الخميس
2024/04/18
آخر تحديث
الخميس 18 أبريل 2024

الرئيس محمد جميل ولد منصور للمسار: هذه حقيقة علاقتي بحزب تواصل..

5 مارس 2021 الساعة 23 و02 دقيقة
الرئيس محمد جميل ولد منصور للمسار: هذه حقيقة علاقتي بحزب (…)
طباعة

* وجدت في رئيس الجمهورية رجلا يستمع جيدا ويستوعب جيدا ويشرح جيدا..

* هذه حقيقة علاقتي بحزب تواصل..

* دون أن أحكم على الحكومتين اللتين تم تشكيلهما حتى الآن لا شك أن هناك حاجة لحكومة أكثر إقناعا..

* الرق والإرث الإنساني يضر بهما أمران: التجاهل والإثارة..

المسار: ما هو تقييمكم لما مضى من مأمورية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟

محمد جميل ولد منصور: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، شكرا جزيلا لمجلة المسار والقائمين عليها على هذه الفرصة، وهي مناسبة لتهنئة هذا الصرح الإعلامي الذي يحاول أن يحافظ على نمط من الإعلام لم يعد الناس يتعاطون معه كثيرا بحكم ظهور الإعلام الجديد، ومع ذلك ورغم أن الأعداد الصادرة منها ما تزال محدودة من حيث الزمن حتى الآن، فقد بدأت تأخذ مكانتها والحمد لله في المشهد الإعلامي، وتلبي حاجة لدى القراء والمهتمين ومتابعي الشأن العام، فهنيئا لكم على هذا النجاح، ودعائي وتمنياتي لكم بمزيد من النجاح والتوفيق.

فيما يتعلق بالفترة التي مضت من مأمورية رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، في الحقيقة أنا ما زلت من أولئك الذين يعتقدون أن هذه المسارعة الجارية حاليا إلى التقويم لم يحن وقتها بعد، وذلك لثلاثة أسباب:
السبب الأول أن دهشة البداية تحتاج دائما إلى من يعطيها فرصتها ووقتها، لأنها عادة ما تؤثر كثيرا، وسنة وأقل من نصف السنة الثانية يمكن اعتباره في حكم البداية.
السبب الثاني أنه ظهرت في هذه الفترة هذه الأزمة الصحية العالمية التي شهدت موجتين من هذا الوباء الذي شغل الدول الكبرى، فمن باب أحرى الدول التي تعاني من نقص في الموارد والإمكانات كدولتنا.
السبب الثالث في هذه الفترة فتح ملف العشرية، ملف التحقيق حول تسيير الرئيس السابق ومجموعة من معاونيه، وبدأت التحقيقات البرلمانية ثم التحقيقات القضائية، وأصبح هذا الملف بطبيعته مشغلا وضاغطا ومؤثرا على الرأي العام.
هذه الأسباب قد تبرر عدم العجلة على التقويم، ومنحه فرصة من الوقت حتى يكون أكثر موضوعية. ومع ذلك أعتقد أننا إذا نظرنا إلى العناوين العامة فسيكون التقويم لصالح النظام، بالنظر إلى الاتجاهات الكبرى لما وقع، حيث سترى في العنوان السياسي أنه حدثت مظاهر انفتاح وتعاط إيجابي مع مختلف القوى السياسية، وإظهار نمط جديد في التعاطي السياسي مختلف عما كنا متعودين عليه، صحيح أن الناس قد يقولون لدى تقويم ذلك بأن الحال يجب ألا يستمر على هذا طويلا، وأنه يجب أن يتحول إلى فعل سياسي أكثر مؤسسية وأكثر استقرارا من مجرد مؤشرات الانفتاح، وإن كان معقولا وقوعه في البداية. هذا اتجاه عام أعتقد أنه لصالح النظام، وقد بدأت الآن تظهر مطالب بتحول هذا الانفتاح إلى حوار، وتحول هذه المرونة والتعاطي الإيجابي إلى نقاش جدي حول مختلف القضايا الوطنية يخرج بما يفيد البلد في هذه المرحلة من تاريخه.
كذلك اتجاه محاولة رد جملة من المظالم وخصوصا مظالم الأشخاص المتعلقة بوضعهم الوظيفي أو وضعهم الاعتباري، هذا وقع وتعزز بشيء آخر جعل منه اتجاها عاما في التعاطي مع الناس مثل التعزيات والاعتناء بأحوال بعض الناس والتكفل ببعض الرموز الذين يعيشون أوضاعا صحية معينة، هذا كان مظهرا جيدا عموما، وإن كانت قد بقيت مظالم أخرى لم تعالج بعد، بعضها يتعلق بأشخاص، وبعضها يتعلق بمؤسسات، يحضرني منها الآن ما يتعلق بمركز تكوين العلماء، الذي طالت فترة إغلاقه، لكن عموما الاتجاه العام في هذا المجال حصل.
وأيضا اتجاه الاهتمام بالمجموعات الهشة من خلال البرامج التي أطلقت لصالحها، والمخصصات التي أعلن عن توزيعها عليها، وتعددها في هذه الفترة الزمنية القصيرة.
واتجاه منح مستوى من اللامركزية أو منح اهتمام أكثر للقطاعات المختلفة والقائمين عليها وإعطائهم هامش مبادرة وهامش تحرك وتصرف وصلاحية، فهذا كمظهر إداري بغض النظر عن النتائج الإيجابية أو السلبية التي قد تظهر له أحيانا يعتبر من الاتجاهات الإيجابية التي حدثت. وهناك أمور أخرى من هذا النمط وقعت في هذه الفترة وتحسب لصالح النظام.
لكن هذا التقويم قد يصبح سلبيا أو قد تدخله عناصر سلبية عندما ندخل في التفاصيل، وخصوصا
في مجال السياسات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يسميه الخبراء الذين يقومون التجارب بمساوئ التطبيق. يمكنك أن تخصص غلافا ماليا مهما لبرنامج كبير وتعلنه، وتكون خطته جيدة، ويكون المستهدفون به واضحون لكن مساوئ التطبيق الناتجة عن تراكم طريقة العمل وطريقة الإدارة وطريقة التنفيذ، وكذلك عن مستوى المواكبة ومستوى الرقابة البعدية كل هذا ما يزال محتاجا إلى قدر من التفعيل وقدر من الحيوية.
في التفاصيل في الشأن السياسي إذا سجلت هذا الانفتاح وهذا الانفراج وأهميته ستلاحظ أنه ما زالت هناك أسئلة مطروحة، فما زالت هناك أحزاب سياسية تطالب بالاعتراف ولم تجده حتى الآن، وهذا خلل ديمقراطي، وما زالت هناك تظاهرات سلمية تقع وتقمع أحيانا بشأن وحشي كما شاهدنا في الأيام الماضية، وهذا إخلال بحقوق الإنسان والحريات العامة، وهناك طلاب يطرحون كثيرا من المطالب والقضايا وأحيانا يتعامل معهم بأسلوب عنجهي وغير مناسب، أشياء من هذا القبيل، فالتفاصيل إذا دخلت فيها هناك عدة سلبيات يمكن ذكرها.
وفي ما يتعلق بالوضع الاجتماعي صحيح أن هذه الأسعار وصلت إلى مستوى شديد والوضع المعيشي فيه كثير من الصعوبات، وهذا قد تكون له أسباب موضوعية مقنعة، لكن قيمة الدولة والنظام والحكومة، وقيمة السياسات الاجتماعية للحكومة تتمثل في التدخل في مثل هذه الظروف لتخفيف أثر الارتفاع الموضوعي للأسعار، والصعوبة الموضوعية للوضع المعيشي حتى لا يتأثر به المواطنون، وإذا تأثروا به يكون تأثرهم محدودا، خاصة في زمن الجائحة، ولو أن البرامج الاجتماعية التي نفذت والتي خصصت لها مخصصات كبيرة كانت قد أخذت هذا في الحسبان لكانت النتيجة أفضل.
أنا، وهذا قلته بالمناسبة لرئيس الجمهورية، كنت مرة في وسيلة إعلام ومعي أحد أعضاء الحزب الحاكم فتكلم عن الأرقام التي صرفت في هذه المشاريع: بضع وأربعون مليارا وبضع وعشرون مليارا وبضع وثلاثون مليارا، أرقام كبيرة إذا جمعت، وعناوينها جميعا مهمة، فقلت له لقد أدخلت أصحابك في مشكلة، المواطن سيبيت الليلة يحسب ما سمع من الأرقام وسيسأل عن نتيجته الفعلية على حياته اليومية ولن يجدها منسجمة مع هذا الحجم من الأرقام، وهذا هو ما سميته مساوئ التطبيق.
وهناك بطبيعة الحال ملاحظة يقولها الجميع وهي أن الإصلاح يحتاج إلى الخروج من الدائرة البشرية التقليدية التي كانت متعودة على كثير من الممارسات ومن الصعب عليها أو على كثير من أهلها أن تتوائم مع الإصلاح بالشكل المطلوب، ولذلك كان تكرار تعيين عدد من الأوجه القديمة محل انتقاد كثير من الناس، لأنه، حتى وإن كان بعضها لا ملاحظة عليه، فإن تكرار تعيينه صار كأنه يقول بأنه لا يوجد في موريتانيا إلا هؤلاء، مع أن موريتانيا مليئة بالأطر من ذوي الكفاءة والتجربة.
إذن عموما التقويم يمكن القول بأن فيه عناصر كثيرة إيجابية، وفيه ملاحظات سلبية واضحة، وفرصة الاستدراك فيه ما تزال قائمة، والأمل الذي عبر عنه قدر من الناس في البداية ما يزال موجودا، ولكن الزمن يجري، وما كان مفهوما أو متفهما في السنة الأولى، والنصف الأول من السنة الثانية، أصبح من الصعب تفهمه في النصف الثاني من السنة الثانية وفي السنة الثالثة، وبالتالي فالنظام في تصوري أو السلطة أو الحكومة عليهم التحرك بسرعة وإلا فإن عناصر التقويم ستنتقل من دائرة الإيجابيات إلى دائرة السلبيات بحكم الأخطاء التي تقع، وعموما أنا كنت من ذوي الأمل وما زلت منهم، وأنتم أعرف أنكم لا تكرهون الأمل.

المسار: كنتم من أوائل الشخصيات التي التقت رئيس الجمهورية مؤخرا. هل لنا أن نعرف ما دار في لقائكم معه؟

محمد جميل ولد منصور: هذه اللقاءات التي تقع مع السيد رئيس الجمهورية ليست لقاءات معلنة بالمعنى التقليدي، بحيث تكون على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام ويتم التصريح بها قبلها أو بعدها، ولذلك فإنه لا ينطبق عليها حكم اللقاءات المعلنة وهو حكم النشر والإعلان، ومع ذلك فهي أيضا ليست لقاءات سرية ينبغي كتمانها لأن رئيس الجمهورية لم يخفها، والذين التقوه كذلك لم يكتموها. قد يكون فيها بعض التفاصيل لا ضرورة لإيراده، ولكن إجمالا لا ضير في ذكرها. وفي ما يتعلق بي فإن اللقاءات التي جمعتني مع رئيس الجمهورية كانت تتركز في الغالب على عناوين الشأن العام: قضايا الوحدة الوطنية ووضعها والملاحظات بخصوصها، وإذا كان لدي اقتراح أو ملاحظة قدمتها، قضايا الحوار التي تثار بين الفينة والأخرى والرأي فيها، والسياسة العامة، وفي الحقيقة أذكر أني وجدت في رئيس الجمهورية رجلا يستمع جيدا ويبدو لي أيضا أنه يستوعب جيدا، وأكثر من ذلك يشرح جيدا، لأني فعلا حظيت خلال اللقاءات التي جمعتني به بالاستماع إلى كثير من الأمور والشروح والتوضيحات التي أفادتني في قضايا وطنية مهمة.
أنا لدي قناعة أولية تتمثل في النظرة الإيجابية للرجل وتجربته، ذلك بطبيعة الحال لم يغير موقعي السياسي، لكنه يفرض علي مستوى كبيرا من التعاطي الإيجابي مع ما أسمع منه، وفي الحقيقة كانت هذه اللقاءات فرصة لمن هو مثلي من المهتمين بالشأن العام وبالسياسة كي يوضح ويشرح ما يراه في كثير القضايا الوطنية، وإذا قلت بأني أحسست بأن التيار يسري بشكل إيجابي بيني وبين السيد رئيس الجمهورية، ليس من باب التكافؤ في المراتب ولكن من باب التناغم في الرأي، فلست كاذبا.

المسار: يقال بأن رئيس الجمهورية لديه نظرة للحوار تختلف عن النظرة المعتادة للحوارات التقليدية حيث إنه يفضل أن يكون الحوار حوارا اجتماعيا أو حوارا ألصق بمشاكل المواطنين وقضاياهم منه بمشاكل النخبة السياسية وقضاياها، هل هذا صحيح، وما هو رأيكم الشخصي بخصوص هذه المسألة؟

محمد جميل ولد منصور: أولا للأمانة رئيس الجمهورية قال إنه ليس هو مصدر ما يذكر من قصة الحوار الاجتماعي وليس هو من أوعز بها. ثانيا رئيس الجمهورية يرى أن الحوار أو التشاور أو النقاش ضروري في هذا البلد، وأنا أعتقد أنه وحكومته والمنظومة السياسية التي يعمل بواسطتها سوف يقدمون على خطوات جدية في هذا المسار. متى وكيف؟ ذلك أمر هم من يستطيع تحديده، هذا ما ظهر لي من خلال تداولي الحديث معه.
فعلا بالتأكيد هناك تقويم ليس بذلك المستوى من الإيجابية للحوارات الماضية، وبالتالي فإن تكرارها لا يعتبر بالنسبة لهم هدفا، أو لا يعتبر هو الهدف الأفضل. من ناحية أخرى هم يعتبرون أن مبررات الحوارات التي تجري أحيانا في بعض الدول والتي تعكس وجود مشكلة كبرى: أزمة شرعية، أو شبه صراع أو حرب أهلية، غير موجودة، وبالتالي فهم لا يحبون القيام بحوار يعطي الانطباع بأنه من هذا النوع من الحوارات.
أما بالنسبة لرأيي أنا فأنا أعتقد أن ما هو موجود من مظاهر الانفتاح واللقاءات والأمور الرمزية مهم لكنه لم يعد كافيا، ولا يمكن أن يعاش به سياسيا في الفترة القادمة، بل إنه يمكن أن يتطور إلى مظهر غير إيجابي إذا لم يتطور نحو حوار سياسي. المصطلح ليس هو المهم في حد ذاته سواء سمي حوارا أو تشاورا أو ملتقيات، فالعربية أصلا من أغنى اللغات وأكثرها مترادفات، ولن يعوز إيجاد مرادف لهذه الكلمة، مع أني لا إشكال عندي في كلمة الحوار لأني أعتقد أن الكلمة لا يمكنها أن تربط بتصرف غير رشيد أو غير مناسب قيم به تحت شعارها في أي مرحلة من المراحل، وإلا فالديمقراطية اليوم التي هي مصطلح مستعمل متداول يستحسنه الجميع لا يحصى ولا يعد ما قيم به تحت شعاره من التفسيرات والتأويلات اللا ديمقراطية، وبالتالي فحوار سياسي هو حوار يتناول قضايا البلد الأساسية وهذا لا شك أنه أصبح متعينا، كما أنه من المتعين فعلا ألا يكون ذلك الحوار الذي يظهر أننا في مشكلة كبرى، وهذا ينبغي أن يكون واضحا لنا نحن السياسيين جميعا، فنحن لسنا في مرحلة نحتاج معها إلى مرحلة انتقالية، أو مؤتمر وطني لإعادة بناء الدولة، نحن لدينا بعض القضايا الأساسية، منها ما يتعلق بالوحدة الوطنية: كيف نحافظ على وحدتنا الوطنية؟ وكيف نرمم النواقص التي اعترتها؟ وكيف نجسد فعلا مواطنة متساوية تشعر بها مختلف مكونات وأعراق وفئات ومجموعات هذا الشعب؟ ومنها ما يتعلق بالحكامة بجميع معانيها، لأن الدولة الموريتانية تعاني بالقطع من مشاكل بنيوية ومن مشاكل عرضية في مجال الحكامة، سواء كانت هذه الحكامة بمعناها السياسي أو الاقتصادي أو الإداري، ولا شك أن التحاور بشأنها سيكون مفيدا، ونظريا لا يوجد خلاف بين أغلب الأطراف بخصوصها. ومن مقتضيات هذه النقطة التي من المهم أن تناقش، وفي الوقت المناسب، الورشة الديمقراطية أو الورشة الانتخابية، نحن الآن لسنا أمام انتخابات وشيكة، ولذلك من المستحسن أن يقوم الموريتانيون، والمؤسسات والأفراد المعنيون منهم بمناقشة الإصلاح الانتخابي الضروري، سواء ما يتعلق منه بالتقطيع الانتخابي، أو بالقوانين الانتخابية والآليات الانتخابية، كي نقطع خطوة باتجاه انتخابات شفافة حرة ونزيهة، فهذا هو الهدف الانتخابي في جميع الديمقراطيات السليمة. كل هذا تنبغي مناقشته.
وبطبيعة الحال من ضمن مواضيع الحكامة وما تعلق بها بالتأكيد السياسات الاجتماعية، ومحاربة الفساد الذي هناك اتفاق بين الجميع عليه نظريا، ومن المفيد لهم أن يتحدثوا لبعضهم البعض ويتعاونوا على قطع خطوات عملية نحو سياسات وخلاصات من شأنها أن تقترب من مطالب الرأي العام في محاربة الفساد. كل هذا يمكن أن يجري نقاشه بطريقة مسؤولة ومناسبة، وبطريقة لا يخرج بها عن المطلوب له من الحوار المسؤول المتوازن، ولا يكون بها شكليا متحكما فيه ولا قيمة كبيرة له، إذ لا بد دائما من التوسط في مثل هذا النوع من الأمور، وأنا على كل حال أتوقع وقوع شيء في هذا المجال، وأرى أنه على الجميع أن يتعاونوا حتى يقع بطريقة لا تكرر التجارب غير الناجحة في الحوار، ولا يحول الحوار إلى إشكال يوضع أمامه من العقبات ما لا يبقيه في حكم الممكن، فنحن في النهاية نعمل في المجال السياسي والمجال السياسي تحكمه قاعدة الإمكان.

المسار: ما هي مقاربتكم لمحاربة الفساد الذي تحدثتم عنه، وما هو تقييمكم لتقرير لجنة التحقيق البرلمانية والمسار الذي سلك؟

محمد جميل ولد منصور: موضوع محاربة الفساد شعار إيجابي وجدي، ولا شك أنه يمس الجانب الأكثر تأثيرا في الحياة العامة والاقتصادية والاجتماعية بصفة خاصة للمجتمعات النامية، وقطعا أن معاناة هذه الدول التي نحن إحداها من الفساد معاناة كبيرة، ومظاهر ذلك كثيرة في حياتها، ولذلك فلن يرفع أحد شعار محاربة الفساد إلا وجد اهتماما من الرأي العام، ومن الحادبين على البلد بحكم أنهم يعرفون أن الفساد هو أخطر داء تعاني منه هذه المجتمعات وهذه الدول التي نحن من ضمنها. هناك سياستان في مجاله أعتقد أن إحداهما خطيرة، والأخرى يمكنها أن تترتب عنها كذلك ردود فعل خطيرة، الأولى سياسة التعايش معه والخضوع له واعتبار ذلك جزءا من الواقعية، وهذا موجود بحكم أنه منتشر انتشارا وله من النفوذ وتشابكه بين الخاص والعام شديد وبين الداخل والخارج، وبالتالي يعتبر البعض أنه من الواقعية معايشته والتعايش معه وهذا خطير لأنه يمنحه مزيدا من القوة، ومزيدا من الاستعصاء في أذهان الناس باعتبار أنه لا تمكن مواجهته. والنظرة الأخرى هي النظرة المثالية التي تعتقد أن محاربة الفساد يمكنها أن تقع بين عشية وضحاها وبقرار وبإرادة فردية من المسؤول الأول في الدولة مثلا، قطعا تلك الإرادة مهمة وأساسية، لكن محاربة الفساد تقتضي مستوى كبيرا من المبدئية في الموضوع وكذلك قدرا كبيرا من الواقعية والتدرج والمنطقية في طرق الأبواب المختلفة المتعلقة بمحاربة الفساد، ففي محاربته ما لا يناسب فيه إلا الفورية نظرا لشدته وخطورته وآثاره وعنجهية أهله، وفيه ما يمكنه أن يقع على سبيل التراخي بحكم الإمكان في التعامل معه. إذا توفرت الإرادة السياسية لمحاربة الفساد والمنظومة القانونية الحامية لمحاربة الفساد، والسياسة الإعلامية المواكبة لمحاربة الفساد والقادرة على تسويقها بالشكل الجيد ويحصل التعامل معهم انطلاقا من هذه الثنائية المركبة: بعضه على سبيل الفورية وبعضه على سبيل التراخي، فأعتقد أننا سنحرز تقدما ملموسا في مجال هذا الموضوع، وسنرى أن أي نسبة من المحاربة الجدية للفساد ستنعكس على حياة الناس وعلى التنمية وواقع البلد، فقد رأينا بلدانا إمكانياتها متواضعة استطاعت أن تنفذ سياسة إدارية واقتصادية كانت محاربة الفساد عنصرا جوهريا فيها فعاد ذلك إيجابيا على وضعيتها وعلى حال شعبها وحال التنمية فيها.
فيما يتعلق بموضوع لجنة التحقيق البرلمانية أنا من بين من يرون أنها سابقة متميزة تستحق الإشادة في التاريخ البرلماني والرقابي في البلد. هذا لا يعني أن عملها لا يتضمن أي نواقص، ولا أنه في بعض الأحيان في طريقة تخير الملفات أو في طريقة التحقيق لا تقع أمور قد يكون هناك ما هو أنسب منها، كما لا يعني أن ما قامت به جاء على وفق الصورة التي كانت متوقعة ومطلوبة بشكل تام، ولكن مع ذلك لا شك أنها قامت بعمل جليل وكبير في فترة زمنية وجيزة وفي واقع غير متعود على مثل هذا العمل، وأنا أتذكر أنه مع بداية تشكيلها كان الجميع يشككون فيها ويقولون بأن عملها لن يكون، وإذا كان لن يكتمل، وإذا اكتمل لن يخرج، وإذا خرج سيكون ضعيفا، ومع ذلك أنجز التحقيق وصدر وتداوله الناس، وحكم عليه أغلب الناس بأنه عمل إيجابي كبير، ولم تعد الملاحظات المسجلة عليه على أصله بالنقض والحمد لله، ولذلك أنا أعتبر أنها خطوة كبيرة، كما أعتبر أن تعاطي السلطات معها أيضا مؤشر إيجابي فيما يتعلق بالعلاقة بين المؤسسات. من المستحسن ألا تكون اللجنة البرلمانية اليتيمة، ومن المستحسن ألا تكون المواضيع التي حققت فيها يتيمة، لأن التحقيق البرلماني من أهم الآليات التي يحارب بها الفساد، ومن أهم الآليات التي تحول التسيير العام إلى موضوع للنقاش العمومي، وهذا مهم إذا شعر به الناس، وشعر المسؤول بأن أمامه برلمان يتابعه ويمكنه غدا أن يحقق في تسييره، ويحيل ملفه إلى القضاء في لحظة من اللحظات، هذا سيحجز المسؤولين عن كثير من الأمور، وسيلعب دورا ردعيا قطعا أنه مهم، ولذلك يستحق البرلمان وتستحق لجنة التحقيق البرلمانية التهنئة على هذا العمل الذي يعتبر حقيقة سابقة برلمانية مهمة. تابعت نقاشا وجدلا حول لجنة التحقيق البرلمانية ومدى مصداقيتها ومصداقية أعضائها، وهذا يمكن أن يقال فيه ما قيل بحكم الانتماءات السياسية لأفرادها سواء بالنسبة لها كأحزاب أو بالنسبة لها كتوجهات وكعلاقات لبعض أفرادها بالنظام السابق، كل هذا يمكنه أن يقال إلا أنه عادة في مثل هذا النوع من التحقيقات ينظر إلى التحقيق أكثر مما ينظر إلى المحقق، ما قاموا به ينشغل به الناس ويدققون في النواقص التي اعترته أكثر من انشغالهم بالأشخاص ومواقفهم التقليدية، وأنا أرى أنهم سجلوا نقطة مهمة في تاريخهم البرلماني والرقابي والسياسي أيضا.

المسار: ثار جدل بعد لقائكم برئيس الجمهورية، وقد حدث هذا مرات عديدة بسبب مواقف أو تصريحات معينة منكم، نود أن نعرف ما هو موقعكم الحالي في حزب تواصل، وما هي العلاقة التي تربطكم اليوم بالحزب وأجهزته الرسمية، وبم تفسرون هذا الجدل الذي يثور حول بعض مواقفكم من حين لآخر؟

محمد جميل ولد منصور: أنا الآن رئيس لجنة النصوص في مجلس الشورى الوطني للحزب، وليس لي أي دور في الأجهزة التنفيذية الحالية للحزب، وأحيانا تكون لدي ملاحظات بعضها يتعلق بالشأن الداخلي وبعضها يتعلق بالشأن الخارجي على أداء الحزب، أقلها هو الذي أعبر عنه، وأعتقد أن هذا مظهر محمود في الأحزاب ينبغي لها أن تتعود عليه، هناك قاعدة مشهورة أن الجماعة، أي جماعة كانت حزبا أو منظمة تصادر الموقف ولا تصادر الرأي، والصحيح أنها تصادر الفعل ولا تصادر الرأي، أي أنه لا ينبغي لأحد على مستوى الممارسة أن يقوم إلا بما تم الاتفاق عليه، أما الرأي داخل الأحزاب فالتعددية فيه معروفة في جميع الديمقراطيات في العالم، وقد تكون فيها أيضا تيارات متعددة، وهذا لا يضر، ما دام أعضاؤها يديرون الموضوع بالحوار، ويتفهمون معنى المؤسسية الديمقراطية، ويميزون بينما هو قرار جماعي وبينما هو رأي. لقد ثارت ضجة لأن البعض لم يتفهم أن شخصية من حزب معارض كان رئيسا سابقا لهذا الحزب يقوم بالالتقاء برئيس الجمهورية، وهذا ناتج عن الوضع الذي كانت فيه البلاد في المراحل الماضية من حيث العلاقة بين المعارضة والسلطة سواء بالنسبة للمعارضة كمؤسسات أو بالنسبة للمعارضة كأشخاص، فاللقاء مع رئيس الجمهورية لا ينبغي أن يكون إشكالا في حد ذاته، لأنه رئيس لجميع الموريتانيين ويمكنه أن يستدعي أحدًا أو يطلب أحد لقاءه بناء على معطيات يعتقد أنه يمكنه أن يفيده فيها برأي أو يستفيد منه فيها برأي، وبالتالي فلا حرج فيه، خصوصا إذا صرح صاحبه كما كنت أفعل دائما بأنه لقاء بصفة شخصية وليس بصفة حزبية، لا ألزم أحدًا به ولا أمثل أحدًا فيه، وهذا أعتقد أنه يكفي.
قد يأتي الجدل بما هو أكثر من ذلك ولكنه يظل عاديا ومتفهما سواء من حيث الطريقة التي يقع بها أو من حيث الجهة التي يصدر عنها، وأنا أعتقد أن الموضوع جزء من الحيوية والنقاش الذي يقع في حزب تواصل والذي قطعا ستكون له مآلاته من حيث توسيع دائرة الحوار والنقاش وتعدد الآراء فيه. وعموما هؤلاء الرؤساء السابقون لديهم حالة من حالتين: الحالة الأولى أن ينسحبوا ويتخلوا عن الشأن العام، وهذا خيار أفهمه إذا اجتمع له أحد شرطين: أن يكون قد تقدم به العمر تقدما يبرر ذلك، أو أن يكون قد تقدمت له مرحلة من قيادة البلد، وليس مجرد قيادة حزب أو منظمة، وفي غياب الشرطين يجب أن يبقى للرؤساء السابقين دور، أحيانا استشارة وأحيانا تكليف بمهام وأحيانا اهتمام بالشأن العام، وبالتالي لا أرى إلا أن لقاءهم مع رئيس الجمهورية أمر طبيعي يسمح لهم بالتداول في الأمور المهمة، أنا كشخص لي عقود من الاهتمام بالشأن العام، ولدي تراكم من الاهتمامات والعلاقات والصلات، وهذا ليس أمرًا يمكن للمرء أن يتخلى عنه بين عشية وضحاها، ولذلك أرى أن ما يدور حول هذا الموضوع من الحديث مع أنه لم يخرج عن حجمه المعتاد بعضه لا لزوم له.

المسار: هل أنتم من جهتكم راضون عن الحزب وعلاقتكم به وبأجهزته؟

محمد جميل ولد منصور: لا أستطيع القول بأني راض عن أداء الحزب لأنه لدي عليه ملاحظات، لكنها لا تعود على جوهر العلاقة وجوهر الصلة وجوهر الثقة بالنقض، أما الملاحظات فهي موجودة.

المسار: هل يمكنكم أن تذكروا لنا أبرزها؟

محمد جميل ولد منصور: نحن في موريتانيا صبرنا محدود، والأحزاب السياسية من أقل هيئاتنا صبرا، ولذلك أفضل دائما الاحتفاظ بتلك الملاحظات فيما بيننا، وما بات الحديث عنه ضروريا منها فقد أعبر عنه أحيانا في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا أريد أن تثيروا لي الآن ضجة جديدة بذكر بعض هذه الملاحظات علنا، وأعتقد أنكم تفهمونها.

المسار: بم تردون على من يقولون إن جوهر ما تختلفون فيه مع تواصل راجع إلى ما يعتبره البعض "تغزونكم" في حين أن حزب تواصل يوجد في موقع المعارض؟ هل هذا حقيقي؟

محمد جميل ولد منصور: أنا رأيي في الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وحكمه عبرت عنه ولم أكتمه، وليس سرا، وقد قلته له وسمعه وأعتقد أنه تفهمه، أذكر أني قلت له مرة: السيد الرئيس أنا تفرست فيكم أمرًا وهو أنكم لن تكونوا ثورة على ما سبقكم ولن تكونوا امتدادا له، فمن بحث عنكم في إطار الثورة على النظام السابق فلن يجدكم، ومن بحث عنكم في إطار كونكم امتدادا له فلن يجدكم أيضا، لكن يمكنه أن يبحث عنكم فيما بين هذين الخيارين.
أما الحزب فأعتقد أن منسوب الهدوء والتوازن في خطابه السياسي قد زاد في الفترة الأخيرة، وهذا يسجل له، ولست وحدي الذي يرى هذا الرأي من أهل الحزب فكل الآراء موجودة فيه، وهم يناقشون كل ذلك وما يتوصلون إليه في التحليل النهائي هو الذي يعملون به. أنا فعلا من الذين يرون أن المعارضة بالمعنى الحدي لم تجد بعد مبررها، المعارضة بمعنى الوضع القانوني لمجموعة معينة، أو بمعنى أن هذه المجموعة تستطيع أن تنتقد سلوك النظام وأن تعتبر نفسها معارضة له هذه معقولة، أما المعارضة الحدية التي كانت هي السمة الغالبة في الفترات الماضية فلم يوجد بعد ما يبررها، لا من الناحية الزمنية، ولا بالنظر إلى مستوى أخطاء النظام، ولا من حيث مستوى المطلوبية التي يجب أن نعبر عنها في المرحلة الحالية، وأنا قلت لهم مرة واعتبرها البعض تزلفا أني ألاحظ أننا كنا في الفترات الماضية ننتقد الأنظمة بتعداد ما قامت به من المساوئ، والآن أغلب المعارضين بما فيهم أولئك الأكثر تشددا إذا هموا بانتقاد النظام يقولون: لم ينجز، ولم ينجز، ولم ينجز.. هذه هي صفة النقد التي أصبحت غالبة اليوم، وهذا يدل على أن من يُنتقد بأنه لم يقم بعد بالمطلوب أفضل ممن يُنتقد بأنه يقوم بما يخالف المطلوب، وهذا يحسب له.
وعلى كل حال عموما ليس هناك خلاف جوهري أو مبدئي بيننا في تواصل، هناك تقديرات سياسية تتباين فيها الرؤى أحيانا وتتقارب أحيانا، وأنا عبرت عن صيغة نظرتي للنظام الحالي بأني فعلا كنت أحمل ذلك الأمل وما زلت أحمله. رأيت بالتأكيد خطوات إيجابية تحققت ورأيت خطوات سلبية حدثت، وقناعتي أن رأس النظام أي رئيس الجمهورية يملك الإرادة للقيام بعمل صالح، ويتوفر على وضوح الرؤية للقيام بذلك بصفة عامة، وتبقى الأمور الأخرى وهي التي يمكن أن يحسب عليها ما يشاهد من مظاهر الارتباك أو الخطإ في إدارة الشأن العام، وهذا إذا كان يسمى "تغزونا" فهو هو، وإذا كان لا يسمى "تغزونا" فليس هو إذن.
وعموما أعتقد أن هذه العبارة يمكنها أن تستعمل في وسائل التواصل الاجتماعي لكن لا أعتقد أنها دقيقة في التعبير عن المواقف السياسية، لأنها تشخصن المواقف، وتتخذ نمطا معروفا في الدعاية يسبب الحرج ويسبب الحذر، ولذلك فأنا أفضل الحديث العام عن طبيعة توجه السلطة وتقويم ما أنجزت عن الحديث عن متغزونين وغير متغزونين.

المسار: هل أنتم ممن يرى أن تشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة انفتاح سياسي يخدم المرحلة؟ وهل أنتم مستعدون، كشخص أو كحزب، للمشاركة فيها؟

محمد جميل ولد منصور: على كل حال الوضعية التي فيها البلد وخصوصا مع الفترة الزمنية التي وصلنا إليها كلما اتسعت دائرة الحزام السياسي للحكومة كان ذلك لمصلحتها، ينبغي أن نعرف أننا في التحليل النهائي في بلد السياسة فيه تمارسها الأحزاب، وكلما اتسع الحزام السياسي لهذه الممارسة كان ذلك أقرب لمزيد من الاطمئنان، وكانت فرص الإنجاز أكثر، لأن التعددية الحزبية في الحكومات تضفي عادة مستوى من التنافس، أنا أتذكر أني طرحت على رئيس الجمهورية الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه الله تعالى في نقاش معه، عندما كنا نستعد للمشاركة في الحكومة، إشكالية وحدة العمل الحكومي، وإشكالية وجود مكونات في الحكومة قد يكون للرأي العام منها موقف سلبي، فقال لي إنه عايش تجربة مماثلة في النيجر حيث شاهد حكومات ائتلافية رغم فكرة التضامن الحكومي كان الناس يحكمون على أعضائها بحسب انتماءاتهم الحزبية، أولئك لديهم وزارة كذا، وأولئك لديهم وزارة كذا، ويقيمون أداءهم على ذلك الأساس، فيحسب لصاحب كل وزارة حزبيا ما حقق من أداء، وهو في نفس الوقت أداء للحكومة، مما يدل على أن الحكومة الائتلافية قد تخلق مستوى من التنافس الإيجابي داخل الحكومة، ولذلك فأنا أرى أنها تبقى خيارا واردا، لا أعرف تقدير السلطات حاليا للموضوع ورأيها فيه، ولكني أعرف أنه في المرحلة القادمة يمكنه أن يكون من الخطوات التي تضفي مزيدا من التناغم ومن توسيع دائرة الحزام السياسي المفيد للحكومة، سواء كان ذلك شاملا لأوسع دائرة ممكنة من الأحزاب السياسية أو لمستوى أضيق.
وفي الحقيقة للأمانة لا أعرف موقف حزب تواصل من الموضوع لأني لست في موقع يسمح لي بمعرفته، كما لا يسمح لي بالتعبير عنه إذا كنت أعرفه، ولذلك يمكنكم أن تسألوه هو عن موقفه من ذلك إن شئتم، وعلى كل حال فأنا أدرك أن الحكومة وتشكيلتها رسالة، فالرأي العام إذا رأى حكومة جادة، حكومة معظم الأوجه التي فيها تبعث على الاطمئنان، حكومة متوقع منها بطبيعة تشكيلتها أن يكون أداؤها أكثر فعالية في الملفات المهمة عند الناس، فإن الأمر يختلف عن رؤيته للعكس، ولذلك فهي رسالة مهمة. ودون أن أحكم على الحكومتين اللتين تم تشكيلهما حتى الآن حكما معينا فلا شك أن هناك حاجة لحكومة أكثر إقناعا على الأقل في بعض مستوياتها وبعض عناوينها، علما أن هذا الموضوع من المواضيع التي يكون لنا فيها رأي وملاحظات عامة، ولكن الرئيس هو أهم من تتجمع لديه معظم الملاحظات ومصادر المعلومات ذات الصلة، وبالتالي فهو الأقدر على تقويم الموضوع بصورة أفضل، وتحويله إلى قرار عملي إن اقتنع بذلك.

المسار: مواضيع ثلاثة نحب أن نسمع رأيكم فيها: الرق، ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، علاقات البلاد الخارجية؟

محمد جميل ولد منصور: بالنسبة لموضوع الرق، هذا الموضوع مثل في الفترات الماضية عنصرا أساسيًا لقدر من النقاش والجدل، وأنا في الحقيقة من المقتنعين بأنه ليس موضوعا مصطنعا، ولا متكلفا. نحن نتكلم عن قضية ما زالت لممارستها بقايا، صحيح أنها قلت، وأن كثيرا منها مخفي، وفي بعض الأطراف، وهناك أيضا كثير من مخلفاتها وآثارها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والمعنوية، وهو موضوع يستحق أن يتحول من اهتمام لدى بعضنا إلى اهتمام لدينا جميعا، وأنا كنت قد شهدت مشهدا في الجمعية الوطنية حصل فيه الإجماع على قانون تجريم الاسترقاق في عهد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه الله، أعتبر أنه مشهد مهم ومفيد.
قد يركز على هذه القضية بعضنا أكثر من بعضنا، وقد ينساها بعضنا مع الأسف في بعض المناسبات، لكنها تستحق أن تكون قضيتنا جميعا، ويجب ألا يثقل علينا إذا طرحها أحد طرحا خصوصيا أو حتى مبالغا فيه. صحيح أنه يضرها أمران: التجاهل والإثارة، التجاهل ويتمثل في اعتبار البعض لموضوعها أنه أصبح جزءا من التاريخ ولم يعد موجودا إلا لدى بعض المتاجرين به، وهذا خطاب خطير لأنه يتجاهل قضية حقوقية واجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية مؤثرة على البلد وعلى انسجامه، وعلى تحقق المواطنة المتساوية فيه، وبالتالي فالتجاهل خطاب خطير. أما الإثارة فهي المبالغة ، وهي عدم تقدير أنه وقع تطور في الموضوع، وعدم تقدير أن هناك شبه إجماع نظري على الأقل على الموقف الرافض لهذه الممارسة ومخلفاتها، والإثارة أيضا هي معالجتها بخطاب فيه نفَس إثارة أو انتقام، لأنه لا أضر على الظواهر الاجتماعية من خطابات الإثارة والانتقام. معنى هذا أن الموضوع ينبغي أن يطرح، ويستحق أن يطرح، ولا بد أن يطرح، وينبغي أن نكون صرحاء فيه، وأن نبتعد عن خطاب الاتهام والتخوين فيه، في الوقت الذي نكون فيه حريصين على أن نسير به بطريقة تسمح لنا بأن نتجاوزه معا جميعا.
وبالنسبة لي أنا فإني أرى أنه مهما بالغ البعض في هذا الموضوع فإن حجم الظلم التاريخي، وخطورة البقايا المتبقية، وحجم الآثار والمخلفات الموجودة، يجعله موضوعا يستحق أن يبقى حاضرا بصورة دائمة في النقاش العمومي، وحاضرا في التقنين الذي يقضي عليه، سواء من خلال مزيد من تطبيق القوانين التي سنت للقضاء عليه، أو من خلال مزيد من العمل الإعلامي والتوجيهي، وقطعا أن هناك مدخلا فيه نقص هو المدخل الشرعي في التعاطي مع الموضوع، فما يزال هناك بعض مكونات المشهد الشرعي يتحرج من الموضوع أو يتوجس منه أو يتردد فيه، وأنا من المقتنعين بأن الدين الإسلامي في المجتمع الموريتاني مركزه كبير، وأنه بخطاب التحرير المنطلق من الخلفية الدينية والشرعية بإمكاننا أن ندفع بهذا الموضوع إلى الأمام دفعة كبيرة، وهذا يحتاج إلى مستوى كبير من عدم التردد والحسم بأن الدين لم يأت بالرق، وليس جزءا منه، ولا يحب أن يستمر، والشارع يتشوف للحرية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، هذا يجب أن يتضح للناس فكثير منهم يظن أن الرق جزء من الشريعة وعليه أن يبقى كما تبقى الشريعة، ويختلط عليه أن الشريعة أحيانا تحدد أحكاما للتعامل مع ظواهر دون أن تكون تلك الظواهر جزءا من كينونة الشريعة أو أهدافها أو مقاصدها.
بالنسبة للموضوع الثاني الذي هو موضوع ماضي انتهاكات حقوق الإنسان أو موضوع الوضع العرقي والثقافي واللساني في البلد فهذا الموضوع بدوره يعاني من هذين النمطين (نمط التجاهل ونمط الإثارة) في الطرح، نحن مجتمع متعدد بغض النظر عن النِّسب: متعدد عرقيا، متعدد فئويا، متعدد لسانيا، مجتمع في فضاء إقليمي يعزز ذلك التعدد، وذلك التنوع بحكم الحدود الجنوبية والشمالية والشرقية، وهذه ميزة على مجتمعنا أن يحولها من تحد إلى فرصة، فبدل أن تكون مشكلة تكون فرصة لإظهار إمكانية وجود مجتمع متعدد وفي نفس الوقت موحد، متنوع وفي نفس الوقت منسجم، صحيح أنه وقعت في تاريخنا عدة أمور ثقيلة، تسببت في شرخ عميق في الانسجام الوطني، ومثلت الدولة فيها للأسف عنوانا لمجموعة من المآسي في مرحلة معينة، خصوصا المرحلة الممتدة من 1989 إلى نهاية 1991. هذه المآسي كان تأثيرها قويا فقد وقع فيها الإبعاد ووقع فيها القتل والتشريد وكل أنواع الإضرار بمكونات عرقية من هذا المجتمع، وخصوصا المكون البولاري، وهذا ترتبت عليه ملفات كثيرة مطروحة، قطعت بشأنها خطوات في الماضي دشنها الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمة الله عليه باعتذار الدولة، وفتح ذلك الملف، واستمرت بعده في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ونحن نحتاج قطعا إلى جبر هذه المظالم. أنا لا أرى أن يفتح الموضوع بطريقة من شأنها أن تجعل علاجه غير ممكن، فنحن مجتمع حساس، وهذا قريب، والتجارب المثيلة يجب أن نستلهم منها الدروس، ولكن مع هذا لا بد من جبر هذه المظالم جبرا حقيقيا يترتب عليه اطمئنان حقيقي من مختلف المكونات، ويفتح المجال أمام المواطنة المتساوية. وهنا لا يمكن لأي أحد إلا أن يلتمس من أصحاب الخطابات القومية سواء في المجموعة العربية أو في المجموعة الزنجية أن يدركوا أن البلد تأثر تأثرا قويا طيلة الفترات الماضية بصورة سلبية بالخطاب الانقسامي، وأنه يمكن للشخص أن يعتز بقوميته، وفي نفس الوقت يغلب في خطابه معاني التعايش والتفاهم ومعاني التنازل المشترك بينه وبين إخوته الآخرين، وأنا أعتقد أنه رغم ما وقع من المآسي فهناك مستوى لا بأس به من الاستعداد عند مختلف المكونات اليوم على أن تلك الصفحات من التاريخ يجب أن تنال حقها من جبر المظالم، وأن أهلها يجب مع جبر مظالمهم أن يشعروا أن مكانتهم في وطنهم محفوظة على كافة المستويات: حقوقهم الثقافية، وحقوقهم اللغوية، وحقوقهم الاجتماعية، وحقوقهم الاقتصادية، وحقوقهم السياسية، كي يتسنى لنا بعد ذلك فعلا أن نتحدث عن مجتمع واحد ودولة واحدة وشعب واحد بدل مكونات متعددة. لست من أولئك الذين يصلون إلى مستوى التقنين في هذا المجال، وأرى أن تقنين التعدد الذي يؤدي إلى تقنين المحاصصة قد تأكد ضرره في كثير من المجتمعات ولم يحل الإشكال، ولكني مع استصحاب معنى تعددنا الثقافي والعرقي في كل المظاهر العامة المتعلقة بالدولة شكلا ووظائف ومؤسسات وخطابا وإعلامًا إلى آخره، الاستصحاب بدل المحاصصة وبدل التجاهل أعتقد أنه أمر جوهري وملف مهم ولذلك يستحق أن يكون أهم مواضيع التداول الوطني فيما يتعلق بوحدة الموريتانيين ومساواتهم. بعض الناس شديد الاهتمام بالوحدة وخطاب الوحدة، ويعتقد أن أي خطاب يطرح هذه القضايا سيقسم الموريتانيين، الوحدة إذا لم تكن على أساس العدل والمساواة فلا مستقبل لها، أنا أعرف أن العدل يتضمن المساواة لكن العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه والمساواة هي إحساس جميع المواطنين بتساويهم في وطنهم وبتساويهم أمام القانون وتساويهم أمام الفرص المتاحة، هذا إذا تحقق فستتحقق الوحدة، أما الوحدة المفروضة بالقوة أو بالترضية فقد تنجح بعض الوقت لكن لا مستقبل لها ولا آفاق.
وبالنسبة لموضوع العلاقات الخارجية لموريتانيا وحالتها الديبلوماسية هذا الموضوع من المسائل الحساسة في البلد، والبعض يرى أن الحديث فيه لا ينبغي، وأنه من صلاحيات رئيس الجمهورية، مع أن كل شيء من صلاحياته وصلاحيات الحكومة، لكننا نحن نقوم الأداء العام جميعه، وقطعا أن موريتانيا لديها تاريخ يؤكد أنها في مجال الديبلوماسية والعلاقات الخارجية عليها أن تحافظ على خط يتمثل في السعي للعلاقات الإيجابية مع الجميع، والابتعاد عن المحاور، والتركيز على ما يعود على البلد بالمصلحة مع دعم قضايا الأمة الأساسية والوقوف معها، نحن لدينا قضية هنا في الشمال تتمثل في النزاع الدائر في الصحراء الغربية، وموريتانيا بعد فترة طويلة عرفت أنها لا تستطيع أن تفعل شيئا غير الحياد الإيجابي، بغض النظر عن كون هذا الحياد الإيجابي موقفا صحيحا أو غير صحيح، منسجما مع المعطيات التاريخية أو غير منسجم معها، لأن موريتانيا التي دخلت الحرب والصراع وكانت لها عدة مواقف في عدة محطات لا تستطيع غيره، ومهما وقع من الصراعات ومهما وقع من تغير في ميزان القوى في المنطقة بين هذا الطرف وذاك فنحن لا نملك إلا الحياد الإيجابي ويجب أن نستمر فيه، ولا ينبغي لأي طرف أن يطلب منا شيئا فوقه، ومن طلبه منا فقد ظلمنا أو أحرجنا في الحد الأدنى، وبجوارنا دولتان كبيرتان شقيقتان وهما المغرب والجزائر عليهما أن تتفهما ذلك.
ومن حولنا كثير من الأزمات الإقليمية ويجب أن نكون حريصين على أن نكون جزءا من الحل، لا أستطيع أن أقول إنه بإمكاننا تبني سياسة سبق وأن طرحها وزير خارجية تركي سابق تُدعى 0 مشاكل، لكنني أقول بأننا نحتاج لأن نكون مصدرا لعدم المشاكل، ولأن نكون مصدرا للحل فوضعنا الديمغرافي وموقعنا الجغرافي يسمحان لنا بالدور الإيجابي في كثير من الملفات، كما أنهما يسمحان لنا أيضا بالدور السلبي مثلما فعلنا في بعض اللحظات مع الأسف، لكن الدور الإيجابي هو الأساس ونحن قادرون على تبنيه في هذه الملفات الموجودة، أنا ممن يعتقد أن دول تجمع الساحل الخمس ليس خطوة سلبية، وأنها جزء من الاستحقاقات الجيوستراتيجية في المنطقة بالنسبة لموريتانيا والدول المشاركة فيه لكن الأمر يحتاج إلى قدر كبير من الحذق خوفا من تداخل الأبعاد الدولية والإقليمية فيه، وخوفا من المترتبات الأمنية ذات الكلفة الزائدة بالنسبة لبلد كبلدنا التي يمكنها أن تترتب عنه، لكن إذا نظرت إلى الخريطة وإلى دول الساحل الخمس فستلاحظ موضوعيا أن السينغال لا يمكنها أن تكون خارجه بحال من الأحوال وهي إلى الآن ليست فيه.. هو استحقاق جغرافي إذا سير تسييرا جديا واحتيط فيه من الأخطاء المألوفة في مثل هذا النوع من الملفات خصوصا في تداخل الأبعاد الدولية والأبعاد الإقليمية فيمكنه أن يكون مهما وذا نتيجة كبرى على البلد والمنطقة.
عموما نحن لا نتحمل سياسة المحاور، وليست في مصلحتنا، وقد حبانا الله بأن أهل الخليج على ما يبدو بدأوا عملية مصالحة فيما بينهم فمن المستحسن لنا أن نعود إلى وضعيتنا الطبيعية وهي علاقات إيجابية وجيدة مع كل الأشقاء، وفي هذه الحالة مع كل الأشقاء الخليجيين، وبصفة محددة مع القطريين الذين قطعنا معهم العلاقات بدون مبرر في تصوري، وهكذا نرجع إلى علاقات متوازنة مع جميع الأطراف ولا نقبل أن نكون جزءا من سياسة محورية، فالرؤية الديبلوماسية السليمة لا تقبلها، والمصالح رغم ما يمكن أن يقال عنها في التحليل النهائي لا تقبلها، ونحن في غنى عن كلفتها. ونفس الشيء يقال عن السياسة الدولية، فقد أعطانا الله أن العمل الخارجي سيجد الآن نفسا مع المتغيرات التي حدثت في الإدارة الأمريكية عندما تخلص العالم من اترامب، وبالتالي سيقع مستوى من الانفراج التلقائي. أنا لست مغفلا وأعرف أن الإدارة الأمريكية لن تغير جميع سياساتها ولا ذلك الجوهري منها، لكني أعرف أن جوا من السكينة والكياسة والعقلانية فيما سيقع من السياسة سيخيم على العالم، وقطعا لا يمكنني إلا أن أقول إنني مرتاح لانتهاء موجة التطبيع الماضية دون أن تدخل فيها موريتانيا، هذه الموجة التي عمل اترامب على فرضها هنا وهناك، ونحن دولة تتوفر فيها عناصر الضغط عليها خارجيا عادة وقد سلمنا من ذلك والحمد لله ونرجو أن يستمر هذا، لا يعنينا إن كانت الإمارات قد طبعت، أو البحرين أو السودان أو المغرب فذلك قد وقع في تلك الموجة، والحمد لله على أننا سلمنا منه، هذا شيء سبق وأن مرت عليه موريتانيا ولم تجن منه إلا الويل والصورة السلبية، وحتى النتائج التي تبتغى من ورائه أصلا لم تحصل عليها في تلك الفترة. وأنا أجد أنه من المطمئن بالنسبة لي أني لم أر خطوة قطعت باتجاهه في فترة الضغط فمن باب أولى في هذه الفترة التي لا يتوقع أن يقع فيها، وبالتالي أحس بمستوى من الاطمئنان في هذا المجال، مع أن العالم فيه والحمد لله ما يغنينا عن الكيان الصهيوني، علاقتنا مع العالم كله يجب أن تكون طيبة وممتازة، وليست لدينا أي مشكلة لا مع اليهود ولا مع النصارى ولا مع المسلمين ولا مع اللادينيين، العلاقات الديبلوماسية مع الجميع ليس فيها أي إشكال إلا تلك المتعلقة بالكيان الصهيوني، لأنها إشكال مبدئي، وإشكال أخلاقي، وإشكال مصلحي، ولا يوجد أي شيء يمكن أن يدفع إليها.

المسار: شكرا جزيلا.