الخميس
2024/03/28
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

لماذا تتأخر الكويت عن قطر والإمارات!؟ / محمد محمود ولد بكار

1 أكتوبر 2020 الساعة 09 و00 دقيقة
لماذا تتأخر الكويت عن قطر والإمارات!؟  / محمد محمود ولد بكار
محمد محمود ولد بكار
طباعة

تكاد إمارتان مغمورتان، انبجستا ضمن عطية النفط والغاز، أن تخطفا الأضواء من عالمنا العربي، وعلى وجه الخصوص النفطي منه.. ،ولا يصعب إدراك سبب ذلك ،ليس فقط لأن العقل العربي مهمش أو لأن لا حرية للإختلاف في تلك الربوع لكن أيضا بتأثير الدعاية الملتهبة والمثبتة علي الإمارتين قطر ودبي: الأولى بواسطة "مدفعها الفتاك"قناتها المشهورة بالإفلاس المهني والأخلاقي "قناة الجزيرة" التي ولدت وترعرعت في أحضان الإنجليز حينما تعاقدت الـ "بي بي سي" مع "أوربيت" وفشل التعاقد بعد 6 أشهر من اكتمال المشروع سنة 1995 لتباع لقطر، وتضخ الأخيرة فيها 150 مليون دولار. وها هي تزهو وتزدهر في كنف إسرائيل وأمريكا. والثانية (أي دبي) حققت تطورا ريعيا خرافيا صارت معه منصة اقتصادية لتجسيد كل خرافة معمارية. وأصبحت بورصة للمضاربات المالية والصناعات التركيبية. وقد رأت الإنهيار بأم عينها وهي في أوج نشوتها لولا أن انتشلتها شقيقتها الأكثر رزانة: إمارة أبو ظبي بمبلغ قدره 10 مليار دولار.

في خضم هذه البهرجة تزدان الدعاية، ويلوى عنق الحقيقة، ويزداد سمك الجليد المغطي لها. ولا ينفك الرأي العام يطرح أسئلة كثيرة حول دور ومكانة الكويت: لماذا تتخلف عن هذا الركب؟ وكأن الكرى يتسلل إلى جبينها باستمرار، أليست هي ثالث دولة نفطية عربية بعد السعودية والعراق؟ ألم يتم استخراج نفطها سنة 1936 أي قبل تلك الدولة بسنين؟ ألم تملك قرارها الوطني منذ1961؟ فلماذا إذن تقف في الوراء؟ أليست قطر الآن هي سيدة المشهد العربي بلا منازع؟ ألم ترافق السودان في أزمته حتى دفعته للتقسيم؟ ألم تقف في مقدمة العالم الحر الذي دمر العراق؟ ألم تسبق الناتو في تدمير ليبيا وقتل زعيمها كما مولت تدمير سوريا؟ أليست هي التي تصرف المليارات في احتضان كل المؤتمرات مهما كانت أهدافها معادية ، فقط من أجل الدعاية؟ أليست هي من تستضيف المنظـَر الملهم لتنظيم الإخوان المسلمين العالمي المتواطئ مع الغرب الإمبريالي؟ أليست هي من تتبجح بصداقة إسرائيل؟ أليست هي أصغر دولة تحتضن على أرضها اكبر قاعدة أمريكية خارج أرضها بطلب وبتمويل منها هي نفسها وتدفع نصف تكاليف الصيانة سنويا ؟!!لا يهم !
ألا تحتضن دبي قمة الفخامة المعمارية والتقدم الشكلي العربي ؟ ألا تملك مطارا من أكبر 10 مطارات في العالم تتم توسعته كل سنة منذ بداية العقد الماضي، كما تملك أطول عمارة على سطح الأرض بطول 151 طابقا؟ لماذا لم تخلق الكويت ظاهرة خاصة بها يحميها أحد الكبار؟ لماذا رفضت الكويت مثلا شراء مشروع الـ "بي بي سي" الذي اشترته قطر في ما بعد وسمته "الجزيرة" ؟ لماذا لا تظهر أبراج الكويت الشهيرة ـ المنتفخة عند الخاصرةـ في كل يوم أمام شاشات التلفاز لتشهدنا علي نشاط دبلوماسي مبالغ فيه أمام كل حدث عربي أو عالمي؟ لماذا لا نسمع عن ديمقراطية الكويت ؟

حتى أثناء الجمود السياسي تنحبس الأصوات التي تصدح بالحقيقة، فلا تسمع إلا همسا. ليس هنالك في الغالب تفسير آخر غير أن الكويت لا تدفع تحت الطاولة للكتاب ولا للصحفيين لتلميع صورتها، حتى وإن كانت هي من استدعتهم للإطلاع على تجربتها السياسية، لذلك لا نسمع كثيرا عن جمال الصورة في الكويت، لكن لا ينبغي علينا إضاعة الوقت في التفكير ان الحقيقة هنا ليست على اي نوع من الصلات بالعدالة ، ولولا ذلك لتم إنصاف الكويت ، حيث يعمل الكل بعيدا عن الجلبة والصخب الإعلاميين. ففي بهو كل منظمة خيرية هناك قاعات للمتطوعين، حيث تتم عملية التبرع في "عتمة النهار" بعيدا عن الأضواء، وتستقبل الهيآت الخيرية ميئات ملايين الدولارات من تلك الجهود الفردية، وتقوم بأعمال خيرية عظيمة دون أن تقام لها الأفراح أو الترويجات.. ينسجم ذلك تماما مع توجه الدولة في الحالتين: العمل الخيري والإبتعاد عن الصخب الشبيه بالمن..الشعب والحكومة في الكويت تناغما في مشوار العمل الخيري، فمنذ 1913 ، زمن الفقر، أسس فرحان بن فهد منظمة الإصلاح الخيرية، وفي سنة 1956 تكونت جمعية المقاصد الخيرية لجمع التبرعات لدعم فلسطين بعد النكبة ومصر بعد العدوان الثلاثي والجزائر في كفاحها ضد الإستعمار حينما لم تكن الدولة موجودة، وبعد سنة 1961 بدأت الجمعيات تتكون تحت مسمى النفع العام وبرعاية الدولة وبمبادرات فردية حرة، فأنشأت الدولة الأمانة العامة للأوقاف ، وبيت الزكاة الكويتي ، والهيئة العامة للجنوب ،ومن طرف المجتمع المدني تم تأسيس هيئة العون المباشر، الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية ، كفالة ورعاية الأيتام ، وجمعية الإصلاح الإجتماعي ، جمعية الشيخ عبد الله النووي ، وجمعية إحياء التراث الإسلامي ...وغيرها ،وغيرها . هناك حكما ، قد يكون قوله أعجوبة صغيرة ، أن الكويت مجبولة علي التفكير بالآخر . فقد أنشأت 10 أشهر بعد استقلالها 31ـ 12 ـ 1961 أي قبل أن تأخذ الوقت لبناء منشآتها ومرافقها وبنيتها التحتية ـ أنشأت الصندوق الكويتي لدعم التنمية في البلدان العربية والدول النامية الأخري ،فكانت بذلك أول دولة من العالم الثالث أنشأت صندوق لتنمية و كان أول من إستفاد منه السودان في بناء سكته الحديدية ومن ثم سوريا ،وبعد ذلك انتشر النفع إذ استفادت منه 798 دولة ( قد تستفيد الدولة مرات عدة ) وقد وصلت القروض التي منحها إلي 4% من إجمالي دخل الكويت .وفي نفس العقد تحديدا 1966 أنشأت الهيأة العامة للجنوب والخليج العربي ، عجيب أمر هؤلاء الكويتيين "يؤثرون علي أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة " إنهم يعملون من دون توقف وتكرارا لمساعدة شعوب العالم الثالث العربي في شرق آسيا ، في إفريقيا ، في أمريكا اللاتينية .

مرة أخري وفي مناسبة تحطمت فيها معنويات القادة والشعب العربي ( بعد النكسة 1967) تظهر الكويت بمقترحها الجديد الداعي لإنشاء الصندوق العربي للتنمية وتساهم بأكبر نسبة من رأس ماله (30%) معتبرة أن المشاكل العربية وأسباب الهزيمة كلها تتلخص في التخلف.. إنها الدولة الوحيدة التي تصرف 8,2 من دخلها القومي في التنمية خارج بلادها. ليس هناك أدنى ظل من شك في أنه رقم قياسي لا يقارن بما تقدمه الدول المتقدمة مقارنة بمداخيلها . لا تتوقف المفاجآت الكويتية عند هذا الحد، فحينما كان العالم ينتظر خطابا سياسيا تقليديا يزخر بالمجاملات سنة 1988، جانف الأمير الكويتي الراحل جابر الأحمد الصباح بخطابه أمام الجمعية الثانية والأربعين للأمم المتحدة كل التوقعات، فطرح مقترحا بالغ الأهمية طالب فيه الدول الدائنة بإسقاط فوائد الدين عن الدول المدينة وإسقاط جزء من الدين عن الدول الأشد فقرا. وقد قامت الكويت، بالمناسبة، بإسقاط ديون مصر وسوريا.

في سجلات المؤسسات الكويتية أرقام لاذعة، فوحده إجمالي معونات الصندوق الكويتي زادت على 1000مليون دينار كويتي ( الدينار الكويتي 2.8 يورو تقريبا) وإجمالي ديونه بلغ 3000مليون دينار كويتي، أغلبها في مجال الطاقة والطرقات والتعليم والصحة والصرف الصحي والبنى القاعدية. كما ساهم في كل مبادرات التنمية والترقية والثقافة والفكر ،كما تساهم الكويت بقوة في الصندوق العربي والمصرف العربي ،والصندوق الإفريقي ،والبنك الإفريقي.. ليست هذه هي الصورة الكاملة، فقد ظلت الكويت تحتفظ بالمرتبة الأولي أو الثانية في دعم جامعة الدول العربية ، "وليتها أوقفت دعمها بعد أن أضحت جامعة للخيانة " ومهما يكن فإن الإطلاع البسيط علي تاريخ الكويت وإسهاماتها كفيل بتحديد وجهتها، وأين كان انصرافها أو "تخلفها ".. إنها وجهة مختلفة تماما.ليت كل التخلف كان علي هذه الشاكلة .

ديمقراطية الكويت "نسيا منسيا "

الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة ـ أو تكاد تكون ـ التي يخلو دستورها من " الأرض ومن عليها ملك للأمير أو الملك". تُحكم الكويت بواسطة دستور يسعى لخلق تجربة كويتية لا دخل للضغط الأجنبي فيها. ويؤسس لعمل تراكمي تتضح فيه ملامح فصل السلطات ويحترم إرادة الفرد والسيادة فيه للأمة (الشعب).. أنظر المادة (6).

183 مادة هي مجموع مواد هذا الدستورـ الذي وضعته جمعية تأسيسية سنة 1961.. لم تتضمن الوثيقة مادة واحدة تحابي الأمير أو تعمل علي توكيد فردانيته أو تفرده؛ بالقرار، فكل القرارات المصيرية مربوطة بموافقة مجلس الأمة أو مُبـوَب عليها في الدستور. ومجلس الأمة هو الغرفة البرلمانية الوحيدة في الكويت، وهو ساحة مشتعلة من الآراء والمواقف والتناقضات والصراخ والفعالية التي تخرج في الغالب عن سيطرة الحكومة. فخلال سنتين فقط حجبت الثقة 4 مرات عن الحكومة، وتمت مساءلة الوزير الأول مرات عدة بعضها لأسباب لا تطرف على بال في الغالب:منح تأشيرة وإقامة لشخص ما. وكالديمقراطيات العتيقة تحتل المعارضة مجلس الأمة تماما كما في السنوات الماضية ولا يمثل ذلك أي إزعاج للسلطات، وهو وضع دخلت بواسطته فرنسا أزمة سياسية بعدما سيطر اليسار على البرلمان في مأمورية شيراك الأخيرة مما أدى إلى قدر من الإرتباك وصعوبة التعايش في السياسية الفرنسية.. ليست المرأة الكويتية استثناء؛ فقد ساهمت في هذا الحراك من خلال أربع نائبات في البرلمان، ووزيرة في الحكومة، إضافة إلى الحضور المبكر في المشهد الثقافي والفني وفي المرافق الحكومية وفي القطاع التعليمي بصفة خاصة. إنها مكانة حرمت منها اغلب شقيقاتها في شبه المنطقة العربية. ليس هناك أدنى ظل من شك ولمرة أخري في أن الكويت تختلف .

الكويت ظهيرنا

ازدردت موريتانيا والكويت نفس كأس العلقم الذي يطعن في سيادتهما بفعل الجارين الشماليين والأخوين الشقيقين فيما بعد، مع بعض الإستثناءات؛ فقد اعترضت المغرب على انضمام موريتانيا للأمم المتحدة بعد استقلالها عقب مقال كتبه علال الفاسي مارس 1957 في جريدة حزب الإستقلال (العلم)، كما اعترض العراق على انضمام الكويت لنفس المنظمة لأنها "محافظته التاسعة عشر". قد يكون ذلك أحد أسباب التقارب، وهذا غالبا ما يقع عندما تجد في طريق النضال من يتقاسم معك نفس المآسي، لكن الأهم من ذلك أواصر الدم العربي والنقاء البدوي، فقد شعر الكويتيون بنوع من الميول والارتياح للشعب الذي يقاسمه نفس الأطباع ونفس القيم. وهكذا زار الأمير سالم الصباح موريتانيا مبكرا في الستينيات، كما زارها عبد اللطيف يوسف محمد رئيس الصندوق الكويتي سنة 1962 ، ومنذ ذلك الوقت أخذت الأواصر تتجمع وبدأ الدعم الكويتي ينهمر باتجاه موريتانيا.. لم يقم مشروع كبير في موريتانيا دون مساهمة من الكويت. فقد ساهمت الكويت في ترقية المصادر البشرية من خلال استقبال وفد الطلبة سنويا لمتابعة دراسته الثانوية والجامعية ،كما قامت بإعداد المعلمين، بالإضافة إلى المساعدة في قرار التأميم الذي كان أهم قرار سيادي بعد الإستقلال من خلال المساهمة في سداد ديون شركة "ميفرما" بعد التأميم، تنضاف إلى ذلك المشاركة في أعظم إنجاز يحسب للرئيس الأسبق المختار ولد داداه إلي اليوم، ألا وهو طريق الأمل الأطول في البلاد. كما ساعدت الكويت في تقوية مصداقية العملة الوطنية (الأوقية) بواسطة وضع ودائع لدى البنك المركزي الموريتاني بقيمة 50 مليون دولار، وساهمت كذلك في حلم الأجيال (مشروع آفطوط الساحلي)، ومولت الجيش الموريتاني أثناء حرب الصحراء ، وأنشأت مستشفي صباح للأمراض الصدرية، ومستشفي تجكجه المشهور( خاصة في أوساط النساء في الثمانينيات )،وبناء500 وحدة سكنية، وتجديد شبكة المياه في العاصمة نواكشوط، وبناء محطة للكهرباء.. وإذا كنا في موريتانيا نفخر بلقب "بلاد المليون شاعر" فذلك بفضل الكويت من خلال مجلة "العربي" ذائعة الصيت. كما أننا لا ننسى أن الكويت والسعودية، في المؤتمر الدولي حول موريتانيا المنعقد في باريس، فبراير 2008 ، كانتا أول البلدان التي أعلنت عن أعلى سقف لدعم خطة التنمية الموريتانية، ما مثل فيما بعد ثلث إجمالي المبلغ المقدم من طرف الممولين ، وبعد ذلك تواصل الإعراب عن الاستعداد لتمويل المشاريع الموريتانية حتى بلغ الغلاف قرابة 3.5 مليار دولار أي بزيادة وصلت أكثر من 50% من توقعات الحكومة حينها. وقد ظلت الكويت تصرف على المختار ولد داداه وبعض وزرائه حتى عرف كل منهم سبيله.. فمنهم من قضي نحبه ومنهم ومن وصل للرئاسة ومنهم من ينتظر . إنها دولة شقيقة للشعب الموريتاني علي مر الزمن. نحن الموريتانيون مثلنا مثل شعوب العالم لن ننسي المساعدات الودية والخيرية من الشقيقة الكويت حتي وإن سبق السيف العذل مرة واحدة .من جهتنا في عدم مؤازرتها فترة الإحتلال ،ومن جهتها حيث اسقطت دين مصر وسوريا ولم تفعل نفس الشيء بالنسبة لنا نحن الأفقر والأحوج لمثل تلك الخطوة .

على الكويت أن تحزن على أميرها
لقد ظلت الكويت بنجوة من حرب الأشقاء ضد بعضهم ،فلم تشارك في الحريق العربي الذي مولته الدول الخليجية الأخرى وفي مقدمتها قطر وسقطت في ساحته ليبيا واليمن وسوريا ومزقت العراق والسودان وحصلت إسرائيل على كل ما تريد . كما حافظت على مسافة لنفسها وسط الخلاف الذي وصل الذروة بين السعودية والإمارات ضد قطر والذي لم يترك الخيار لأحد بموقف الإعتدال سوى الكويت .الديبلوماسية الكويتية التي ظلت تمر عبر نارين كلتاهما حارقة دون أن يتخلل مواقفها أي غموض ولا محاباة تفقد اليوم أحد رموزها ومؤسسيها الذي قادها في أحلك الأوقات وأكثرها صعوبة تغمده الله برحمته .