السبت
2024/05/18
آخر تحديث
السبت 18 مايو 2024

شارع جمال عبد الناصر

12 فبراير 2019 الساعة 18 و55 دقيقة
شارع جمال عبد الناصر
طباعة

حسن عاتي الطائي -

في قرار غريب يبعث على الدهشة والتساؤل ربما هو الأول ليس في الوطن العربي فقط وإنما على الصعيد العالمي أيضا ان يصدر رئيس الجمهورية قرارا بتغيير إسم شارع من شوارع عاصمته (هو من إختصاص موظف صغير في بلدية المدينة)وان يأمر ذلك الرئيس بإقامة إحتفال خاص بهذه المناسبة يحضره شخصيا يعزف فيه النشيد الوطني ثم يقوم بنفسه بإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية التي تحمل الإسم الجديد للشارع ..حدث ذلك في جمهورية موريتانيا الإسلامية التي أصدر رئيسها الجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي قفز الى كرسي الحكم بإنقلاب عسكري قاده في العام 2008قرارا رئاسيا بتغيير إسم (شارع جمال عبد الناصر)الذي يقع في قلب العاصمة/نواكشوط/وتسميته بإسم جديد هو(شارع الوحدة الوطنية) ..

تبرر الحكومة ذلك التغيير الذي لم يجرؤ اي نظام حكم موريتاني سابق عبر اكثر من نصف قرن على القيام به بأنه جاء تخليدا للمسيرة التي نظمتها الحكومة وتقدمها الرئيس الموريتاني في نفس الشارع لمواجهة خطاب (التطرف والكراهية )في التاسع من كانون الثاني الماضي الذي أعلن بإعتباره يوما للوحدة الوطنيةوفق ماتقوله الرواية الرسمية،وان ذلك يأتي ضمن سلسلة كبيرة لتغيير أسماء الشوارع والساحات كما صرح بذلك وزير الداخلية ،كما ان ذلك التغيير ليس إستهدافا ولا تقليلا من قيمة أحد كما إدعى بصلافةوزير الثقافة الموريتاني.. لقداثار تغيير إسم الشارع توترا وغضبا وإستياءا كبيرا في الوسط الشعبي الموريتاني وأشعل منصات التواصل الإجتماعي رفضا وإستنكارا. في وقت أصدرت فيه الأحزاب والقوى السياسية الموريتانيةالناصرية واليسارية والوطنية المعارضة بيانات شجب وإدانة متهمةالسلطة القمعية بالتخطيط المسبق لذلك القرار اللاوطني الذي إستفز مشاعر الملايين من المواطنين الموريتانيين والعرب في كل مكان من الوطن العربي معلنة رفضها الشديد له وطالبت بالتراجع عنه معتبرة إياه مرتبطا بالنهج الايدولوجي للنظام الرجعي الحاكم وإستجابة ذليلة منه لأملاءات وضغوط القوى الأجنبية والرجعية الحاقدة على عبد الناصر ومشروعه الحضاري وفكره القومي التقدمي وترى فيه عقبة قوية تحول دون تحقيق أهدافها وأحلامها المريضة..ان المبررات والأسباب التي قدمتها الحكومة حول تغيير إسم الشارع لم تقنع احدا وجوبهت بالرفض والإستنكار وتم النظرالى القرار على أنه أمر مبيت ومدبر ومقصود إذ ان هناك شوارع عديدة تتصل بشارع جمال عبد الناصروقريبة منه تحمل أسماء رؤساء دول أجنبية كان الأحرى بالنظام تغيير أسمائها مثل شارع(ديغول)رئيس الدولة التي سيطرت على موريتانيا طويلاونهبت ثرواتها وإستعبدت وأذلت شعبها وليس تغيير إسم قائد حركة التحرر العربي صاحب المواقف الحاسمة في تثبيت دعائم الدولة الموريتانية منذ نيل إستقلالها وتحررها من الإستعمار الفرنسي في العام1960 .. إن إصرار النظام الرجعي على تنظيم تلك المسيرة البائسة في شارع جمال عبدالناصر وليس في أي شارع غيره ومن ثم إتخاذ ذلك ذريعة لتغيير إسمه الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية الموريتانية منذ الإستقلال دليل واضح على تحديه لمشاعر الجماهير الموريتانيةالتي منحت حبها وتقديرها لعبد الناصر وامنت بمبادئه القومية التقدمية وعلى تعمده إرتكاب جريمته مع سبق الإصرار والترصد إرضاء لرغبات القوى الرجعية والصهيونية التي مازال شبح وأسم عبد الناصر يؤرقها ويقلقها خاصة وهي تعرف مدى قوة الحركة الناصرية في الشارع الموريتاني وتأثيرها في الساحة السياسية ..لقد وقف عبد الناصر الى جانب الشعب الموريتاني الذي كان يسعى لتأكيد شخصيته الوطنية عبر تأسيس دولته المستقلة وأعترف بأن موريتانيا دولة قائمة بذاتها وليست جزءا من المغرب الذي كان يعتبرها محافظة مغربيةفي العام (1963) أثناء حضوره القمة التي عقدت في العاصمة الأثيوبية (أديس أبابا) والتي تم فيها إنشاء (منظمة الوحدة الأفريقية) وتوقيع كل من المغرب وموريتانيا على ميثاق المنظمة مما أعتبر إعترافا مغربياضمنيا بموريتانيا كدولة مستقلة بتأثير من عبد الناصر ..وبالعودة قليلا الى الوراء فسنرى إن من أطلق إسم جمال عبد الناصر على هذا الشارع الحيوي الكبير الذي يبلغ طوله ثلاثة كيلو مترات ونصف وتقع فيه العديد من الوزارات ومؤسسات الدولة المهمة ومبنى الإذاعة والتلفزيون بالإضافة الى القصر الرئاسي هو الرئيس الراحل(المختار ولد داده) الذي أنتخب في العام (1961) ليكون اول رئيس للجمهورية بعد الأستقلال تقديرا منه للدور الريادي الحاسم لعبد الناصر في حياة امته العربية ولدعمه الكبير لإستقلال موريتانيا ووقوفه الى جانبها في المحافل الدولية وفي الجامعة العربية وتقديمه لها شتى أنواع المساعدات المادية والمعنوية بما مكنها من النهوض كدولة مستقلة فتية..كان (ولد داده)رحمه الله الذي أطيح به في إنقلاب عسكري عام 1978والذي توفي عام 2003شديد الإعجاب بعبد الناصر منذ أن كان طالبا يدرس في فرنسا ويعتبره بطلا قوميا عربيا وافريقيا أعاد للعرب وللأفارقة كرامتهم وحريتهم بعد ان أهانهم الأوربيون طويلا،وبحسب مذكراته التي نشرت في العام (2012) تحت عنوان (موريتانيا أمام الرياح والأمواج) فإنه كان يعتبر نفسه ناصريا مؤمنا بأفكار ومبادئ عبد الناصر القومية الثورية وبدوره التاريخي عربيا وأفريقيا وعالميا …مهما يكن من أمر فإن جمال عبدالناصر الذي يستقر الان في قلوب الملايين من أبناء العروبة فكرا وعقيدة ورمزا للوحدة العربية وللثورةوالحرية والكرامة والتطلع للمستقبل وفي نفوس الملايين من أبناء الشعوب المقهورة في شتى بقاع الأرض التي ساهم في تحريرها وإسترداد حريتها رمزا للنضال ضد قوى الإستعمار والوقوف الى جانب الحق والعدل لن يضيره شيئا عندما يلجأ الحاقدون والرجعيون والظلاميون بين حين واخر لتغيير إسم شارع يحمل إسمه هنا أوساحة هناك،ذلك ان الشمس لا يستطيع أحد أن يحجبها بغربال أو بالأحقاد والأكاذيب أو بأي شيء اخر..