الجمعة
2024/04/26
آخر تحديث
الجمعة 26 أبريل 2024

أمير الكويت الراحل : قدم في هدوء وسكينة ورحل في هدوء وسكينة

30 سبتمبر 2020 الساعة 13 و39 دقيقة
أمير الكويت الراحل : قدم في هدوء وسكينة ورحل في هدوء وسكينة
محمد محمود ولد بكار
طباعة

إنه منها وإنها منه : الكويت البلد العربي الأصيل الذي يشبه النخلة التي إذا رميتها بحجر أعطتك تمرا ، الدولة الهادئة مثل آخر الليل بنسيمها العليل وهدوئها الطويل ، لقد كانت لنا سندا منذ استقلالنا ولم تطلب منا شيئا قط ، فقد كنا كل ما ضاق بنا زماننا ذرعا يممنا رحالنا شطرها، نملؤ رحالنا ونمير أهلنا ونزداد كيل بعير، وبسطة في الارتياح.
لم تكن الكويت لتسمح لنا انحيازنا ضدها عندما هاجمها صدام حسين ومع ذلك صفحت عن ذلك الموقف الذي حز فيها كثيرا بلا ريب.
لقد كانت وهي في أقصى الشرق تمطرنا بخيرها وتغمرنا بحبها وعطفها لتؤكد لنا كل مرة أنها شقيقة قبل أن تكون صديقة ، إنها الأخوة والصداقة التي تمنحها لكل بلدان العالم ضمن سياسية مد اليد وتوزيع الخير ومساعدة كل الناس ، إنه شعار دولة الكويت المكلومة اليوم بفقدانها أميرها الراحل صباح الأحمد الصباح، أحد رجالاتها الكبار الذي أسس لسياسية خارجية فريدة مبنية على العمل بالحسنى والإصلاح بين الناس، سياسية خارجية رائدة في مجال الاتزان والديبلوماسية .
لقد قاد الأمير المرحوم ديبلوماسية الكويت في أحلك الظروف دون أن يتغير نهجه ولا طريقه ولا أسلوبه الهادئ الذي لا تكدره الحوادث ولا تعيقه العقبات، فقد نافح عن بلده في هدوء وسكينة بأسلوب قوي ولين ، وسير مواقفها في خضم التباين والتنافر والتناحر الدولي والعربي دون أن تحسب الكويت مع ذلك ولا على ذلك في أحداث اختلطت فيها كل الأوراق وكل المواقف ، دون أن تسجل عليه زلة ولا سقطة . الكويت البلد العربي الذي له نظام سياسي ثابت وتوافقي ، وخط ديبلوماسي معروف ، لا يعرف الشقاق ولا النفاق ولا يدفع الجزية ولا يمول الحروب ، علاقاتها جيدة بالكل ، مقاربتها واضحة ، مواقفها في الوسط بعيدة من الشطط كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ، أو مدينة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا ، إنه زرعها وحصادها ، ودورها وديبلوماسيتها. إنها حنكة عالية وتجربة فريدة ـ في عالمنا العربي الممسوخ ـ نمت وترعرعت بين الدولة و أميرها الراحل في هدوء وسكينة طيب الله ثراه.
لقد كان آخر عهدنا به أن جاءنا في مرضه وشيخوخته متجشما عناء السفر معرضا عن رأي المستشارين الطبيين والأمنيين ليبيت عندنا حين هجرنا وخاف منا الإخوة والأصدقاء لكي يعيش مع الشعب الموريتاني فرحته في عقد أول قمة عربية على أرضه.
تغمده الله بواسع رحمته وإنا لله وإنا إليه راجعون.
محمد محمود ولد بكار