الأربعاء
2024/04/24
آخر تحديث
الأربعاء 24 أبريل 2024

كيف حافظت موريتانيا على مسافة من الإرهاب؟

18 يونيو 2020 الساعة 06 و30 دقيقة
كيف حافظت موريتانيا على مسافة من الإرهاب؟
طباعة

ترجمة العلم - أصدر المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية تقريرا مطولا عن الإرهاب في الساحل وكيف تمكنت موريتانيا من تجنب ويلاته.
صحيفة العلم قامت بترجمة الفصول الأولى من التقرير الذي يمكن الرجوع إليه في نسخته الأصلية في موقع المركز.
جاء في التقرير ان الإصلاحات في مجال الأمن الموريتاني، بما فيها التكوين والتأهب القوي وتنظيم القوة الخاصة واقتناء المعدات المتطورة والتزام المجتمع بالحيطة، زادت قدرات البلاد على مواجهة المجموعات المتطرفة العنيفة.
ويعتبر الإرهاب أهم تحديات السلام والأمن في الساحل، وقد برهنت المجموعات المسلحة على قدرتها على المقاومة بالرغم من هزيمتها في شمال مالي سنة 2013 بعيد عملية سرفال التي قادتها فرنسا (أصبحت اليوم تدعى برخان). وقد ازدادت المجموعات المتطرفة من حيث أعداد المنتسبين ومن حيث القدرة على الإيذاء، وهي تتركز حاليا في وسط مالي وشمال شرق بوركينافاسو وغرب النيجر.
ومن الملاحظ أن موريتانيا غائبة تماما عن هذه الخريطة. وإن تاريخ تحول موريتانيا من الخيط الأضعف في هذه السلسلة إلى الخيط الأكثر سماكة وقوة جدير بالاهتمام. فموريتانيا كانت أول بلد في منطقة الساحل يتعرض لهجمات إرهابية سنة 2005. غير أنها، في سنة 2011، تحاشت التهديد المتنامي والمتنوع للمجموعات الإسلامية المسلحة. وتجب الإشارة إلى أن السلطات تمكنت من بسط نفوذها وسيطرتها على المناطق الحدودية التي كثيرا ما استغلها السلفيون لصالحهم.
وكانت الجماعة السلفية للدعوة والقتال (المكونة من جزائريين بالأساس) قد هاجمت حامية لمغيطي في موريتانيا يوم 4 يونيو 2005 فقتلت 15 جنديا. ومن حينها أصبحت موريتانيا بؤرة لتفاقم الهجمات الإرهابية والمكان المفضل لاختطاف الرعايا الغربيين. وكانت موريتانيا في تلك الفترة الهدف السهل لجماعة الدعوة والقتال حيث تدخل وتخرج وتكتتب العناصر الجديدة، وكانت البلاد مهيأة لذلك بسبب فقرها وسياساتها الهشة وضعف الاستعداد العسكري والتوترات العرقية وغياب الأمن الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة مع وجود عدد كبير من المؤدلجين الدينيين المتطرفين ووكلاء قادة في التنظيمات الإرهابية الدولية. لقد كانت تحت تأثير جماعة الدعوة والقتال التي تحولت سنة 2007 إلى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. والحقيقة أن الموريتانيين يمثلون المصدر الثاني لفقهاء القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بعد الجزائريين. وقد فاضت كأس الإرهاب في موريتانيا بعد هجوم تورين سنة 2008 حيث اختطف 12 جنديا قبل التمثيل بجثثهم.
هذه المذبحة الفظيعة أيقظت الذكريات المرة لحرب الصحراء (1975-1978) عندما أهان محاربو البوليساريو، بدعم من الجزائر، الجيش الموريتاني الضعيف وغير المجهز لدرجة جعلت سيادة البلاد مهددة. وبعد ثلاثة عقود من ذلك تمكنت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من كشف هشاشة القوات المسلحة الموريتانية. ما حدا بموريتانيا إلى ضخ استثمارات كبيرة جدا في عصرنة الجيش.
إن إكراهات الحرب غير المتكافئة في الصحاري لا تتطلب اقتناء أسلحة متطورة بأثمان باهظة وبصيانة مكلفة، لكنها تتطلب إصلاحات بنيوية داخل الجيش وبرنامج عصرنة منسجم مع الحقائق الجديدة للحرب غير التقليدية. ذلك ما توصل إليه الاستراتيجيون الموريتانيون.
وهكذا، فإن مذبحة تورين دقت ناقوس الخطر في قيادات الجيش الموريتاني لأنها أسفرت عن جنود لا يحصلون على رواتب مقبولة وغير مسلحين تسليحا كافيا ويعانون من انخفاض المعنويات.
لذلك استغل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ووزير الدفاع محمد ولد الغزواني (الرئيس الحالي) الظرف الاقتصادي المواتي، بسبب الاكتشافات المعدنية، فأطلقا عملية إصلاحية داخل المؤسسة العسكرية كانت الأولى من نوعها في تاريخ موريتانيا.
وبدأت إعادة التأسيس العسكري بتحسين البنية التحتية والقدرات القتالية وظروف عيش الجنود. فتحسن مستوى التغذية داخل الثكنات والوحدات ومنح الجنود بذلات جديدة وتمت زيادة تعويضاتهم المادية بشكل معتبر. وعلى مستوى آخر، بدأ مسلسل العصرنة العسكرية بزيادة الميزانية المخصصة للجيش واقتناء أسلحة جديدة وإنشاء قوى خاصة. وإضافة إلى الميزانية العسكرية التي تضاعفت أربع مرات ما بين 2008 و2018، لتصل 160 مليون دولار، فإن خيارا استراتيجيا كان لا غنى عنه: فبدلا من شراء تجهيزات عسكرية باهظة الثمن، اختارت موريتانيا القيام بإصلاح هيكلي واقتناء تجهيزات ملائمة لحاجياتها. فمن أجل تعزيز القوة الجوية، اختارت السلطات الموريتانية طائرات عسكرية خفيفة من صنع ابرازيلي ومن طراز EMB314 سوبر تيكانو مصنوعة أصلا للطيران في حرارة مرتفعة وفي أجواء مضطربة مثل المناخ والتضاريس الموريتانية. كما اقتنت سيارات رباعية الدفع قادرة على العمل في المناخ الصحراوي لتعزيز قدرات العمل العسكري البري. كما استثمرت موريتانيا في التعليم العسكري الذي ظل غير مجد لسنوات طويلة فأصبحت المدارس العسكرية قادرة على إنتاج ضباط وقادة بإمكانهم مواجهة التهديدات المحتملة. وقامت أيضا بشراكات عديدة ثنائية ومتعددة الأطراف بغية تعزيز التعليم والتكوين العسكري. علاوة على ذلك، منحتها فرنسا دعما في مجال أساليب القرار العسكري خلال العمليات وتقنيات الكوماندوز كما حصلت على عون أمريكي مهم في مجال مكافحة الإرهاب.
لقد تطلب نجاح مكافحة الإهاب في موريتانيا تحولا في البنية التحتية العسكرية الموريتانية التي كانت بطيئة ومربوطة بتكتيكات متقادمة ومتجاوزة. وهكذا أنشأت موريتانيا 8 مجموعات خاصة للتدخل السريع ووحدات صغيرة مهيأة للحركة والتنفيذ بأسرع وقت. واعتمدت استراتيجية عمادها أن تكون الوحدة مكونة من 200 عنصر خدموا سويا لعدة سنوات وبالتالي يتم التآلف والتفاهم. ونجحت موريتانيا في جعل الوحدات مجهزة تجهيزا تاما من حيث المعدات والسيارات والمحروقات والماء والمؤونة لكي تقوم بعمليات ضد الإرهاب بشكل مستقل ولعدة أيام في الصحاري.

Afficher plus