الاثنين
2024/03/18
آخر تحديث
الاثنين 18 مارس 2024

هل كسبت الحكومة رهان جائحة كورونا حتى تتطلع لتسيير ما بعد كورونا /محمد محمود ولد بكار

26 مايو 2020 الساعة 19 و26 دقيقة
هل كسبت الحكومة رهان   جائحة كورونا حتى تتطلع لتسيير (...)
محمد محمود ولد بكار
طباعة

في خطابه بمناسبة العيد راهن الرئيس غزواني على الحكومة لملمات ما بعد كورونا وكأنه يكافئها على حنكتها فى تصدّيها لوباء كورونا،ويرفض التقييم الزاخر بالفشل الذي تتلقاه من الرأي العام ، إنه بلاغ بتجديد الثقة جعلنا مضطرين لأن نتابع بانتباه نشاط هذه الحكومة مجددا ومستوى تناقض رؤية الرئيس والرأي العام لحكومته. ومع ذلك لن نهمل الاحتمال بأن الرئيس قد يدفع بمعنوياتها لمواجهة الموجة الثانية من كورونا لسبب أن الوقت عير موات لتعديلات حكومية .
 
دعونا أولا نعرف ماذا ينتظرنا بعد كورنا-

تواجه موريتانيا خلال المدة المتبقية من مأمورية ولد الغزواني أربع مشاكل حاسمة من عشرات المشاكل الجوهرية
 
مشكلة الديون حيث لم تدمج الدولة الموريتانية ضمن العشرين دولة المستفيدة من تخفيف الديون .

-مشكلة ما بعد كورونا أو الأرضية الاقتصادية المهشمة التي ستتركها آثار المعركة مع الوباء.

-تأخر إنتاج الغاز وما يترتب على ذلك من تأثير على التعهدات التي كانت ضمن برنامج غزواني المستقبلي.

-معركة محاربة الفساد في ضوء فساد العشرية الماضية الذي تتم معالجته عبر صراعات وقنوات سياسية ،سمحت بتدخل أطراف تسعى لتصفية الحسابات ، وما يترتب على تلك المعركة من إعادة فرز وتنظيم الطيف السياسي وتسيير اصطفافه، بما في ذلك معضلة تدوير المفسدين .

فهل يجوز لنا حقا الحديث عن تلك المشاكل في ضوء تقييم مجهود حكومة ولد الشيخ سيديا فى كسب رهان معضلات الوضع الحالى ومعالجته لها؟

وبشكل أدق، هل تملك هذه التشكيلة الحكومية بحق القدرة على مواجهة هذه المشاكل فيما تبقى من عهدة رئيس جاء يزف تعهدات بالنماء وما زال يتمسك بمحاربة الفساد في وقت يمثل ذلك أحد أمراض الحساسية للكثيرين من حكومته، وقد انقضت سنته الأولى بنكبات -زادت من تعقيدات الواقع المتأزم أصلا- ولم تكن في الحسبان مثل(الحرب مع الرئيس السابق وجائزة كورونا ) والأسوأ من ذلك أن معالجتها تتطلب تأجيل أولويات البرنامج أو التعهدات الانتخابية! إنها لوثة حقيقية لابد من الخروج منها وبسرعة، لكن بمن !؟. 
 
عودة لواقعنا اليومي قليلا-
على طول السنة الجارية "التي أوشكت أن تكون ماضية " لنا يحسّ المواطن العادي بأي تغيير إزاء طريقة علاجه لهمومه الحياتية اليومية التي صارت في مألوف حياته صداما يوميا مع الحياة بسبب فقدان أي قنوات أو قواعد يمكنه أن سيأكلها لتوصله لكسب قوته اليومي، أما الطبقة المتوسطة فقد ظلت تعجز بصفة دائمة عن مواءمة دخلها مع نصف ضروريات حياتها قبل أن ينقضي شهرها، فقد ظل الراتب عذابا بحد ذاته. إنها نفس العذابات تتكرر أمام معالجة نفس المشاكل بنفس الوسائل ، فلم يتبدل فى الحياة اليومية أي شيء، ليس بالنسبة للأوضاع، لكن بالنسبة لطريقة عمل مؤسسات الدولة: لا أعني تأسيس ثقة المواطن بالدولة ولا إبراز أهداف مشتركة وجمع الناس حولها، ولا تقوية عمل المؤسسات، بل لم يلاحظ أحد أنه تم وضع أي إشارة جديدة على الشارع لتنظيم المرور ، ولا أن الولوج للخدمات أو النفاذ إلى سوق العمل قد تحسن، أو أن أي معاملة لدي الإدارة أو عند مخافر الشرطة وفي حضرة القاضي أو لدى استلام الراتب وأثناء صرفه أو في البحث عن وسيلة نقل أو عند باب المستشفى قد تغيرت بفعل عمل حكومتنا التي أعطيت كل ما يلزم من صلاحيات وتلقت الأوامر بالقيام بذلك،وهاهي اليوم "تتلقى عطية العيد ". إنها نفس المشاكل التي لا تحول ولا تزول في وجه المواطن منذ بعض الوقت والتي تشكل إزالتها التعهد الأول لكل الحكومات. ومع ذلك كان الناس يبتسمون في وجه الأمل الذي رسمته تعهدات ولد الغزواني الذي جاء على أنقاض فساد ولد عبد العزيز، وليس ذلك بالضرورة من أمارات سعد الطالع.
 
ماذا فعلنا لكي نواجه كورونا-
ليس واقعيا أن ننضم للتصديق السائد بأن البلد نجح في التصدي لجائحة كورونا، وأن الإجراءات كانت مثالية، أو أنه تم إنتاج رؤية خلال محاربة الوباء ،وإن كانت هناك نية عليا تنصاع للآراء الجيدة وللتعقل ويعرقلها التصور على الأرض، وهو ما نسميه اليوم بفشل لجنة تسيير كورونا.
لقد بقيت الأخطار الكبرى التي هي : التسلل عبر الحدود، وعدم خفض الأسعار، وعدم تنظيم النقل الحضري، وعدم فرض إجراءات العزل، وضعف الكادر الطبي، وترك آلاف المواطنين عالقين في دول الجوار، وفشل مقاربة التدخل للتخفيف من أعباء جفاف السنة الماضية بتقسيم العلف كما لو أننا نوزع حبات من "المهدئات " مثل أيّ حلول تلفيقية دائما ،بقيت دون علاج . 

ليس هناك أي شيء نفتخر به سوى حماية الله لنا من هذا الوباء. ولولا حزمة الإجراءات المتعلقة بالإعانات والمساعدات التي أطلقها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وتولت المؤسسة العسكرية توزيعها، لكانت التوترات الاجتماعية والوضع الأمني والاجتماعي خارج السيطرة. فهل يمكننا، دون أي افتيات على الغيب، الحديث عن تخمين دور مستقبلي لحكومتنا هذه في ضوء حصيلة عملها الحالي؟ وهل يمكننا أن نحرز استمرار ثقة ولد الغزواني فيها لما بعد كورونا ؟.. وإذا كان الجواب بـ"نعم" فمشكلة الفشل مرتبطة بمَنْ إذن ؟
 
عود على بدء-
إنها المرة الثانية في تاريخ البلد التي يتم فيها منح الوزير الأول تفويضا بسلطات واسعة لكي يستفيد البلد من خبرته. كانت المرة الأولى سنة 2007 أثناء تعيين الزين ولد زيدان وزيرا أول بعد ما منحه الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله تفويضا مكتوبا بصلاحيات واسعة تشبه لحد كبير صلاحيات رئيس الوزراء باستثناء ترؤس مجلس الوزراء طبعا. والثانية عند تعيين المهندس إسماعيل ولد بدّه ولد الشيخ سيديا سنة 2019 من طرف الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي منحه -في خطوة مماثلة- تفويضا بصلاحيات واسعة لتسيير العمل الحكومي . لا توجد خيوط تربط الأمرين سوى التحليل. فبالنسبة للأول، كان تحت ضغط اتفاق سياسي مرتبط بتحالفات الشوط الثاني، وبالنسبة للآخر كان للبحث عن كفاءات تقوم بدورها، حيث لم ينكر ولد الغزواني حاجته الكبيرة لمن يساعده في تسيير الشأن العام (التخطيط ووضع التصورات والتنفيذ). وقد صرح بذلك النقص فى قدراته المتعلقة بذلك فى حملته الرئاسية، وكانت شجاعة كبيرة أثناء نزال سياسي حامي الوطيس ضد خصوم لدى بعضهم كفاءة مشهودة في المجال . لقد اختار واحداً من أكبر الأطر ديباجة، ومن دون أي تنسيق مع ولد عبد العزيز، ذلك ما أكده مصدر عليم وموثوق به لكي يكون ذلك قناعة صريحة بثقته به وقناعته الشخصية بخطوته .
ويعد ذلك بكل تأكيد خروجا عن عادة العسكريين الذين يحتفظون لأنفسهم بكل الصلاحيات بل ولا يرضون بشراكة فى الحكم دون أن يمتلكوا زمام القرار وقد كان ذلك مؤدى الخلاف مع سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي قاد لإطاحته بانقلاب ،.لقد أكد أحد الرؤساء العسكريين السابقين أن سبب الفشل دائما هو اختيار من يسمون أنفسهم بالكوادر ومنحهم الكثير من الصلاحيات فذلك ما تسبب في الفشل الذريع الذي يحسب على حقبة المؤسسة العسكرية. 
لقد ظلت تلك قناعة مشتركة على الأقل لدى أغلب من مر بنا من العسكريين. ومع ذلك خرج ولد الغزواني بالاستثناء من شبه الانسجام العسكري ذلك ، ليس بالنسبة لاختيار إطار حامل لشهادات مهمة، بل لتخليه عن "نرجسية العساكر أو عقدة الزعامة الملهمة "ومنحه تفويضا كاملا بقيادة العمل الحكومي ،واختيار حكومة تحمل عبر أفرادها كل المواصفات لتقود قاطرة بناء البلد.
دعونا من الذهاب بعيدا لكي نعيد وضع كل شيء في مكانه بعد عبث ولد عبد العزيز بالدولة كأهم شيء يمكنها القيام به أولا وبالضرورة ؟ لا مجال للبحث عن أي خلفية أخرى إلّا إيمان ولد الغزواني بحاجته لقوة تصور وخبرة عالية، وقد ألقى كل المسؤوليات على حكومة "تكنوقراطية" أو "حكومة كفاءات" تجوّزا على بعض الآراء الصريحة ضد ذلك . صحيح أنه قلص من مهامها بأن أنشأ برنامجا كبيرا اختزل الكثير من تعهداته الانتخابية الموجهة للفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع من خلال صهر الكثير من البرامج الاجتماعية في مؤسسة واحدة ) مفوضية تآزر التي تمشي بخطوات مدروسة وتحمل ثلث أعباء العمل الحكومي الموجه للمواطنين الضعفاء الذين يمثلون خريطة واسعة على أرض الوطن . 
ومع ذلك، بقيّ للحكومة كل البرنامج الوطني للرئيس، وكل أمور الدولة الأخرى: من سياسات اقتصادية وإصلاحات. وعكسا لسيدي ولد الشيخ عبد الله الذي قام بتقوية دور الرئاسة بخلق "رئاسة وظيفية "، وهو ما جعل الكثير من التصورات والتخطيط حينها مشتركا بين الجهاز الحكومي ومؤسسة الرئاسة، فقد أدخل غزواني إضافات في عدد موظفي الرئاسة، دون أي تعديلات كبيرة في فاعليتها لتكون أقل وظيفية إزاء المشاركة والرقابة على عمل الحكومة. وهكذا ظل العمل كله بيد الحكومة، وهكذا أصبح الحكم بالنجاح أو الفشل عليها ليس تجوَزا ولا استهدافا.
صحيح أن الحكومة والرئاسة تتقاسمان العبء نفسه ،فقد ظلت الحكومة مثل الرئاسة ثقيلة ومشوّهة ببعض الرموز، وهو ما لم يسلم منه أي شيء يدور حول غزواني، وهكذا ما تزال صورة الأنظمة السابقة حية وشاخصة لحد اليوم في الواجهة، وكأنه نظام هجين من كل الأنظمة التي مرت على البلد،مما يضعف من جهود أي أحد يريد أن يقدم شيء جديدا !.

 هل هناك من قسوة في تقييم الحكومة

كان الحُكم بعدم مواءمة الحكومة للشعارات أو التطلعات التي صاحبت ترشح غزواني جاهز منذ الأيام الأولى ومرتبط بصورة ملطخة من بعض الإخفاقات وبعض التورط فى الفساد بالنسبة لعديد من أشخاصها وبالنسبة لواجهة الدولة بصفة عامة، وقد تم تجاوز ذلك بإصرار ولد الغزواني على الحفاظ على حكومته برموزها باهتة السمعة لدى الرأي العام وضالعة في فساد عميق وفي ملفات صارخة، لكن الجميع ظل يبحث عن مخرج لولد الغزواني من تلك التعيينات وذلك الإصرار كمن يريد أن يضلل نفسه ، ومع ذلك لم يأت أحد بالتفسير أو التبرير المقنع للرأي العام . ومع الوقت أخذ المواطن يتطلع لجوانب من التغيير كمن يبحث بين رجليه عن أمر مهم قد ضيعه لكنه يترقب الحصول عليه بين الفينة والأخرى وما زال يبحث عنه مع تزايد ضعف الأمل خاصة بعدما حول ولد الغزواني إخفاقات الحكومة على نحو هادئ ومؤدب إلى نقص هنا أو هناك. ومع ذلك فقد ترك طنينا في رؤوسنا يضج بأنواع التخيلات عن شرعية هذا التقييم .
.فالأمور الأساسية التي يمكن الحكم على الحكومة من خلالها هي زيادة التوظيف وتطوير الخدمات والقيام بإصلاحات وتقريب الخدمة العمومية من المواطن وخلق حلول للمشاكل المطروحة المتعلقة بالمياه والكهرباء والدواء وبالأمان الشخصي وبتقليص مستوى الفقر بالتوترات الاجتماعية وغيرها. وعلينا قبل الشروع في تقييم ذلك أن ننصف الحكومة بأن المدة لا تكفي لتقييم موضوعي لتصحيح كل هذه الأمور دفعة واحدة، لكن كان هناك من الوقت ما يجعل الأمور تتحرك من مكانها قليلا. وهكذا لم يلاحظ المواطن أي إجراءات ولا قرارات ولا أوامر تجعل الأمور تتزحزح عن منطقة الكارثة: المكان الذي تسلمها فيه غزواني - أي الدولة - من رجليها وقد كان رأسها مصوب نحو الأسفل ،وكان كل ما عليه فعله أو تكليف حكومته به أن يعيدها لإعادة التوازن الأمر الذي لم يحدث قطعا.
وبعيدا عن أي تحامل، لم يتمكن ولد الغزواني من تحديد من أين يبدأ حيث وجد كل شيء وقد اختلط في رأس هذه الدولة.
لن نذهب بعيدا عندما نسعى للتأكد من أن الحكومة لم تستطع إفادته بكبير شيء من قبيل تنظيم الحالة التي وجدت بها الدولة، بل يكفي إجراء اختبار على أي قطاع من القطاعات الحكومية لنرى نتيجة ذلك ساطعة أمامنا . ولا أعتقد أن علامة التجاوز ستتوفر لدى أي قطاع، ومع ذلك يسعون -على نحو تعد مخالفته مكابرة- لمنح وزير الصحة ووزير التجارة علامة ما ، فوق الصفر. 
لم يكن هناك أي شيء ينقص هذه الحكومة من أن تكون فاعلة، فقد كانت حكومة شابة وتكنوقراطية حسب الشهادات والتكوين، وحتى أن الشيوخ ضمن هذه الحكومة كانوا يتصرفون بحيوية الشباب خلال الاستعاراضات التي يقومون (أو يقومان!) بها أمام الكاميرات إظهارا للفاعلية. ومع ذلك ظل العزل ضعيفا والتسلل الذي يشرف عليه قطاعهما مستمرا. إن التجربة الصغيرة مع هذه الحكومة تفيد بأنها غير قادرة على رفع شعار "تعهداتي" بعيدا عن المشاكل التي فرضت نفسها على سنة ولد الغزواني الأولى، لكن في أي أفق أو تصور سيغير ولد الغزواني رأيه لعدم تضييع كل الفرص؟ وكيف لا يقع في تكرار نفس خطأ الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي حينما فشلت حكومة "الشباب التكنوقراطية" جاء بحكومة "ثقيلة " بحث عن الأوزان السياسية والخبرة الإدارية وكانت النتيجة أسوأ من الأولى لأن كل تلك الخبرة نمت في كنف نظام المحسوبية والفساد والغش؟. فكيف يمكن أن يدرك ولد الغزواني فشل تلك التجارب؟ أو من هو يا ترى فريق التفكير الحقيقي لولد الغزواني من خارج الدائرة "الموبوءة" ليجنبه ضياع رحيق شعاراته "تعهداتي " لأن المشكلة ليست لأن سنة مرت خارج البرنامج بل لأن تداعيات أحداثها العميقة والرهانات التي جاءت بها خارج الاحتمالات والتصورات التي كانت مطروحة من طرف غزواني أثناء وضعه برنامجه السياسي وتعيين حكومته، ستخلق مشاكل أخرى وبرنامج جديد ومختلف لولد الغزواني في خضم جو من مشاكل وتيارات متشاكسة ) من أصدقاء اليوم الذين ينمّون فرص قوتهم فى أحضانه ليشهروها في وجه أي عمل وطني جاد غدا، في حين أن هناك من يدعم وينتظر بصفة دائمة فرص فشله لينقض على الدولة.. فهل إلى خلاص من سبيل !