الخميس
2024/03/28
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

رسالتي الأخيرة إلى فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني

19 يناير 2020 الساعة 11 و24 دقيقة
رسالتي الأخيرة إلى فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني
الحسين بن محنض
طباعة

كما وعدت في رسالتي السابقة هذه ستكون آخر رسالة لي من سلسلة الرسائل التي توجهت بها إلى فخامتكم منذ تقلدكم مهامكم كرئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية..

فخامة الرئيس
لقد مضت الآن قرابة ستة أشهر على انتخابكم وهو ما يعادل عشر مأموريتكم التي تميزت بإجماع غير مسبوق حولكم وأمل لم يسبق له مثيل في شخصكم وقيادتكم.. وإذا لم يتحقق على الأقل عشر ما كان الناس يطمحون إليه من وراء تقلدكم لمهامكم فإن خيبة أمل واسعة ستجتاح الشارع والمجتمع مولدة جوا جديدا من الاحتقان الممزوج بالمرارة واليأس.. وكما أن كل النقد الذي كان يوجه طيلة الأشهر الستة الأخيرة للعشرية الماضية كان يوجه إلى النظام الذي سبقكم لا إلى نظامكم الذي يعتبر نظاما جديدا فإن الستة أشهر المقبلة إذا لم تسر الأمور في الاتجاه الذي يطمح إليه المواطنون كفيلة بجعل كل النقد يتوجه إليكم وإلى نظامكم لأن النظام السابق سيكون حينها في عداد الماضي...

سيدي الرئيس
لقد أطلقتم ومنذ أول وهلة أيدي حكومتكم لتمكينها من القيام بمهامها المنوطة بها على أكمل وجه، لكن هذه الحكومة رتبت على ما يبدو الأمور حسب أولوياتها هي لا أولويات المواطنين، وعملت خارج أي استيراتيجية إعلامية فعالة، وظهر هناك عجز واضح لدى عدد غير قليل من الوزراء في تحقيق شيء ملموس -حتى الآن على الأقل-، وبات الأمر بحاجة إلى مقاربة جديدة يعدها الخبراء لا الوزراء الذين بدلا من أن يتعاملوا مع إكراهات الحاضر توزعت أكثر جهودهم بين الانهماك في تشخيص الماضي لإظهار مساوئه وحشد الوعود بالإنجازات في المستقبل لإبراز محاسنه، فضاعت من بين أيديهم بسبب ذلك فرصة استثمار اللحظة حيث لم يفهموا على ما يبدو أن قيمتها لا تقدر بثمن..

سيدي الرئيس
لقد أكدت أحدث الدراسات في المجال السياسي والاجتماعي أن السلطة من حيث التأثير والمشروعية حالة وهمية وليست حالة حقيقية، كم أن الإذعان لها أيضا حالة وهمية، ولكي تكون هناك حالة من الانسجام الديناميكي بين الوهم الذي تخلقه السلطة والوهم الذي يخلقه الإذعان لها يحتاج الطرفان إلى مستوى من الثقة المتبادلة يمنع من تعرية هذا الوهم لأن تعريته يؤدي إلى تقويض الدولة، وهذه الثقة كانت قبل سقوط جدار برلين تحتاج إلى إنجازات ملموسة يسندها إعلام فعال، ثم أصبحت الآن بسبب قوة السوشيو ميديا ووسائل التواصل الاجتماعي تحتاج إلى العكس أي إلى إعلام فعال تغذيه إنجازات ملموسة.. لقد أصبح منذ منتصف التسعينيات الإعلام هو المحرك الأول للسياسة والاقتصاد والصانع الأول للحرب والسلام وكل حكومة أو سلطة لا تركز على الخبرات الإعلامية الحقيقية في بناء استيراتيجياتها ولا تأخذ في الحسبان هذا التحول الجديد مصيرها الفشل، لأن أي إنجاز مهما كانت قيمته لا يعتبر من الناحية الإعلامية إنجازا إلا إذا صدق المواطنون بأنه فعلا إنجاز كما أن أي إخفاق مهما اتسعت دائرته لا يعتبر من الناحية الإعلامية إخفاقا إلا إذا صدق المواطنون بأنه إخفاق، والحاكم الصالح في علم الإعلام هو من يقتنع المواطنون بأنه صالح حتى ولو كان فاسدا في واقع الأمر والحاكم الفاسد في علم الإعلام هو من يقتنع المواطنون بأنه فاسد حتى ولو كان صالحا في نفس الأمر.. لأن المعيار الأهم لكفاءة الإعلام هو الرأي العام، وهذه نقطة أهملها كثيرا النظام السابق وأظن أنه دفع ثمنها غاليا فصورته بلغت لدى الكثيرين من السلبية مستوى لدى الرأي العام لا تصل إليه صورة أي نظام سابق رغم أنه امتلك في بدايات انقلابه 2008 خطابا ديماغوجيا جذب كثيرا من المواطنين آنذاك قبل أن يكتشفوا الحقيقة مع الزمن...

السيد الرئيس
ولأن الأمر بلغ حدا لا يسمح للشعب بمزيد من الانتظار فان الرأي العام ينتظر على وجه الخصوص والاستعجال تصور وتنفيذ:
 بنية سياسية تؤسس لحوار أو مشاورات من شأنها أن ترسي دعائم ممارسة انتخابية متفق عليها وديمقراطية توافقية ومستديمة، وهذا لا يتطلب أكثر من إرادة ورؤية..
 بنية مؤسسية تعيد أسس الجمهورية وقيمها ويجعل من احترام المواطن وضمان حقوقه وكرامته أولوية قصوى..
 بنية إدارية تستهدف بناء أنظمة إدارية ومؤسسية فعالة يتم من خلالها تعيين الكفاءات في محل الولاءات، وتقريب الإدارة بصورة حقيقية وليست شكلية من المواطنين..
 بنية اجتماعية تستهدف بناء أسس جديدة للدولة ترفع الطلم والتهميش والكراهية وتعمل على المواطنة والمساواة والعدالة اتجاه جميع الأعراق والشرائح.
 بنية اقتصادية تستهدف رفع كفاءة النظام الاقتصادي وملاءمة الدخول والأنظمة الضريبية والأسعار مع الثروة الوطنية من جهة والعدالة في توزيعها من جهة ثانية حتى تنعكس خيرات البلد الوفيرة على ظروف المواطنين المعيشية فيه فمستوى الفقر والأسعار وظروف المواطنين تتناقض مع ثروات بلدهم الوفيرة.

وكل هذا يحتاج إلى حكومة قوية لها هدف محدد ورؤية واضحة لا تخطئ في التشخيص ولا تخطئ في العلاج وتتمتع بالقدرة على الإبداع والابتكار.. وإذا لم يقع هذا يا فخامة الرئيس في أسرع وقت فسنواجه مستقبلا قاتما أشد وطأة من كل ما مضى على جميع الصعد..

لقد قرأت مشروع برنامج وكالة تآزر ووجدته مع الأسف شكليا وميكانيكيا وضعيف المردودية.. إن 200 مليار مبلغ هام جدا لكن الأفكار التي التي هيئت لصرفه بدائية ولا تخرج عن نمط وكالة تضامن التي سبقتها..

سيدي الرئيس
ثقوا بأن بلدكم رغم النهب والفساد والدمار وضعف كفاءة بنياته المؤسسية بلد غني وله مستقبل واعد ويمكن تحويله خلال أقل مم خمس سنوات الى دولة من طراز قطر أو الإمارات ليس فيه أي فقير
لكن بطريقة حكم أخرى غير هذه السائدة حاليا.. وعذرا على الإطالة فخامة الرئيس.

وفقكم الله تعالى وسددكم.