الجمعة
2024/03/29
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

عالم وعضة كلب.. هكذا نجت البشرية من مرض قتل كل من أصاب

27 مارس 2020 الساعة 20 و14 دقيقة
عالم وعضة كلب.. هكذا نجت البشرية من مرض قتل كل من أصاب
طباعة

خلال القرون الأخيرة، عرف مجال الطب تقدما ملحوظا بفضل عدد من كبار العلماء الذين حلّوا ليخلصوا البشرية من أمراض أزهقت عددا هائلا من الأرواح.

ومع ظهور مفهوم التطعيم والتلقيح عاش الطب أعظم اكتشافاته على مدار السنين نتيجة لأبحاث علماء قضوا على المفاهيم القديمة السائدة.

ففي فأواخر القرن السابع عشر، أثبت العالم والمخترع الهولندي أنطوني فان ليفنهوك (Antonie van Leeuwenhoek) وقوف كائنات مجهرية وراء الأمراض التي كانت تصيب البشر ليبدأ بذلك السباق بين علماء الميكروبيولوجيا ببلورة أسس عملية التطعيم والتلقيح.

وإضافة للإنجليزي إدوارد جينر والألماني روبرت كوخ، عرفت فرنسا ظهور العالم الشهير لويس باستور (Louis Pasteur) الذي جاء ليحدث ثورة بمجال الأحياء الدقيقة ويساهم في تخليص البشرية من داء الكلب الذي مثّل كابوسا للبشرية على مر التاريخ.

باشر لويس باستور، الذي تخصص بعلوم الكيمياء والفيزياء، حياته العلمية بجملة من الأبحاث في علم البلورات قبل أن يتحول ويتخصص مع مرور الوقت في مجالات عدة كالبيولوجيا والزراعة والطب والنظافة ليصبح لاحقا أحد أهم وجوه الثورة العلمية بالقرن التاسع عشر بفضل اكتشافين أساسيين هما البسترة ولقاح داء الكلب.

تجارب على الحيوانات
وخلال مسيرته العلمية، أبدى باستور اهتماما بطرق التطعيم والتلقيح التي اتجه بادئ الأمر لتطويرها بتجارب على الحيوانات. فعام 1878، أجرى الأخير تجارب على البكتيريا المسببة لكوليرا الدجاج ولاحظ تراجع نسبة ظهور أعراض هذا المرض على الدجاج عقب تطعيمه. وعام 1881، تمكّن هذا العالم الفرنسي بنفس الطريقة من حماية البقر والخرفان ضد الجمرة الخبيثة وطوّر خلال العام التالي تلقيحا ضد مرض الحمرة الذي أصاب الخنازير.
ومنذ مطلع ثمانينيات القرن التاسع عشر، أبدى لويس باستور اهتماما بداء الكلب الذي أرق البشرية وانتقل للإنسان عقب تعرضه لعضة كلب حامل للفيروس. وخلال تلك الفترة، مثّل الموت المصير المحتوم للإنسان الذي يصاب بداء الكلب حيث افتقر الأطباء حينها لعلاج فعّال لإنقاذ أرواح كل من انتقلت إليه العدوى. في الأثناء، حمل باستور على عاتقه مهمة تخليص الإنسان من هذا المرض عن طريق إنتاج تطعيم فعال ضده فعمد كعادته لإجراء تجارب أولية على الحيوانات. وعقب عزله للفيروس المسبب لداء الكلب، أقدم باستور على حقنه بأحد الأرانب قبل أن يعيد عزله مرة ثانية ويعاود التجربة مرات عديدة اعتمادا على نفس الفيروس وأرانب أخرى ليحصل في النهاية على فيروس مضعّف مسبب لداء الكلب اتجه لاستخدامه في إنتاج اللقاح. وما بين شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو 1885، أجرى باستور أولى تجربة للقاح على مريضين أصيبا بداء الكلب إلا أن تجربته كللت بالفشل عقب وفاة المريضين.

تجربة على طفل بعد عضة كلب
يوم 4 تموز/يوليو 1885 وأثناء توجهه نحو القرية المجاورة، تعرض الطفل المنحدر من الألزاس جوزيف مايستر (Joseph Meister) البالغ من العمر 9 سنوات لهجوم من قبل كلب مسعور عضّه 14 مرة بجسده. ومع إجراء عدد من التحاليل، أكدت الشرطة أن الكلب حامل لفيروس داء الكلب لتبدأ بذلك معاناة الطفل جوزيف مايستر الذي اصطحبته والدته على جناح السرعة نحو باريس بحثا عن لويس باستور بعد أن سمعت عن وجود باحث أجرى تجارب على المرض بالمنطقة.

في البداية، تخوّف لويس باستور من إمكانية فشل التجربة ووفاة الطفل، إلا أن العالم الفرنسي أمام حتمية الموت بسبب المرض وتشجيع عدد من الأطباء له وإصرار والدة جوزيف مايستر، وافق على تقديم تطعيم داء الكلب للطفل ذي التسع سنوات.

على مدار 10 أيام، تلقى الطفل جوزيف مايستر 13 حقنة عند مستوى جلد البطن. وخلال كل مرة، كان الفيروس الذي حقن به أشد من المرة التي سبقتها. وقد تكفل الطبيب غرانشيه بإجراء عمليات حقن الطفل الذي لم تظهر عليه أية أعراض للمرض ليعود لمنزله يوم 28 تموز/يوليو 1885.

أثناء فترة انتظاره لنتائج التطعيم، عاد لويس باستور لمسقط رأسه بإقليم جورا (Jura) الفرنسي حيث تخوّف الأخير من إمكانية فشل اللقاح ووفاة الطفل بسبب حقنه بفيروس قوي خلال الحقنة الأخيرة. ومع نجاح التلقيح نشر لويس باستور مقالا عن الحادثة كما تناقلت الصحف العالمية خبر نجاح أول تلقيح ضد داء الكلب ليحقق بذلك لويس باستور شهرة تجاوزت حدود فرنسا.

وفي سنة 1887، ظهر بفرنسا معهد باستور الذي سمي كذلك على شرف لويس باستور وحظر حفل افتتاحه الرئيس الفرنسي سادي كارنو (Sadi Carnot) وخلال العالم التالي تكفل هذا المعهد بتطعيم مئات الأشخاص ضد داء الكلب.