوطنية (كان إنشاؤها رمزا حقيقيا لنهاية حقبة المستعمر و كان تغييرها رمزا حقيقيا لميلاد وطن آخر)
ـ العبث بحالتها المدنية (كان دخل الحالة المدنية أكبر من دخل اسنيم و كانت طوابير الناس عليها بإذلال، تحيل إلى شروط قوانين الهجرة)
ـ تغيير اسم التلفزة الوطنية لتكون "وطنيتهم" هي الممثل الشرعي لانتمائنا إليهم ..
ـ مسخ تاريخ البلد و تحويله إلى حقل الغام عن طريق "رابطة تشويه بطولات المقاومة" و لا شك أن الجميع يتذكر الفكرة التي أسست عليها تسمية "مطار أم التونسي"
و بتفشي المخدرات و دور الدعارة و الجوع و الغبن و ارتشاء الأمن و انحراف أحكام القضاء و الدعاية المفتوحة للشذوذ و تحويله إلى موضة شبابية، استطاع خلال عشريته المشؤومة ، بمساعدة فيلق التزلف و النفاق أن يقلب عادات المجتمع و ما تربى عليه من مثل و أخلاق ، إلى جحيم أعمى تشهق من هول فجوره السماء.
إن المتأمل الفطن لما حدث خلال عشرية الشؤم ، لا بد أن يتأكد أننا كنا نساق إلى جحيم أجندة شيطانية مرسومة بدقة ، تم تنفيذ فصولها بإحكام، تولت فيها كارتلات المخدرات و مافيا الأدوية المزورة و المواد المستهلة منتهية الصلاحية ، مهمة إبادة المجتمع.
إن احتفاظ النظام اليوم برموز "أرض الميعاد" (علم عزيز، نشيد عزيز، عملة عزيز، رابطة تشويه بطولات المقاومة (عزيزية الجهل و الحقد) ، الحالة المدنية ، تلفزيون الوطنية، مغارة علي بابا (UPR)، "بازيب"، رابطة علماء موريتانيا، برلمان شبيكو و تزوير الأدوية)، جريمة في حق مجتمعنا لا يمكن السكوت عليها بأي ذريعة.
لقد أمهل الله أهل هذا البلد أكثر من مرة و عليهم اليوم أن يتداركوا أمر بلدهم قبل أن يتحول إلى فلسطين أخرى . و ليس من عادة التاريخ مسايرة من لا يفهمون إشارات تحذيره.