الجمعة
2024/05/17
آخر تحديث
الجمعة 17 مايو 2024

ناصر فى موريتانيا

28 يناير 2019 الساعة 11 و38 دقيقة
ناصر فى موريتانيا
طباعة

ماجد حبته /
شجار أو خناقة شهدتها موريتانيا، بسبب قيام السلطات هناك بتغيير اسم شارع جمال عبدالناصر، وسط العاصمة «نواكشوط»، إلى «شارع الوحدة الوطنية». ولأن «ناصر» لن يزيد من قدره أو ينتقص منه إطلاق اسمه على شارع أو رفعه عن آخر، فإننا لن نتوقف عند ذلك الشجار أو تلك الخناقة إلا لـ«التسلية» ولو رأيت أن بإمكانك تضييع وقتك فيما هو أكثر نفعًا، فلا تتردد و«اقلب الصفحة».
الشارع الذى ظل يحمل اسم الزعيم الراحل منذ استقلال موريتانيا عن الاستعمار الفرنسى سنة ١٩٦٠، صدر قرار تغييره فى جلسة استثنائية عقدها المجلس البلدى فى موريتانيا، فى ١٥ يناير الجارى، غير أن الخبر لم يتم تسريبه، إلى الصحف الموريتانية إلا بعد ٤ أيام، ومساء الخميس، أعلنت الحكومة القرار رسميًا. واستبق الإعلان وزير الثقافة الموريتانى، الذى هو أيضًا المتحدث باسم الحكومة، بتغريدة فى حسابه على تويتر ذكر فيها أن تغيير اسم الشارع تم «بتوجيه من رئيس الجمهورية»، زاعمًا أنه «ليس هذا غمطًا (ازدراء) لأيٍ كان، أو تجاوزًا فى حقه، بقدر ما هو ترتيب لأولوياتنا، وحق الموريتانيين فى أن تعكس عاصمتهم ما لديهم من رموز ومراجع».
القرار أثار جدلًا واسعًا فى الشارع الموريتانى. وبجولة على حسابات الأشقاء هناك على شبكات التواصل الاجتماعى، «تكعبلنا» فى مؤيد أو اثنين، مقابل مئات هاجموا القرار، الذى رفضته، أيضًا، عدة أحزاب موريتانية، أبرزها حزب التحالف الشعبى التقدمى، الذى أصدر بيانًا، الأربعاء، استنكر فيه القرار، ووصف تغيير اسم الشارع الذى «يحمل اسم الزعيم العربى الإفريقى التحررى» بأنه «طمس لمعالم الماضى، وتنكر لرموز الأمة». وطالب الحزب الحكومة بالتراجع عن «القرار المفاجئ»، ودعا كل القوى الوطنية وجماهير الشعب الموريتانى إلى التعبئة للوقوف فى وجه هذه المحاولة. كما هاجم حزب اللقاء الموريتانى، القرار مؤكدًا، فى بيان، أن ناصر كان «الرافعة، التى استندت عليها حركات التحرر العربية والإفريقية والعالم الثالث، الساعية إلى تخليص بلدانها من عبودية الاستعمار واستعادتها لكرامتها الوطنية».
هجوم أكثر حدة، شنه محمد جميل ولد منصور، رئيس حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية، الذى كتب فى حسابه على شبكة التواصل الاجتماعى، فيسبوك: «ليس من المناسب أن نتعامل مع كل ما ورثناه من تاريخ الدولة الوطنية بعقلية التغيير والتغيير فقط، هناك أمور ورموز وأسماء تعوّد الناس عليها وليس من اللائق محو هذه الذاكرة والإساءة للمناسبات التى أفرزتها. أسماء الشوارع تعبّر عن استحضار لحظات تنتمى إلى وقتها وزخمها وليس واردًا محاكمتها خارج سياقها وزمنها». وأوضح ولد منصور أن جمال عبدالناصر «كان زعيمًا وطنيًا وتحرريًا طبع مرحلة من تاريخ العرب والأفارقة، وليس مناسبًا ولا لائقًا تغيير اسم شارع حمل اسمه».
موريتانيون، أشقاء، كثيرون، طالبوا النظام الحاكم بأن يوفر جهوده للمنجزات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وألا يهدرها فى تغيير النشيد والعلم وأسماء الشوارع. الأمر الذى يعيدنا إلى الشجارات، أو الخناقات، التى سبق التعديلات الدستورية التى جرت منذ عام ونصف العام تقريبًا، التى زعم النظام أنها ضرورية «لكى تحقق موريتانيا أعلى درجات التطوّر والرقى»، بينما رفضها المعارضون ووصفوها بأنها «خطر على استقرار البلد، وتكرس الفساد». وأعلنت عدة أحزاب، تحالفت مع بعضها واختارت لنفسها اسم «تنسيقية المعارضة الديمقراطية»، أن «تغيير العلم الوطنى وحل مجلس الشيوخ يجب ألا يتم بدون توافق وطنى وسياسى». وطالبت الحكومة بأن تلتفت إلى المشكلات التى يعانى منها المواطن الموريتانى، كسوء الأوضاع الاقتصادية، نقص مياه الشرب، انتهاكات حقوق الإنسان، ارتفاع نسب البطالة والأمية والفقر، وتدهور الأوضاع العامة فى البلاد.
مع ذلك، تم طرح التعديلات على الجمعية الوطنية (مجلس النواب) التى وافقت عليها بأغلبية ١٢١ صوتًا من أصل ١٤١ نائبًا. بينما رفضها مجلس الشيوخ بـ٣٣ عضوًا، مقابل موافقة ٢٠ وصوت واحد رفض التصويت. ثم كان الاستفتاء الشعبى الذى جرى فى ٥ أغسطس ٢٠١٧، وأعلنت «اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات» نتائجه مساء اليوم التالى، وكانت تقدمًا «كاسحًا» لـ«نعم»، فى حين قالت «تنسيقية المعارضة»، التى قاطعت الاستفتاء، إنها لن تقبل تلك النتائج ولن تعترف بها. وعقدت مؤتمرًا صحفيًا هاجمت فيه ما وصفته بـ«المهزلة الانتخابية التى فتحت الطريق أمام تزوير أوسع»، مؤكدة أن الشعب «رفض التعديلات الدستورية بشكل واضح».
أمام وضع كهذا، أو «معجنة» كتلك، وكلاهما قطعًا شأن موريتانى داخلى، لا نملك إلا أن نشكر الشعب الموريتانى الشقيق، الذى رفض القرار. مع إشارة، واجبة، إلى أن أى كوارث (أو جرائم) يرتكبها الإخوان ومركوبوهم (ذهنيًا) هنا أو هناك، لا يتحمل مسئوليتها غير تلك الفئة الضالة، التى لم يعد هناك أدنى شك فى أنها بلا وطن.. أو دين.