الخميس
2024/04/25
آخر تحديث
الخميس 25 أبريل 2024

عن وصاية قطاع الشؤون الإسلامية على بعض مؤسسات التعليم العالي في موريتانيا / د. أحمدَ ولد نافع

30 يونيو 2020 الساعة 11 و22 دقيقة
عن وصاية قطاع الشؤون الإسلامية  على بعض مؤسسات التعليم (…)
د. أحمدَ ولد نافع
طباعة

يعتبر قطاع الشؤون الإسلامية في موريتانيا أحد القطاعات الرائدة المكلفة بحماية الهوية الدينية و الحضارية للمجتمع الموريتاني استمرارا لدوره الرسالي في نشر العلوم و المعارف الإسلامية التي نبغ فيها علماء و فقهاء بلادنا عبر العصور وكانوا هم العنوان الأبرز لذلك حفظا و فهما و رواية و دراية .

و لهذا فمن الطبيعي أن توكل له مهمة العمل علي ترقية التعليم العالي الأصلي و دعم البحث العلمي والإشعاع الدعوي للبلاد من خلال تطوير وإنشاء الجامعات و المعاهد العليا .

و لتمكينه من ذلك مكّنه المشرّع من الوصاية على بعض مؤسسات التعليم العالي ( مثل المعهد العالي للبحوث و الدراسات الإسلامية ، و جامعة العلوم الإسلامية بالعيون ..الخ).

و قد نجح في المهمة بجدارة و اقتدار ، منذ تأسيس المعهد العالي للدراسات و البحوث الإسلامية في سنة 1979 م و تمكّن من تأمين احتياجات البلاد من الأساتذة و القضاة و غيرهم خلال عقود من الزمن ، و تجاوزت مخرجاته حدود البلاد إلى البلدان الشقيقة و الصديقة ، و لا يزال عطاؤه مستمرا حتى الآن.

و كذلك جامعة العلوم الإسلامية بالعيون التي تأسست منذ سنة 2011 م ، كأول جامعة إسلامية وطنية في تاريخ موريتانيا الحديث منذ الاستقلال ، و يأتي إنشاؤها استجابة ملحة للحاجة الماسة إلى وجود جامعة متخصصة في منح شهادات عليا في مجال العلوم الإسلامية و العربية وما يتصل بهما ، بعد أن كان أبناؤنا يلجأون – حتى وقت قريب - إلى جامعات في دول الجوار من أجل الغاية ذاتها ، في الوقت الذي تنفرد فيه موريتانيا تاريخيا بحيازة المحظرة التي هي جامعة بدوية فريدة من نوعها ابتكرها أهل هذه الأرض في فيافيهم و صحاريهم و اتخذوا من ظهور عيسهم مدرسة بها يبين دين الله تبيانا كما قال العلامة الشيخ المختار بن بونه رحمه الله.

و منذ تأسيسها من أول يوم فإن جامعة العلوم الإسلامية بالعيون ، مثلا لاحصرا، انتهجت أحدث الأنظمة العالمية في مجال التعليم العالي ( نظام الليسانس – الماستر – الدكتوراه ) و طبقت معايير ذلك النظام شبرا بشبر و ذراعا بذراع ، حتى أنها حازت قصب السبق وطنيا بشهادة الخبراء المحايدين على احترام الضوابط و المواصفات التربوية المطلوبة و استصحبت الجدية و الصرامة العلمية و تميزت بذلك رغم الصعوبات و العراقيل الكثيرة و المتنوعة التي من الطبيعي أن تواجه أي مشروع جديد ، و تمكنت الجامعة - مع ذلك - من تخريج جيل من الخريجين الشباب في مختلف التخصصات يتساوقون مع حاجة السوق الوطني من الكوادر البشرية المؤهلة و المكونة تكوينا جامعيا حديثا ( الدفعة الثامنة تتخرج هذا العام 2020 م).

و الدليل على ذلك أن خريجي الجامعة لم يجدوا أي إشكال في متابعة دراساتهم العليا في الجامعات التي واصلوا أو يواصلون فيها تحصيلهم الجامعي ، ما يعني أن إعدادهم تم وفقا لأحدث الطرق و الآليات المطلوبة عالميا .

بل أكثر من ذلك فإن كثيرا من هؤلاء تفوقوا على نظرائهم من الدول الشقيقة و الصديقة ، وأظهروا قدرات استيعابية مميزة في امتلاك ناصية البحث العلمي و أدواته و أساليبه ، ما أثبت أن تكوينهم الأساسي كان قد أنجز على أكمل وجه !

كما أن الجامعة أثبتت صدقية فرضية لامركزية التعليم العالي ، و أهمية خلق أقطاب معرفية تعزز التنمية الجهوية في البلاد ، ما يؤشر إلى أن الجامعة بحق هي مشروع استراتيجي هام للبلاد يمكن الرهان عليه في زيادة إشعاع البلاد و استمرار دورها في دول افريقيا جنوبي الصحراء و العالم بأسره !

و زادت الجامعة من حضورها المطلوب في المؤسسات العربية و الإسلامية المماثلة ، و هي أول جامعة موريتانية تحظي بعضوية المكتب التنفيذي لاتجاد الجامعات العربية ، وعضوية اتحاد الجامعات الإسلامية رغم حداثة تأسيسها كما تمت الإشارة.

إن الإنجازات الكبيرة التي حققتها الجامعة تمت بفضل الله سبحانه و تعالى أولا ، ثم بدعم و رعاية قطاع الوصاية ( وزارة الشؤون الإسلامية و التعليم الأصلي) ، و هو ما يثبت أن هذه الوصاية كانت مفيدة من الناحية العملية و أسهمت إلى حد كبير في تشجيع الجامعة الوليدة على البقاء و النهوض بها و دفعها إلى المزيد من النتائج المهمة تحقيقا لأهدافها التي أنشئت من أجلها .

كما أن تجارب الوصاية في بعض الدول كمصر و المغرب و تونس تثبت أن بلدنا ليس بدعا في جعل وصاية قطاع الشؤون الإسلامية على بعض مؤسسات التعليم العالي .

و العبرة كما هو معروف بالخواتيم و المآلات ، و هي قطعا بحسب شهادة الجميع تثبت أنها في حالة بلادنا كانت وصاية إيجابية وليست سلبية ، وهذا أقل درجات الإنصاف في الحكم عليها .

صحيح أن طموحنا كبير و له شرعيته لأنه بحجم الوطن ، و الجامعات بطبيعتها تحتاج إلى من يقدرها حق قدرها اعترافا بالنتائج المهمة التي تحققها و تلافيا للسلبيات و النواقص وهي أمر طبيعي فالكمال لله وحده و العمل البشري من شأنه القصور مهما حاول إظهار خلاف ذلك! .

أما تثبيط الهمم و التيئيس و التشكيك في النوايا و التشاؤم المطلق فإنه لا يضر إلا أصحابه من الذين لا يعملون و يزعجهم إن عمل غيرهم .

فالتحية ، كل التحية ، لمن يعملون في صمت و ثقة ويجتهدون و لا يدخرون جهدا . و لا عزاء للكسالى و العاجزين.
[email protected]

باحث و أستاذ جامعي - مؤسس المرصد الإفريقي العربي لقضايا التنمية و الإرهاب