الجمعة
2024/04/19
آخر تحديث
الجمعة 19 أبريل 2024

هكذا قام محمد ولد عبد العزيز باستغلال منصبه كرئيس لموريتانيا واستنزاف ثرواتها على مدى 11 سنة متواصلة دون رادع

8 مايو 2020 الساعة 01 و00 دقيقة
هكذا قام محمد ولد عبد العزيز باستغلال منصبه كرئيس (…)
طباعة

كيف قام محمد ولد عبد العزيز باستغلال منصبه كرئيس لموريتانيا واستنزاف ثرواتها على مدى 11 سنة متواصلة دون رادع؟ كيف استطاع ضابط بسيط، ذو رتبة عادية، لا تتوفر لديه مؤهلات قيادية أن يفرض نفسه على بقية القيادات العسكرية طوال هذه الفترة؟ كيف تمكن من خداع جزء كامل من النخبة في البلاد رغم أن موريتانيا لم تعرف قبله أي رئيس بتصرفات زعيم عصابة؟

الجواب بسيط: نجاحه في السيطرة على وحدة الحرس الرئاسي (بازيب) هو ما مكنه من تنفيذ انقلابه وفرض نفسه على بقية مكونات الجيش وعلى البلاد بأكملها. وصل محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة واستقر فيها بالقوة، من خلال كتيبة الحرس الرئاسي التي تمثل وحدة طلائع ضمن الجيش حيث سيطر منذ تأسيسها، على انتداب أعضائها وبالتالي تعزيز ولائهم الشخصي له. كما قام بمضاعفة عدد منتسبي بازيب ومنحها صلاحيات واسعة واستقلالية كبيرة عن المؤسسة العسكرية و خصها بميزانية مهمة، مما مكن الكتيبة من أن تكون أفضل تجهيزًا وجاهزية من بقية مكونات الجيش. وهكذا نجح محمد ولد عبد العزيز في خلق وحدة متجانسة، تدين بالولاء لشخصه أكثر من ولائها للمؤسسات. هذا ما يفسر قيام الرئيس الجديد، منذ انتخابه، بحل هذه الكتيبة، عن طريق توزيع أعضائها بين مختلف وحدات الجيش، حتى قبل أن تطالب المعارضة بذلك. فهو يعلم جيدًا أن محمد ولد عبد العزيز قد يجنح في استخدامها مرة أخرى. في الحقيقة، لا يمكن اعتبار وصول محمد ولد عبد العزيز وامثاله إلى السلطة غير حادث شاذ في مسيرة التاريخ. لقد استفاد من مجموعة من الظروف والفرص والصدف، التي جعلت من مرافق عسكري وحامل بسيط للحقيبة الرئاسية، رئيسًا للدولة مع سلطات غير محدودة تقريبًا.

لتجنب تكرار مثل هذا السيناريو، الذي ستدفع البلاد والاجيال القادمة نتائجه لفترة طويلة، يتوجب تقوية الفصل بين السلطات ودعم استقلالية مؤسسات الدولة. كما يجب أن لا يكون من يمارس السلطة المدنية هو نفس الشخص الذي يسيطر مباشرة على السلطة العسكرية، حتى لو كانت المؤسسة العسكرية تحت القيادة العامة لرئيس الدولة. كما ينبغي إيلاء اهتمام خاص لانتداب الجنود والضباط، لضمان تكافؤ الفرص داخل المؤسسة العسكرية والولاء للدولة. يجب تدريب الجنود منذ البداية على اساس الاخلاص والولاء المطلق للجمهورية، لا للأشخاص. وتحقيقا لهذه الغاية، ينبغي أن يخضعوا بشكل خاص لتدريب مكثف على تقنيات استخدام القوة في سياق ديمقراطي، وكذلك على اساسيات النظام الديمقراطي. يجب أن نجعل من الضباط نخبا مفكرة أكثر منها قوات حاملة للسلاح حصرا، على غرار نظرائهم في المدارس العسكرية الكبرى في جميع أنحاء العالم. ولهذا الغرض يتعين إعادة النظر بشكل جذري في مضمون التكوين في الأكاديمية العسكرية لضمان محتوى فكري بنسبة 80٪ على الاقل وبدني بنسبة 20٪ على الاكثر. يجب أن يشمل الجانب الفكري التخطيط العسكري والاستراتيجيات ولكن أيضًا الجغرافيا السياسية والتاريخ والقانون والنظام السياسي الديمقراطي... اذ لا يمكن لأي كان أن يصبح ضابطا.

علاوة على ذلك، وحتى نضمن ردع جميع أولئك الذين قد تغريهم مغامرة قلب النظام، سيكون من الضروري تفكيك إرث رئيس الدولة السابق، ولا سيما الآليات والطرق التي كانت معتمدة لاستنزاف الموارد العامة والإثراء غير المشروع. و بالنظر إلى القرائن الجدية والواضحة حول تورط هذا الأخير في ممارسات مريبة، يجب تنظيم محاكمة ذات صدى بالاعتماد على ابحاث حقيقية وتحقيقات جدية بهدف تفكيك المنظومة السابقة والقطيعة مع ممارساتها المشينة. يتوجب الاستماع إلى جميع الأشخاص المتورطين والشهود، بالإضافة الى توسيع التحقيقات لتشمل جميع الذين استفادوا من هذه الممارسات أو تربحوا منها. لا ينبغي الدفع فقط بمحمد ولد عبد العزيز ككبش فداء للبلاد ككل، و أن يدفع الثمن وحده عن الجميع. المبدأ بسيط للغاية: يجب محاسبة أولئك الذين أثْرَوْ بشكل غير مشروع، إذ لا يتعلق الامر بالتشفي والانتقام ولكن بمبدأ تنفيذ القانون.

ولكي يكون هذا مثالاً في المستقبل، سيكون من الضروري الضرب بقوة، مع ضمان استرداد الأموال المنهوبة في موريتانيا والمحولة للخارج، استرجاع المنافع العامة المنهوبة، ولا سيما الممتلكات العقارية التي يجب مصادرتها، ومراجعة الاتفاقيات التي تخل بمصالح البلاد. كما يتوجب فضح الحيل التي سوق لها رئيس الدولة السابق بانه سلم البلاد لخليفته في ظروف جيدة، وأن إرثه يعتبر من الإنجازات العظيمة التي ستمكن موريتانيا من الالتحاق بركب الحداثة وربطها بمقومات العصر و أن لا ندع هذه الأكاذيب تنتشر دون ردود. دعونا نغلق بسرعة قوس زمن محمد ولد العزيز على أن نستخلص الدروس جيدا من هذه التجربة لتعزيز قدرة البلاد على مواجهة مخاطر استنساخ الممارسات الاستبدادية.
من صفحة محمد ولد المنير