الخميس
2024/04/18
آخر تحديث
الخميس 18 أبريل 2024

رفع اللبس في موضوع محاكمة محمد ولد عبد العزيز / محمد محمود ولد بكار

30 سبتمبر 2020 الساعة 18 و49 دقيقة
رفع اللبس في موضوع محاكمة محمد ولد عبد العزيز / محمد (…)
محمد محمود ولد بكار
طباعة

قبل يومين حكمت المحكمة العليا الفرنسية ضد الاستئناف الذي تقدم به الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بالطعن بالحصانة أمام المحاكمة الابتدائية فيما يتعلق بالتحقيق معه واحتمال محاكمته بتهمتين أثناء وقبل مزاولته لمهامه الرئاسية ، يعتبرهما القانون الفرنسي جرائم:
ـ صرف مبالغ هائلة في حملاته الرئاسية.
ـ تلقي أموالا من ليبيا .
وتهما أخرى ترتبط بنفس الحقبة، الأمر الذي يحسم الجدل الكبير فيما يتعلق بالمادة 68 التي تمنح الحصانة للرئيس الفرنسي والتي نقلناها بفواصلها إلى دستورنا تحت رقم 93.
نفس الموضوع يثار أمام محاكمنا اليوم من طرف محامي الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من أن المادة 93 تحمي رئيس الجمهورية من أي متابعة أو تحقيق قضائي. ويثير هذا التأويل تساؤلات كبيرة حول أصل مبدأ المساءلة الذي يفصل بين النظام الجمهوري عن النظام الملكي من أن الرئيس قد يساءل عن الأعمال التي اقترفها أثناء تأديته لمهامه ، ويبقى السؤال المطروح هل هذا المبدأ مرتبط ببعض الأعمال دون أخرى أي مرتبط فقط بالخيانة العظمى دون الجناية أو الجريمة ؟ وهو ما معناه أن الرئيس لايحاكم إلا في الخيانة العظمى ولا يحاكم مطلقا في جرائم او جناية الحق العام ؟ وأن مبدأ الحصانة هو حماية الرئيس من كل متابعة ؟ إننا هنا نجعل الرئيس لا يرتكب من المخالفات القانونية إلا الخيانة العظمي ، كما نجعل الدستور يحصر مساءلة الرئيس على الخيانة العظمى التي نادرا ما تقع وقد لا يرتكبها الرئيس مطلقا ، وقد يرتكب أعمالا أخرى تكون جنائية مثل الفساد ، فهل لا تحق مساءلته عليها لأنها ليست خيانة عظمى؟!!!
إن القانون لا يفصل بين الرئيس والمواطن العادي في القضايا الجنائية ولذلك وحسب خبراء القانون لم يتطرق لتفصيل يتعلق بالمسألة ، لكن الدستور يخول للرئيس صلاحيات واسعة ويحميه أثناء ممارستها لها لكن بشرطين : ـ مصلحة الشعب.
ـ وفي حدود القانون.
ويمنحه الحصانة الدستورية من أي متابعة من أجل عدم عرقلة عمله، كما لايمكن أن يحاكم على قرارات تتعلق بصلاحياته ولا ممارسات شرعية لتلك الصلاحيات ،لكن تلك الحصانة لا يمكن أن تمتد للممارسات غير القانونية وتقويض حقوق الشعب التي ضاعت أثناء ممارسة الرئيس لصلاحياته بشكل غير قانوني .
إن الحديث عن المحكمة السامية مرتبط بالخيانة العظمى وذلك ليس هو مجال الاتهام الموجه لولد عبد العزيز اليوم، فالتهم الموجهة إليه ترتبط بالأعمال المنفصلة عن الممارسة الشرعية للحكم التي لم تبوب عليها الحصانة ( مثل فتح حسابات شخصية لكميات هائلة من السيولة ، أو شراء أصول وعقارات تتطلب دخلا كبيرا ، أو إنشاء شركات ، التحايل على الكهرباء بعدما أصبحت جريمة بالقانون أو استخدام النفوذ للحصول على مزايا شخصية وغيرها ...) .
إننا هنا نتحدث عن أعمال ضد الأهداف والشروط التي منحت على أساسها الحصانة والمرتبطة بمصلحة الشعب في حين نرى أن ولد عبد العزيز استخدم الصلاحيات لمصلحته النفعية كما لم يلتزم بالحدود القانونية لممارسة صلاحياته ، فهل علينا في هذه الحالة أن لا نسائله لأنه لم يرتكب خيانة عظمى ؟ فكيف حينها يبرر الدستور ضياع هذه الحقوق وتعطيل القانون والفصل بين الرئيس والمواطنين في جرائم الحق العام ؟
إننا في هذه الحالة نجعل القانون ضد المنطق كما نغير من مقاصده النهائية في تحقيق العدالة ونفصله عن روحه حتى يبقى مواد جامدة لا معنى لها ، وهو ما يسعى إليه محامو المتهم محمد ولد عبد العزيزالذين يتحدثون عن الأمور الإجرائية ولا يتعرضون للمضمون وكأنهم يخافون من أن يصطدموا بحقيقة قانونية ثابته تقوم عليها العدالة.
إن القاضي عندما يبت في نازلة قانونية أو يؤول مادة قانونية إنما يبحث عن المقاصد وعن روح القانون ولا يبحث في التنفيذ الحرفي ولا يسعى للجمود .
إن مساءلة ولد عبد العزيز ـ إذا لم يكن فهم القانون وتأويله حكرا على فئة معينة ـ قانونية بمقتضى القانونية لكنها قانونية أكثر لأنها تمثل تطلعات الشعب الموريتاني وتعطشه على مساءلة الأقوياء بعدما ظل يعاقب فيهم الفقير ويترك القوي ،وتمثل العدالة التي ينشدها المواطن البسيط والدرس التاريخي لكبح شرر وشطط الأشخاص المتهورين الذين يصلون للسلطة : كما تضبط علاقة الوزراء والمسؤولين بمرؤوسيهم بحيث لا ينقادون بشكل أعمى للأوامر خاصة تلك الأوامر غير الشرعية .
نحن في موريتانيا بحاجة لمراكمة تجربة عقلانية وفقه قانوني مرتبط بممارستنا القانونية والسياسية ، وهكذا في أول فرصة عقلانية للإصلاح قام الشعب الموريتاني بغلق باب " رئيس مدى الحياة من خلال تحديد المأموريات ، وقد كان ذلك نابعا من تجربته الخاصة حيث استحوذ رئيسان فقط على 40 سنة من 50 سنة كانت هي عمر الدولة . وهنا نحن اليوم نضع لبنة أخرى تتمثل في فصل واقعي للسلطات وكبح فساد الحاكم وضبط سلوكه بالقانون ضد ممارسة سلطات جميع المؤسسات الدستورية ولمصلحته الشخصية . إن أي تراجع عن ذلك الهدف سيفقد السلطة القائمة شرعيتها السياسية ومصداقيتها ، فالأمر مرتبط بإصلاحات هيكلية عميقة وتطلعات الشعب الموريتاني الذي عانى تحت حكم الديكتاتوريين الذين يأتون عبر قنوات "ديمقراطية "ويمارسون السلطة خارج أي أطر قانونية .