الجمعة
2024/03/29
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

حذار من الهلع في مواجهة الوضعية الجديدة /محمد محمود ولد بكار

18 مايو 2020 الساعة 12 و02 دقيقة
حذار من الهلع في مواجهة الوضعية الجديدة /محمد محمود ولد بكار
محمد محمود ولد بكار
طباعة

لقد دخلت بلادنا، للأسف الشديد، مرحلة الخطر دون أن تحضّر لها وكأن اللجنة لم تكن تعرف المطلوب منها على وجه التحديد ، فالإجراءات التي تبنتها في مواجهة الجائحة لم تنطلق من رؤية علمية للجائحة ولا توزين مدرك للخطر ولم تكن تصاعدية بل كانت رخوة وتنازلية ولم تستفد كأي عمل عقلاني من أخطاء الدول التي أصيبت بنكبة بسبب التباطؤ في التعامل بجدية مع الوباء مثل: إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والتي تجاوزت نسبة الوفيات فيها 10% أو أكثر من عدد المصابين ولا من الدول التي طبقت الإجراءات بجدية حيث تراجعت نسبة الوفيات فيها من ضعيفة إلى معدومة .
لكن أسوأ خطأ قد نرتكبه أن نظل نمارس السلطة من فوق ٍعلى الناس دون وعي الخطر وترتيب الأوليات والوقوع تحت ضغط الهلع والإرباك وترك الشعب يعيش نفس الوضعية المشفرة ،فالواقع ومهما كان من أمر فعلى الشعب أن يستجيب للإجراءات التي تدعو لها الحكومة ولا يقوم بأي خرق لها، لأن الدواء الوحيد المتوفر لهذا المرض هو مزيد من تتبع الإجراءات الاحترازية، وتجنب مضاعفة الإصابات النشطة التي تتطلب إمكانيات صحية غير متوفرة للدول الكبرى التي تتجاوز قدراتها أكثر من 12000 جهاز تنفس و20 ألف مستشفى فبالأحرى موريتانيا التي لا تتوفر على 100 جهاز تنفس وأقل من 30 مستشفى .
المشكلة ليست في حجم الوفيات التلقائي. إنها في حجم الإصابات التي تتحول إلى حالة تتطلب العلاج وهي التي تفاقم الوضع عندما تتجاوز الحالة الإستيعابية للمصالح الصحية وتخلق وباء .
وهكذا يجب على الشعب أن يساهم بقوة في القضاء على هذا الوباء من خلال تطبيق جميع الإجراءات المطلوبة منه، إذا أراد أن يعود لحالته الطبيعية في وقت قصير مثل الدول التي قبلت بدفع الثمن من خلال القبول بتطبيق إجراءات العزل الصارم والبقاء في بيوتها للمدة المحددة لها من طرف حكوماتها حتى تظهر جميع الحالات و يتم تحديد خارطة الوباء، لتتمكن الدولة من التدخل بالشكل الصحيح.
إذن، لا مفر من أن يحبس الناس أنفسهم -خاصة بالنسبة للذين لا حاجة ماسة لهم خارج البيت- لمدة شهر أو اثنين حسب وضعية انتشار الوباء، فهذا هو الواجب الشرعي والوطني.
أما بالنسبة للحكومة، فيعد دخول البلد لهذه المرحلة الخطيرة دون تحضير أو استعداد، بعد قرابة ثلاثة أشهر من العمل حول نفس الموضوع، أمرا محرجا لها لكونها لم تمتلك توقعات لتفشي الوباء ولم تضع خطة له بل هي المسؤولة عن الحالة بسبب التراخي وبيانات الإطمئنان التي تذيعها والتي صارت ضد أي إجراءات حازمة أو ضد وضعية وباء ،هذه اللجنة أوصلت معلومات خاطئة للرئيس وجعلته ضمن دائرة الغياب عن الحقيقة وتوقعها ،إنها لم تعد موثوقة للقيام بنفس المهمة فلابد من إقالتها أو إدخال عناصر قوة جديدة عليها . فمن أهم القوى هي القوة العلمية وذلك بدمج المتخصصين وطلب استشارات بعض الدول التي كانت تجربتها ناجحة وسفرائها فيها .القوة الثانية غلق جميع نوافذ الفساد والقوة وإدخال القطاع الخاص في العملية .
ثم تحديد وتنظيم إمكانياتها وتطوير وتقييم الخطة الماضية وتصحيح الأخطاء . ويبقى الأمر الأهم على الإطلاق هو تغيير جو الإحباط وعدم الثقة في هذه اللجنة وذلك بأن يمتلك الرئيس زمام المبادرة ويقف في الجبهة الأمامية،لتفعيل دور اللجان وتقوية معنوياتها ورقابة عملها مما سيجعل ماكينة الدولة تعمل بأقصى جهدها وفاعليتها ويدعم الحوافز عند الجميع، فالرسول صلي الله عليه وسلم، أعظم قائد وأعظم معلم، كان يشارك أصحابه في كل عمل يحضره (بناء المسجد النبوي، حفر الخندق...)، وعمر بن الخطاب، وهو أمير المؤمنين، يحمل كيسا من الدقيق على كتفه ليوصله لمحتاجة، والرؤساء الحاليون ظلوا في الخطوط الأمامية أثناء مواجهة هذا الوباء ، فالرئيس الصيني الذي لا يريد إعادةالإنتخاب ظل في الواجهة من اليوم الأول حتى يوم تفكيك المستشفى المعد لإيواء المصابين في ووهان، وجاء للمسلمين في المسجد يطلب منهم الدعاء ، والرئيس الأمريكي وضع منصة في البيت الأبيض لمؤتمر صحفي يومي رفقة لجنة الأزمة، والرئيس التونسي ظهر وهو يحمل كيسا به دواء من شحنة دواء قادمة لتونس، ورئيس الوزراء الإبريطاني أصيب وهو يجول في الشوارع مع المواطنين، وقد ضاعف ذلك من جهود الحكومات والطواقم والمواطنين..
هذا الحضور ملهم بالأفكار وبالجدية وبالتنافس الإيجابي بين القطاعات لإظهار الفاعلية أمام الرؤساء.
ثانيا : أن التوعية والتعبئة الصحية ناقصة في الإعلام العمومي، فهي حاليا تأتي من الأفراد ووسائل التواصل الاجتماعي ولا تأتي من الدولة، لا من خطابات الرئيس ولا من توجيهات السلطة ولا من إرشادات المتخصصين ولا من إجراءات الوزارة المعنية، فنحن- مثلا- نستعمل اللثام والملحفة وهما يمثلان حلا لمشكلة الكمامة، لكن لابد من تحديد الوقت الذي يحميان فيه من منع تسرب الفيروس: أهو طول الوقت ، أو لمدة يوم أو عدة ساعات... لابد من إعطاء الناس ارشادات حول المرض، وكيفية معرفته، والتعامل معه في البيت وغير ذلك...
ثالثا : أن إجراءات العزل المطبقة حاليا واسعة من حيث الوقت والحدود، وغير صارمة، ومبنية على معلومات غير دقيقة عن حالة الوباء في البلد، وغير حازمة، ولم تعد ابدا تناسب الوضعية اليوم.
رابعا: الطواقم الطبية غير جاهزة وغير مؤهلة وغير كافية، ولا تكفي للتجاوب مع حالة الهلع، فلابد من تكوين طواقم تتعاطى مع المواطنين من خلال المتطوعين الشباب بمساعدة الممرضين.
خامسا: فرض مسافات صحية عند جميع الأماكن العمومية والتجارية. ومن ذلك خلق نقاط بيع جديدة في مساحات مفتوحة مثل أرض المطار القديم.
الإجراءات الجديدة الضرورية :
 وقف مأساة العالقين في الخارج التي بدأت تتحول لجريمة في حق مواطنين يزداد وضعهم خارج بلدهم سوءً .
 تطبيق حجر عام على امتداد التراب الوطني لمدة أسبوعين ثم تقليصه أوزيادته حسب الوضعية.
 إعادة توزيع المعونات وزيادتها بالنسبة للطبقات الهشة وبالنسبة للموظفين عموما.
 صرف رواتب هذا الشهر بعد العيد.
 فتح المجال لبيع العلف والقمح لكل من يريده ولو تطلب الأمر مضاعفة الكمية وحمله للبلديات الريفية.
 فرض عقوبات جديدة صارمة على المتسللين والمخالفين لإجراءات العزل.
 التحقيق في تهمة رشوة وتهاون الأجهزة الأمنية على المنافذ وعلى مداخل المدن التي كثر الحديث عنها والتي تتحمل جزء كبير من مسؤولية إنتشار الوباء.
 ترشيد وتوظيف كل الإمكانيات التي حصلت في التصدي لهذا الوباء .
أما بالنسبة لرجال الأعمال، فإن عليهم أن يتذكروا مواقف الصحابة الإجلاء: أبوبكر الصديق لمساعدة المسلمين قبل الهجر، وعثمان بن عفان في تجهيز جيش العسرة... لا يوجد رجل أعمال سيأكل كل ماله لوحده، بل سيتركه للورثة. فمن المهم أن يترك لنفسه حسن الثواب، ولهم حسن الذكر والصورة ،وموريتانيا لنا جميعا .