الأربعاء
2024/04/24
آخر تحديث
الأربعاء 24 أبريل 2024

تحت حد السكين.. / الشيخ نوح

5 مارس 2019 الساعة 10 و43 دقيقة
تحت حد السكين.. / الشيخ نوح
طباعة

في ظل هذه التجاذبات السياسية والحملات الانتخابية السابقة لأوانها، تسيطر على الجدل مواضيع تقليدية؛ كالأمن والحفاظ على الإنجازات والوفاء للماضي القريب، بعد أن اقتصر الصراع بين القوى اليمينية في المجتمع وبالتحديد بين أجنحة السلطة القائمة.
لم نسمع حتى الآن خطابات تلمس الجراح النازفة للمجتمع مثل أزمة الاقتصاد وتدني الأجور وصعوبة الظروف المعيشية، ومعالجة الاختلالات الاقتصادية الكبرى والتي نتجت عن معاناة تاريخية واستعباد لقطاعات واسعة من الشعب الموريتاني، ظلت مقصية من دوائ الفعل والتأثير، وظل النسق السياسي والاجتماعي والديني يتمالأ من أجل إبقائها في وضعيتها المزرية ،وهي التي تمثل نصف الشعب الموريتاني، فكيف يمكن لبلد أن ينهض دون إشراك نصف كامل منه في تنميته؟
صحيح أن النضال خلال العقود الثلاثة الماضية استطاع أن يجعل من قضية العدالة الاجتماعية أو قضية لحراطين لنكون أكثر تحديدا؛ في مقدمة البرامج السياسية للأحزاب و للحكومة والمنظمات كخطاب، إلا أن ذلك الخطاب بقي مجرد خطاب دون أن تعضده إجراءات عملية وتطبيقية تعطيه مستوى ما من المصداقية.
حينما تقدم الجنرال محمد ولد عبد العزيز للترشح للرئاسة قدم نفسه على أنه مرشح الفقراء، وهو اللقب الذي أصبح يغضبه فيما بعد، وإن كانت سياسته أدت إلى تفقير أكثر للطبقات الفقيرة أصلا، وإلى تركيز الثروة في يد بورجوازية جديدة لم يكن من ضمنها بالطبع الفقراء الراسخون في الفقر “لحراطين”، بل ضرب قطاعات صغيرة كانت تؤمن مستوى من العيش غير الكريم لهذه الطبقات المهمشة والمهشمة، وأطلق يد الحرس من أجل مطاردة بائعات الملاحف على الطرق والباعة المتجولين، وكلهم ينحدرون من المهمشين تاريخيا.
تناقض واضح بين السياسة المعلنة والخطاب الرئج وبين الإجراءات التطبيقية على أرض الواقع. أما بالنسبة لخطاب غزواني فلم يجرؤ حتى على ذكر هذه الطبقات ولا التوقف عند مأساتها ولو مجاملة، بل فضل المرور عليها وعلى جراحها دون اهتمام؛ فاكتفى بإشارة مبهمة حول “تمييز” ما، ولا ندري هل هو تمييز إيجابي أو تمييز آخر بمعنى الإيغال في التمييز المؤصل له أصلا ضد هؤلاء الذين لم يجرؤ على ذكرهم..
لقد تراجع الخطاب السياسي، وأصبح الجدل هو هل سيعتمد الحزب الحاكم ترشيح غزواني أن لديه ما يخبئه حتى الآن، وماذا لدى غزواني ليعد به السياسيين الذين ينجرفون خلفه طمعا في مناصب وامتيازات، ليبقى الأمل الوحيد معقودا على الشباب المنحدرين من الطبقات المهمشة والفقيرة في النهوض بنفسها؛ والانتباه للتحولات الكبيرة التي يعيشها البلد، وهي تحولات بالفعل خطيرة ولا أحد يمكنه أن يتكهن بنتائجها ومآلاتها الكارثية، فقد وصل الناس إلى مستوى من الإحباط والشعور بالخواء والعدمية بحيث لم يعد بالإمكان دغدغة مشاعرهم بكلمات من قبيل الوحدة الوطنية والأمن والأوضاع التي ستتحسن حين يجيء الغاز.
كأن هؤلاء يقولون للضعفاء والمظلومين والمهمشين عليكم أن تعانوا من جديد لنصف قرن قادم.
لا المعارضة، ولا الموالاة، ولا ما بينهما أصبح يحمل هم الهامش وأوجاع الأرصفة، فقط على الجريح ان يضمد جرحه بنفسه:
لا يمين يجيرنا أويسار.
تحت حد السكين نحن سواء..
قراءة في خطاب وإعلان ترشح غزواني للكاتب والمدون محمد الأمين ولد الفاظل
تقدمتُ في مقال نشرته ساعات قبل حفل إعلان ترشح غزواني بوضع مقاييس ومعايير محددة، وقلتُ بأن مستوى ظهور تلك المقاييس والمعايير سيساعدنا في حسم الجدل الدائر حول طبيعة ترشح أو ترشيح غزواني، فهل سيكون غزواني مرشح "استمرار النهج"، أم أنه سيكون أقرب إلى المترشح المستقل؟
لقد توقعت في المقال المذكور أن تكون مدة الخطاب ربع ساعة، وقد كانت 12 دقيقة تقريبا، يعني زيادة بثلاث دقائق. هذا عن مدة الخطاب أما عن مضمونه فيمكن القول بأن الخطاب كان أقرب لخطاب مترشح مستقل منه لخطاب مرشح "استمرار النهج"، ولتبيان ذلك فدعونا نتوقف مع الخطاب ومع حفل إعلان الترشح من خلال العناوين الفرعية التالية:
أين حزب الاتحاد من أجل الجمهورية؟
لقد أعطت بطاقة دعوة الحفل إشارة إيجابية عن إمكانية خروج المترشح غزواني عن نص مسرحية "استمرار النهج"، ففي البطاقة التي ظهرت عليها ألوان علم الاستقلال غاب الحزب والنظام والأغلبية الداعمة، وتم تصميم البطاقة وصياغة مضمونها على أساس أنها دعوة شخصية من المترشح . هذا الظهور الشخصي الطاغي في بطاقة الدعوة تكرر أيضا في حفل إعلان الترشح حيث جاء المترشح وحيدا، وصعد إلى المنصة وحيدا، وتحدث في خطابه بضمير المتكلم، فلم يتحدث عن نظام، ولا عن حزب حاكم، ولا عن أغلبية، وغابت تماما عن خطابه كلمات ومصطلحات من قبيل "الاستمرارية" و"مواصلة النهج".
وقد كان اختيار يوم 1 مارس كموعد للحفل، ضربة موجعة أخرى للحزب الحاكم (سابقا)، فموعد الحفل سبق مؤتمر الحزب بساعات قليلة، وحرم بالتالي الحزب المنتهي الصلاحية من أن يكون ـ على الأقل و من الناحية الشكلية ـ هو صاحب السبق في إعلان ترشح غزواني.
الإشارات الإيجابية التي بعث بها التغييب الكامل للحزب الحاكم لا تتوقف هنا، بل إنها تمتد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية ولهذا أعطيته صفة (السابق)، ولعلكم تذكرون في هذا المجال خطاب الرئيس ولد عبد العزيز في الحملة الانتخابية الماضية، حيث كان يقول بأن المأمورية الثالثة تعني التصويت بكثافة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وبأن استمرار النهج سيكون من خلال هذا الحزب. ولعلكم تذكرون أيضا بأن من أهم السيناريوهات التي تصورها البعض عن إمكانية بقاء ولد عبد العزيز في السلطة من بعد خروجه من القصر ستكون من خلال بوابة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية. الآن هل فهمتم ماذا يعني الغياب الكامل لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية عن حفل افتتاح إعلان ترشح غزواني؟
سقوط شعار الرئيس المؤسس
لقد كانت الفقرة الأولى من خطاب المترشح غزواني فقرة لافتة، وفيها الكثير من الإنصاف للرؤساء السابقين، ولقد أوضح المترشح في هذه الفقرة وبلغة سياسية صريحة وفصيحة بأن موريتانيا لم تولد في فجر السادس من أغسطس من العام 2008، وبأنه لا معنى للحديث عن رئيس مؤسس، وقد جاء في الفقرة :" ما يجب الاعتراف به، هو أن كل واحد منهم (أي الرؤساء) وضع لبنة ما، بحجم ما، لتشييد هذا الصرح الذي لا ينتهي العمل فيه".
عن أبرز الحاضرين من القصر الرئاسي
لقد حضرت السيدة الأولى والحرس الرئاسي و غاب الرئيس، فماذا يعني ذلك؟
إن حضور السيدة الأولى التي تقول بعض التسريبات بأنها تقف ضد ترشيح غزواني، وحضور عناصر من الحرس الرئاسي الذي يُقال بأنه خارج سيطرة قائد الجيوش ووزير الدفاع. إن ذلك الحضور كان له دلالته الإيجابية، وكان في صالح المترشح، حتى وإن كان حضور الحرس الرئاسي لحفل مرشح رئاسي قد لا يعطي انطباعا جيدا عن حياد الدولة، والتي لم يظهر لها تدخلا صارخا في الحفل إلا من خلال الحضور الكبير للحرس الرئاسي. أما فيما يخص غياب الرئيس ولد عبد العزيز عن الحفل فهو غياب لصالح المترشح، وذلك لأنه سيساهم في إظهار غزواني كمترشح مستقل من خارج عباءة النظام.
وقبل أن اختم هذا العنوان الفرعي لابد من القول بأن ترحيب المترشح غزواني بالسيدة الأولى كمواطنة، وتخصيص فقرة قصيرة من خطابه للحديث عن إنجازات ولد عبد العزيز، بأن كل ذلك كان لابد منه، من الناحية الأخلاقية والسياسية، وبأنه في المجمل يمثل أقل ما كان متوقعا من مترشح مثل غزواني، وهو بالتالي لا يشوش على صفة مترشح مستقل.
عن أبرز الغائبين
لاشك أن غياب رئيس البرلمان الذي يوجد الآن في بوادي تيرس سيطرح أكثر من سؤال، فلماذا تغيب رئيس البرلمان الذي كان قد اعترض على مبادرة النواب للتمديد؟ فهل كان وقوفه ضد التمديد قد جاء نتيجة لطمع في الترشيح للرئاسة؟ ولماذا رحب بترشيح غزواني من خلال تغريدة وغاب في الوقت نفسه عن حفل إعلان الترشح؟
غاب أيضا النائب ولد خرشي صاحب مبادرة التمديد، فهل يعني غيابه بأن هناك مقربين من الرئيس ما زالوا يرفضون ترشيح غزواني؟ وهل هم يفكرون الآن في ترشيح شخص آخر أو دعم مترشح آخر؟
هذه الأسئلة الأخيرة تجعلنا نذكر أيضا بغياب ولد محمد لغظف، والذي كان تم إرساله في مهمة في مصر وعلى حساب الدولة، وفي وقت متزامن مع موعد حفل إعلان الترشح.
فلماذا تم إرسال ولد محمد لغظفإلى مصر في مثل هذا الوقت بالذات؟ ومتى سيحسم ولد محمد لغظف تردده بين الترشح وعدم الترشح؟
الراجح أن ورقة ترشيح ولد محمد لغظف هي بيد النظام، وهو يحتفظ بها في انتظار معرفة مرشح المعارضة، فإن رشحت المعارضة شخصا قادرا على جر غزواني للشوط الثاني تم ترشيح ولد محمد لغظف لضمان نجاح غزواني في الشوط الثاني، وإن رشحت المعارضة شخصا غير منافس تم إلغاء فكرة ترشيح ولد محمد لغظف.
يبقى أن أقول بأن جهات في النظام غير راضية عن ترشيح غزواني، وأصبحت اليوم أكثر عدم رضا من بعد الخطاب وإعلان الترشح، إن تلك الجهات قد تدفع في الأخير بترشيح ولد محمد لغظف وإلا فإنها ستدعم مرشح المعارضة إن كان ذلك المرشح هو سيدي محمد ولد بوبكر.
هل سيكون الابن البار بوالدته بارا بالوالدة الكبيرة موريتانيا؟
لقد كان مشهد حضور والدة المترشح لحفل إعلان الترشح من المشاهد اللافتة في الحفل، ولقد شكل ذلك الحضور بصمة شخصية تميز بها هذا المترشح عن غيره، ولا شك أن لتلك البصمة رمزية خاصة. وإذا ما ربطنا ظهور والدة المترشح في الحفل بحديث المترشح في خطابه عن تربيته وعن تكوينه، وعن قوله بأنه ليس الأفضل، وأن للعهد عنده معناه. إذا ما ربطنا بين كل تلك الأمور ذات الصلة بالقيم، فهل سيعني ذلك بأن هناك رسالة ما أراد المترشح أن يرسلها من خلال إحضار والدته وحديثه عن التربية والتكوين؟
الاحتفاء باليوم العربي للغة العربية
أن يسبق موعد إعلان ترشح غزواني مؤتمر الحزب الحاكم (سابقا) بيوم واحد فذلك قد يكون أمرا مقصودا، ولكن أن يتزامن موعد إعلان الترشح مع اليوم العربي للاحتفاء باللغة العربية، فذلك أمر غير مخطط له، وإنما جاء صدفة، ولكن ذلك لن يمنع من القول بأنها كانت صدفة جميلة، أي أن يتحدث غزواني بلغة عربية فصيحة وأنيقة في يوم الاحتفاء باللغة العربية، وفي بلد اشتهر رؤساؤه ـ رئيسا بعد رئيس ـ بالحديث أمام الشعب باللغة الفرنسية، وفي أحسن الأحوال بلغة عربية "مكسرة".
وغاب تخوين المعارضة وشيطنتها
لم يتحدث المترشح عن المعارضة بسوء، وغابت عبارات الشيطنة والتخوين عن الخطاب، بل على العكس من ذلك فقد ختم المترشح خطابه بإرسال رسالة إيجابية لكل الطيف السياسي، وقد تم صياغة تلك الرسالة بلغة قوية وأنيقة، فقد قال المترشح في ختام خطابه: " وسيجد الجميع مني آذانا صاغية وعقلا منفتحا وصدرا رحبا في التعاطي مع كل فكرة بناءة ورأي رصين. بكم يكتمل النجاح وكلكم يستطيع المشاركة من موقعه".
اهتزاز الصورة النمطية
من الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها المعارضة خلال العقد الماضي هو أنها رسمت صورة نمطية لولد العزيز مفادها أن الرجل غير متعلم وأنه سطحي، وعلى ذلك الأساس تعاملت معه، وذلك من قبل أن تكشف لها الوقائع بأن الرجل داهية في مكائد الحكم، وبأنه قادر على خداع خصومه السياسيين والمكر بهم واحدا بعج واحد. هناك صورة أخرى يحاول البعض أن يرسمها لغزواني وهي أنه رجل ضعيف، بل وفي منتهى الضعف، وبأنه ربما يكون من الزاهدين في السلطة.
إن تفاصيل حفل إعلان الترشح وخطاب الترشح أظهرا بأن المترشح غزواني ليس بذلك الرجل الضعيف، ولا هو بتلك الصورة النمطية التي رُسمت عنه في أذهان الكثيرين.
الحذر مطلوب
لا يمكن الحكم على المترشح غزواني بخطابه الجيد ولا ببعض اللقطات الجميلة التي شاهدناها في الحفل، خاصة وأننا لا زلنا نتذكر جميعا خطاب ولد عبد العزيز خلال تنصيبه في العام 2009، والذي قال فيه : " لن أبيعكم الأوهام، ولن أتعهد أمامكم إلا بما سأنجز، وباستطاعتي أن أنجز، لقد انتهى عهد الضحك على الشعب وبيعه الأوهام، لقد انتهى زمن البرامج الانتخابية الزائفة الكاذبة الخداعة، أيها الجمهور العزيز أكررها، ما يميز برنامجي الانتخابي عن غيره هو الصدق". كما أننا لا زلنا نتذكر صور ولد عبد العزيز مع بعض كبار السن من الفقراء. لأننا لا زلنا نتذكر كل ذلك، فنحن لا نستطيع أن نتعامل ببراءة مع الخطاب الجيد لغزواني ولا مع اللقطات الجميلة التي شاهدناها في حفل إعلان الترشح. إن الحذر مطلوب، ولكن الحذر لن يمنع من القول بأن الحفل والخطاب كانا في صالح المترشح غزواني، وبأنهما قد جاءا فوق المتوقع أو المتخيل.
ختاما
لقد كان خطاب إعلان الترشح وتفاصيل الحفل في صالح المترشح غزواني، لا خلاف على ذلك، وتلك حقيقة تفرض علينا طرح السؤال التالي: هل من الأفضل لنا كطامحين ومتعطشين إلى التغيير أن نترك المترشح غزواني، إذا ما كان يريد حقا الإصلاح، أن نتركه فريسة بين يدي طبقة من النفعيين والانتهازيين، والذين تعودوا دائما على الالتفاف على الرؤساء والانحراف بهم إلى مسارات مضرة الوطن؟
لا يعني طرح هذا السؤال تزكية لفكرة مرشح "الإجماع الوطني"، ففي الديمقراطيات الجادة لا وجود لمرشح إجماع، ولابد في تلك الديمقراطيات من منافسة قوية عند أي استحقاق، وهنا يكون على المعارضة أن تدفع بمرشح قوي، ولا أرى لذلك من سبيل إلا بالأخذ بفكرة "القادة المتحدون"، أو بالالتفاف خلف المترشح سيدي محمد ولد بوبكر، والذي سيبقى هو الخيار الأنسب للمعارضة في ظل وضعيتها الحالية، وفي ظل وجود المترشح غزواني الذي من الراجح بأن خطابة وطريقة إعلانه للترشح سيجعلانه يخسر جمهورا في فسطاط الموالاة ويكسب بدلا منه جمهورا في فسطاطي المعارضة والأغلبية الصامتة من الشعب الموريتاني.
حفظ الله موريتانيا..