الأربعاء
2024/04/24
آخر تحديث
الأربعاء 24 أبريل 2024

اغتيال سليمانى ومقامرة أردوغان.. التداعيات المحتملة

6 يناير 2020 الساعة 22 و56 دقيقة
اغتيال سليمانى ومقامرة أردوغان.. التداعيات المحتملة
عبد الله السناوي
طباعة

تومئ حركة الحوادث المتلاحقة إلى حروب جديدة فى الإقليم على أكثر من جبهة تتصادم فيها قوى ومصالح واستراتيجيات وانفلاتات أعصاب.
بتوقيت متزامن دخلت الأزمتان الليبية والعراقية أطوارا جديدة تنذر بصدامات سلاح تمتد نيرانها إلى دول الجوار.
يوم بعد آخر تفلت الأزمة الليبية من أية حسابات على شىء من الرشد والتبصر بعواقب التدخل التركى العسكرى.
كان تفويض البرلمان التركى إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا تصعيدا جديدا لاحتمالات نشوب حرب إقليمية فوق أراضيها.
رفع منسوب التصعيد يستهدف أساسا منع الجيش الوطنى الليبى بقيادة «خليفة حفتر» من حسم معركة العاصمة طرابلس، غير أن ألعاب السلاح مقامرات لا يمكن التحكم فيها، أو ضمان نتائجها.
ويوم بعد آخر تندفع الأزمة العراقية إلى مشروع صدام مسلح بين واشنطن وطهران رغم أن الطرفين لا ينتويان فيما هو معلن الدخول فى حرب مفتوحة.
كان اغتيال اللواء «قاسم سليمانى» برمزيته فى النظام السياسى الإيرانى تصعيدا غير مسبوق فى مستوى المواجهة بين واشنطن وطهران.
رمزيته تفوق شخصه وصلاحياته تتخطى منصبه.
كقائد لـ«فيلق القدس» فهو يتبع الحرس الثورى الإيرانى، غير أن وزنه السياسى والعسكرى يفوق قيادته المفترضة وصلاحياته فى إدارة الملفات الإقليمية أكسبته حجما سياسيا لا يتوافر لأية شخصية إيرانية أخرى بما فيها الرئيس «حسن روحانى».
هو رجل المرشد «على خامنئى» فى الإقليم المفوض بالتصرف فى أزماته.
من ناحية رمزية فإن اغتياله استهداف للمشروع الإيرانى فى الإقليم.
هذا هو موضوع الصدام المحتمل.
السؤال الآن ليس أن ترد أو لا ترد إيران بقدر ما هو نوع الرد وحجمه وإمكانية التحكم فى ردة فعله.
لا توجد حيثيات أمريكية متماسكة لاغتيال «سليمانى» الآن بعملية نوعية استخباراتية وعسكرية استلزمت تخطيطا محكما تابعه الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب».
سؤال التوقيت يكتسب مغزاه مما أصبح معروفا من أن «سليمانى» اعتاد القدوم إلى العراق ومغادرته عبر مطار بغداد الدولى، الذى يخضع محيطه لرقابة أمريكية عسكرية مشددة.
أزمة «ترامب» الداخلية على خلفية ملاحقته بدعاوى عزله من مجلس النواب الأمريكى باستغلال منصبه لمصالح انتخابية قد تفسر التوقيت.
ربما أراد أن يثبت قوته رغم الملاحقة النيابية، وأنه لا يأبه بأية حملات من خصومه الديمقراطيين واثقا من حسم الصراع فى مجلس الشيوخ بأغلبيته الجمهورية.
باليقين فإن قرار اغتيال «سليمانى» سوف يخضع لنقاش داخلى أمريكى حاد حول تداعياته، وما إذا كان قد يجر البلاد إلى حرب لا تريدها، غير أن كل شىء سوف يتوقف على نوع وحجم الرد الإيرانى.
من المرجح أن يترك الرد لحلفاء إيران باسم الثأر لاغتيال «أبو مهدى المهندس» نائب رئيس «الحشد الشعبى»، الذى لقى مصرعه مع «سليمانى»، وعلت أصوات عديدة تدعو إلى طرد الأمريكيين من العراق.
بعيدا عن حادث الاغتيال فإن لهذه الدعوة حيثيات وطنية تزكيها منذ احتلال العراق (2003)، لكنها سوف تصطدم بالتمركزات الأمريكية وعمق تدخلها فى بنية الجيش العراقى وحجم تنازعها على النفوذ السياسى مع إيران.
وهذه كلها عناوين صراعات وصدامات مؤجلة.
وباليقين فى الأوضاع العراقية المأزومة بحثا عن حكومة جديدة لا تخضع لغير إرادة شعبها فإن عملية الاغتيال سوف تلقى بظلال ثقيلة على السجالات الداخلية تضع مستقبل البلد المنظور بين قوسين كبيرين.
بين الاحتمالات الواردة ردا على عملية الاغتيال قيام جهة فى العراق، ليست لها صفة رسمية، بعملية محدودة ضد القوات الأمريكية يكون لها دوى سياسى أكثر منه عسكرى.
تطويق أزمة اغتيال «سليمانى» محتمل بحسابات وموازنات القوة وقدر من التعقل فى إدارة الصراع تحسبا من التورط فى حرب مفتوحة.
فى الحالة الليبية يغيب مثل هذا القدر من التعقل عن تصرفات الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان».
على الحدود الفاصلة بين الدبلوماسية والسلاح فى إدارة الأزمة تبدو الخيارات المصرية ضيقة للغاية.
إذا ما اكتفت بالمرافعات الدبلوماسية فى القانون الدولى والمرجعيات الأممية، التى تنزع عن «أردوغان» أية شرعية فى التدخل العسكرى، فإن ذلك لن يردعه على أى نحو.
وإذا ما لوحت بالسلاح فإنها قد تتورط فى المستنقع الليبى وتستنزف دماء أبنائها وقدراتها الاقتصادية فى حرب قد تطول فى الصحارى المترامية.
رغم اندفاع «أردوغان» وخيلاء القوة فى تصريحاته وتصرفاته فإنه يدرك بصورة ما حجم المخاطر المحتملة، فهو يلوح بالتدخل لكنه قد لا يتدخل إذا ما أوقف الجيش الوطنى الليبى هجومه على طرابلس ــ حسب تصريحات نائبه «فؤاد أقطاى».
يدعو جنوده إلى ملاحم تذكر بأمجاد العثمانيين وقادتهم العسكريين الكبار لكنه يرسل بالوقت نفسه مرتزقة سوريين إلى طرابلس ليقاتلوا بالنيابة.
لا يكف عن الاتصال بالعواصم الدولية الكبرى لكنه لا يحصل على أى غطاء سياسى للتدخل العسكرى المنتظر ويجد نفسه معزولا.
مقامرة «أردوغان» تنتظر ما قد يحدث فى مؤتمر برلين أوائل العام الجديد من مقايضات سياسية تحقق أهدافه دون حاجة لأية مغامرة عسكرية عواقبها وخيمة.
أسوأ ما فى حساباته أن الوضع الداخلى التركى لا يسمح بمقامرات عسكرية جديدة بعيدا عن الحدود.
كان لافتا حجم الاعتراض من أحزاب المعارضة المدنية والكردية فى البرلمان والشارع السياسى خشية الانزلاق إلى حرب إقليمية مع مصر بالذات.
وسط ذلك الاعتراض يكتسب صوت وزير خارجيته الأسبق «أحمد داود أوغلو»، الذى تعزى إليه فكرة «العثمانية الجديدة» أهمية خاصة.
هو مفكر حزب «أردوغان» وألمع مثقفيه انشق عليه وأنشأ حزبا جديدا، أدان استبداده وهوسه بالسلطة ورأى فى تصرفاته انقلابا على جوهر ما دعا إليه.
وفق «أحمد داود أوغلو» فإن العثمانية الجديدة نوع من القطيعة الفكرية والسياسية مع حقب ما بعد سقوط الخلافة دون أن تكون الخلافة حلا، أو التراجع عن الدولة العلمانية بديلا.
انتقادات «أوغلو» لظاهرة «أردوغان» بذاتها وثيقة بالغة الأهمية، وربما يكون المستنقع الليبى هو كلمة النهاية.