الجمعة
2024/04/19
آخر تحديث
الجمعة 19 أبريل 2024

اللقاء التشاوري السني الأصلي.. والصيني / علي شندب

9 سبتمبر 2020 الساعة 05 و52 دقيقة
اللقاء التشاوري السني الأصلي.. والصيني / علي شندب
علي شندب
طباعة

عندما أعلن سعد الحريري عدم ترشحه لرئاسة الحكومة، كبديل عن حسان دياب وحكومته المستقيلة تحت ضغط انفجار بيروت الهيروشيمي وعصف أشلاءه. ساد انطباع أن الحريري شمّر عن ساعديه بهدف إنقاذ رئاسة الحكومة من المهانة التي بلغتها. وأنه حان وقت استعادة التوازن وضبط التوازنات، خصوصا بعد ادانة المحكمة الدولية القيادي في حزب الله سليم عيّاش باغتيال رفيق الحريري، وأن ما بعد المحكمة ليس ما قبلها.
وما عزّز هذا الانطباع،إعلان الحريري من لاهاي، أن "على حزب الله أن يضحي لأن المنفذين خرجوا من صفوفه". وقد انعكس خروج الحريري من السباق الى السراي الكبير، ارتياحا في صفوف محازبيهمن جهة،ولدى شرائح واسعة في الطائفة المأزومة والمهزومة من جهة أخرى.
لكن الأخبار المتطايرة عن وضع الفرسان الأربعة نجيب ميقاتي، سعد الحريري، فؤاد السنيورة وتمام سلام يدهم على ملف تكليف رئيس الحكومة الجديد. مع ما واكبه من عناصر الاثارة والتشويق المخادع، معطوفا على الحرص المنفوح الذي أبداه الثنائي الشيعي على التمسك بالحريري او من يسميه لرئاسة الحكومة، سرعان ما أطاح الارتياح، وبدّد الانطباع، خصوصا عندما تبين أن لوياجيرغا السنية السياسية من رؤساء الحكومة السابقين،قدموا لرئيس الجمهورية ثلاثة أسماء وليس اسما واحدا، ليس بينهم نواف سلام.ليختار ميشال عون السفير مصطفى أديب الذي تولى ايمانويل ماكرون شخصيا فرضه على الطبقة السياسية اللبنانية، بعدما وجد تقاطعا قويا مع ايران وليس السعودية حياله،سيما وأنه ليس من الأسماء المستفزة لذراع ايران في لبنان حزب الله.
ماكرون الذي تحدث عن عقد سياسي جديد في لبنان. سجّل السابقة في تجاوز فرنسا لشركائها وخصوصا السعودية، من رعاة "اتفاق الطائف" وصنّاعه، لصالح اتفاق جديد تمتلك فيه ايرانمع العصمة السياسية، حق الفيتو.
وعلى منوال ماكرون، سجّل السابقة عينها رؤساء الحكومة السابقون، عندما أداروا ظهرهم لظيرهم التاريخي السعودية.ويمّموا وجوههم وانصياعهم شطر ماكرون الذي يهدد بعصا نظيره الأميركي ترامب عند اللزوم.فأشهر سيف ابتزازهم عبر تهديدهم وغيرهم بالعقوبات التي ستستهدف كل من يعرقل المبادرة الفرنسية.
ولهذا لم يكن انسحاب سعد الحريري من السباق الى رئاسة الحكومة، لأنّه حان وقت استعادة الدور والمكانة والموقع للطائفة المهانة والمكسورة. بل لأن لماكرون برقبته دينا سياسيا شخصيا استحق تسديده، كما ولأنه توازيا يخشى سيف العقوبات الماكرونية.
انها الخشية التي اجتهد نجيب ميقاتيلتجويف لعنة مفاعيلها المحتملة عليه، عبر المؤازرة المتزامنةالتي ضخّها شقيقه طه لدوائر المخابرات الفرنسية التي خصّبت مصطفى أديب،ليتولى فؤاد السنيورةزفه لرئاسةحكومة ماكرون اللبنانية. ولتنحصرتسميته المرجعية بسعد الحريريالذي تفرّد بالجلوس على طاولة قصر الصنوبر دون ميقاتي.
انه التفرّد الذي أراد الحريري عبره القول أنا "بيّ السنّة" الحصري والوحيد، والذي لا يقض مضجعه اليوم، كماومضجع كل الطامحين لرئاسة الحكومة ومن تحت عباءة حسن نصرالله الا تقدم شقيقه الأكبر، بهاء الحريري الرافض لأداء عصابة الأربعة كما ولكل أداء المنظومة السياسية.
لكن سلوك "بيّ السنة" ومعه بقية رؤساء الحكومة أشاع جوا من الغضب والسخط عليهم في بيئتهم السنية، وذلك بسبب تنكرهم للسعودية بوصفها الداعم ما قبل الأول للبنان ومن قبل رفيق الحريري، كما وبسبب تماديهم في الخضوع والانسياق التام لتسمية رئيس حكومة،يحظى برضى وموافقة حزب الله ويراعي حساسيته ومشاعره المرهفة.
وفي هذا السياق بدا رؤساء الحكومة السابقين، نسخة صينية عن اللقاء التشاوري السني الأصلي لصاحبه حسن نصرالله. وفي هذا السياق أيضا بدا جل همّ رؤساء الحكومة السابقين، أن يكونوا هم وليس اللقاء التشاوري السني الحزبلاهي، المحاور المطيع لحزب اللهوالمتخادم غير الندّي معه.
ما تقدم يجسّد أداءأداء رؤساء الحكومة السابقين او "اللقاء التشاوري الصيني"، فكيف كان موقف وأداء اللقاء التشاوري الأصلي؟
جدير بالتذكير ان "اللقاء التشاوري السني" المكون من ستة نواب من مدن ومناطق متباعدة، لم ينخرطوا في برنامج او تحالف او لائحة انتخابية واحدة، بل إنهم ترشحوا على لوائح لحزب الله او متحالفة معه، او مدعومة منه. ولا يربط أعضاء اللقاءببعضهم، سوى خيط انتظامهم غير المرصوص تحت جبةحسن نصرالله، الذي أتقن استخدامهم في اختراق وتجويف النسيج الاجتماعي السياسي السني، الرسمي لا الشعبي، ومن قبل حكومة حسّان دياب، التي رغم وضع حزب الله كل فائض قوته بتصرفها، انهارت،بعدما تحوّلت الى عبء كبير على حزب الله قبل ميشال عون وجبران باسيل بشهادة معمل "سلعاتا" لتحقيق الأمن الكهربائي المسيحي، والذي أطاحت به الخطة الماكرونية للحكومة المقبلة. كما انها فشلت في إنعاش منظومة المال والسلطة والسلاح الحاكمة والمتحكمة في لبنان الرسمي. حتى سقطت مضرجة بدماء ضحايا انفجار بيروت الهيروشيمي على يد منظومة الأمونيوم.
لكن أعضاء اللقاء التشاوري الذين تذوقوا طعم السلطة توزيرا وفي رئاسة الحكومة، اعتقدوا أنهم باتوا جزءا رئيسا من معادلات حزب الله وخياراته في الحكم والتحكم والسلطة، فاذا بهم يتجرعون كأس المهانة من قبل راعيهم وناظمهم حزب الله مذ كانوا نطفا، قبل ان يلقحهم نصرالله بلقاح الممانعة عندما كان يفاخر ملء الصوت برسم معادلات المنطقة. لكن حزب الله سرعان ما أشاح بنظره عنهم عندما وجد نفسه وبيئته الضيقة في مواجهة الجوع، زارعا للخضار على أسطح بيوت وبناياتالضاحية، لا راسما لمعادلات المنطقة.
وكم كان مشهد أعضاء اللقاء التشاوري مثيرا للشفقة عندما امتنعوا خلال استشارات التكليف عن تسمية أي مرشح لرئاسة الحكومة، (باستثناء النائب جهاد الصمد الذي انشق عن اللقاء التشاوري وتميّز بشكل لافت بتسمية "الفضل شلق" أحد أبرز رجال رفيق الحريري لرئاسة الحكومة) لأن القوى السياسية التي سمّت مصطفى أديب لا تلتقي سياسيا مع أعضاء اللقاء التشاوري الذي لم يوقعوا لأحد على بياض، بحسب النائب الوليد سكرية، الذي انتقد أيضا ما وصفه بحصر التمثيل الطائفي السنّي برؤساء الحكومة السابقين.
حصرية تمثيل الطائفة السنية، إذن هي بيت قصيد حزب الله الذي ولأجل السيطرة عليها ترويضا او إخضاعا، عمل على اختراق الطائفة المهزومة والمأزومة باللقاء التشاوري السني وببعض الحركات والشخصيات المهجنة سياسيا، المعروفة في لبنان باسم "سنة حزب الله"، الذي يستخدمهم كلما كان بحاجة لتغطية مهما كان حجم هزالها بدءا من 7 أيار المجيد.
وبهذا المعنى فقد نجح حزب الله في الاستحواذ على قرار السنية السياسية. أولا، عبر أداته التشاورية التي لم تكن شريكا قويا،انما مجرد تابع هزيل. وثانيا، عبر رؤساء الحكومة السابقين، او "اللقاء التشاوري الصيني" الذي برهنت الوقائع السياسية أن طموحه وجلّ همه واهتمامه أن يكون بنظر حزب الله، مجرد ندّ حقيقي للقاء التشاوري الأصليالذي رفع من إحساسهبورم القوة الانتفاخي، زيارة إسماعيل هنية الاستعراضية، في أزقة المخيمات الفلسطينية،حيث أطلق هنية (مدفوعا من اردوغان تركيا للتشويش على الجهود الماكرونية)، من منصاتها العنان لخطابات مطابقة لخطابات نظرائه من أصحاب الصواريخ الصوتية.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.