الأربعاء
2024/04/24
آخر تحديث
الأربعاء 24 أبريل 2024

محمد محمود ولد بكار للقلم: النخبة السياسية الحالية المتحكمة في البلد ليس لديها جديد وعليها ترك المجال لنخبة جديدة(نص المقابلة)

11 مارس 2021 الساعة 09 و01 دقيقة
محمد محمود ولد بكار للقلم: النخبة السياسية الحالية (…)
طباعة

أجرت جريدة القلم الناطقة بالفرنسية مقابلة شاملة مع الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار.
العلم تعيد نشر هذه المقابلة التي هذا نصها:

سؤال:
وضعت الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان خارطة طريق في سبيل حوار سياسي. ما هو انطباعكم حولها؟ وهل المواضيع التي تثيرها الخارطة تبدو لكم ملحة؟
جواب:
أولا، لم يتحدث أحد عن الحوار، بل وردت كلمة تشاور، والتشاور لا يحمل شحنة الحوار الذي تكون نتائجه الزامية للأطراف وتحمل شرعية سياسية واسعة وصلبة. لم أفهم الخوف من كلمة الحوار، وربطه في أذهاننا بالأزمة بقدر ما هو مرتبط بتوكيد الثقة والتفاهم ورسم خطوط التوافق الوطني. خريطة الطريق من اختصاص أصحاب المبادرة، لكن المهم خلق الفرصة لمشاركة الجميع ما دام الأمر وطنيا وسينعكس على الجميع .
سؤال:
عرفت الدولة حوارات سياسية منظمة بين النظام والمعارضة غير أن أهم مخرجاتها تم تجاهلها من قبل الحكومة. هل تعتقدون أن الحوار المزمع حاليا سيعرف مصيرا مغايرا للحوارات السابقة؟ وأي حظوظ تمنحونه في حين أن رئيس الجمهورية وحكومته يفضلون، حتى الآن على الأقل، الحوار الاجتماعي أو المشاورات مع الفاعلين السياسيين في القصر؟
جواب:
الحوارات الماضية خلقت تراكما في إصلاح المسار وردم هوة التمايز، نحن لدينا ترسانة قانونية ضخمة تتضمن أغلب الحلول لمشاكلنا السياسية والاجتماعية، وكل ذلك بفضل الحوارات السابقة، وعندما توجد إرادة وطنية صادقة فستجد أن قدرا كبيرا من القضايا تم حسمه من الناحية الجوهرية وأننا فقط بحاجة لتحسينات ولتفعيل القوانين. المشكلة في تطبيق القوانين أساسا.
أما بالنسبة لهذا الحوار، فإن أرضيته رائعة في ما يتعلق بمستوى الثقة بين الفرقاء، وبالتالي لسنا أمام نزال سياسي ولا سباق حول مكاسب ذاتية على حساب الطرف الآخر، فالكل هنا يريد المصلحة العليا للبلد، وبهذا سيكون هذا الحوار مميزا.
سؤال:
الحوار لا يعني، حتى الآن، إلا الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان. ألا يترك هذا الحوار الكثير من الأحزاب والحركات على القارعة؟ ما هي في نظركم القضايا العاجلة وذات الأولوية التي سيسويها الحوار حاليا؟
 
جواب:
أةلا، لا معنى لحوار مغلق، والنخبة الموجودة حاليا في الساحة ليس لديها أي جديد. لابد من فتح الطريق أمام الأجيال الجديدة لتعبر عن طموحها للبلد. الكثير من الآراء الرائدة غير موجودة عند رواد المشهد، فقد اختفى وابتعد الكثير من هؤلاء بسبب الرداءة التي تسيطر على المشهد والتي تناسب الأنظمة السابقة، وهكذا يجب إشراك الجميع. ثانيا، أهمية الحوار في أمرين: حجم المشاركين والقضايا المطروحة على الطاولة. فقوة المخرجات وشرعيتها السياسية والاجتماعية مرتبطة بذلك خاصة عندما نريد إحداث تغييرات سابقة لأوانها في بعض الأمور. القضية الأساسية بالنسبة لي هي التعديلات الدستورية خاصة بالنسبة لإعادة بناء وتحيين الجهاز التشريعي (إعادة الغرفة العليا التي ستخلق التوازن داخل هذه الهيئة) وتقليص عدد النواب، فهذه الغرفة شعبوية وتضم الكثير من عديمي الفاعلية، والرجوع عن المجالس الجهوية التي أثقلت المسار الانتخابي وضغطت على دور وصلاحيات السلطات المحلية لمصلحة الميوعة بالنسبة لتوزيع المهام والصلاحيات. فلابد من وضع أقل المعايير بالنسبة للتعلم والخبرة في أي جزء من مناحي الحياة. كذلك حل اللجنة المستقلة للانتخابات المتعارضة مع القوانين والأهداف المنشأة لها وإعادة بنائها على قواعد الثقة وتزويدها بالصلاحيات التي تدعم استقلاليتها، فهي هيئة حكماء تابعة لأحزاب سياسية وأغلبيتهم من الأغلبية الحاكمة، ومن الناحية المالية والفنية تقع تحت وصاية المالية ووصاية الداخلية، ومن ناحية الطواقم فهم مجموعة من موظفي الدولة علاقتهم بلجنة الانتخابات محدودة في الزمن وبالنسبة للمستقبل، بينما ارتباطهم الحقيقي بوظائفهم وقطاعاتهم. إذن هذه اللجنة ضعيفة من حيث البنية ومن حيث المصداقية ويجب إعادة بعثها في نسخة جديدة معدلة وتبعث على الثقة. .
كما أن المجلس الدستوري هيئة دستورية تابعة للجهاز التنفيذي لا يخضع تعيين أعضائها لنظام مستقل وشفاف، بل يتم بالتعيين، وستظل جزءا من المنظومة فاسدة البنية التي تسير الانتخابات في البلد.
وكذلك يجب إعادة تحيين القانون الانتخابي والتقطيع الجغرافي المختلين.
كما يتم بحث قضايا التعليم والمساواة أمام الفرص والحظوظ وبناء دولة المؤسسات.
سؤال:
كيف تقيّمون حكم الرئيس غزواني؟ هل يختلف في شيء عن حكم سلفه عزيز؟ هل التقيتموه منذ انتخابه؟ ما هو الانطباع الذي تركه لديكم؟
جواب:
من أجل إصدار تقييم موضوعي للفترة التي انقضت من مأمورية غزواني لابد من الانتباه لثلاثة عناصر :
ـ الوضعية التي تسلم فيها البلد.
ـ الظروف التي طرأت.
ـ المدة الزمنية.
فبالنسبة للأولى، كان المناخ السياسي يعرف غليانا بحجم البركان، واقتصاديا وجد الرئيس غزواني دولة في المنطقة الحمراء بالنسبة للتعامل بالدولار بسبب أن الدولة نفسها اندمجت في عمليات وتحويلات مشبوهة تشبه غسيل الأموال تابعتها المصالح النقدية الأمريكية طيلة العشرية الماضية ومنعتها من التعامل بالدولار، وفي نفس المنطقة بالنسبة لقوة التحمل الاقتصادي بسبب الدين الخارجي الذي يصل خمسة مليار دولار أي 104% من الدخل السنوي الخام. إضافة إلى 4 مليارات أوقية فقط هي التي بقيت في الخزينة من حصيلة مداخيل السنة إلى يوم مغادرة الرئيس المنتهية ولايته، و50 مليون دولار كان صندوق النقد الدولي حولها لحساب الخزينة ضمن حزمة إجراءات دعم أداء الخزينة.
ومن الناحية الإدارية والمعنوية، تسلم الرئيس غزواني دولة مهدمة بالنسبة للمعنويات وبالنسبة لدولة المؤسسات وتعيش أزمة في المصادر البشرية. وبالنسبة للأوضاع الجديدة فقد واجه جائحة كورونا التي أخضعت القوي العالمية، ومع كل هذه الملمات، قام ببناء ثقة عالية مع الفرقاء طبعت الحياة السياسية وخلّقتها، ودخل مفاوضات لبناء الثقة مع البنوك الأمريكية بمساعدة البنك والصندوق الدوليين، كما استطاع، بالترشيد والتخطيط، حشد مداخيل لدعم جهود البلد في مكافحة الوباء ب 500 مليون دولار وبالحفاظ على مخزون استثنائي بلغ 1مليار و500 مليون دولار وشراء قرابة 5،7 طن من الذهب، وحشد 400 مليار أوقية لخزينة الدولة عند آخر أيام السنة المنصرمة، وصرف ميزانية جانبية زائدة على ميزانية الدولة تقارب 400 مليار أوقية خلال السنة المنصرمة تقوم على دعم قدرات القطاعات القاعدية وعلى حزمة من الإجراءات والقرارات الرحيمة منها عون الشعب في مواجهة الجائحة ودعم الفئات الهشة من المجتمع بصفة مباشرة. إضافة إلى زيادة ميزانية السنة الحالية بربع الميزانية السابقة، والأهم من كل ذلك أننا نلاحظ إرادة قوية في ميدان فصل السلطات... أما فيما يخص تقيمي له، فقد وجدته على غير ما تصورته من قبل وعكس كل ما كان يُذكر به من ضعف وتبعية. لقد وجدته رجلا حصيفا واثقا من نفسه ومن خطواته، يتصرف عن وعي تام، يترك أثرا عميقا في كل من يجالسه، يجيد الاستماع بقدرما يجيد الحديث، ،صريح وصاف، عندما يتحدث إليك تشعر وكأنك تلمس خلجات نفسه، وأكثر من ذلك وجدته على دراية تامة بجميع مشاكل البلد ويملك لها حلولا على طريقته وفي الآجال التي يريد هو دون أن يترك لأحد الفرصة في أن يؤثر عليها. أعتقد أن أكثر ما ينقصه هو العثور في البلد على من يقاسمه نفس الرؤية ويتحمل معه مسؤولية النهوض ببرنامجه. وأعتقد أنه، باستثناء القلة، فإنه بحاجة لتغيير البقية، لأن كليهما في واد.
سؤال:
يبدو أن ملف عشرية الرئيس عزيز "انتفخ" بالنسبة للذين يشككون في مدى إصرار النظام على المضي قدما فيه. يستغرب البعض أنه تم اقتطاع بعض الملفات مثل ملف الميناء وملف الصيد. لا يفهم الناس لماذا لم يبعث بهذه الملفات حتى الآن إلى العدالة. هل تتقاسمون معهم هذا التشكيك؟ هل تعتقدون أن الرئيس عزيز سيحاكم على القضايا التي تتهمه بها لجنة التحقيق البرلمانية؟ وإلا فماذا ستكون التداعيات السياسية لذلك؟
جواب:
هذا الملف ينظر إليه على نحو سطحي حتى من طرف الشخصيات الملهمة للرأي العام، ويتم اقتطاعه من سياقاته الموضوعية كلها، وإخضاعه لرغبات ونوازع السياسيين والغوغاء. هذا الملف بدأ سياسيا بدعوة من برلمانيين، وقد أتيح لتلك الدعوة أن ترى النور بسبب عدم تدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة التشريعية، وأصبح تتويجا لمبدأ فصل السلطات، لكن يجب أن لا يغطي ذلك على المثالب المرتبطة بهذه المرحلة، فقد تمت معالجة الملف بصفة غير مهنية وأخضع للكثير من ضغوط وتدخل أصحاب الحسابات الشخصية، وكانت مدة التحقيق 6 أشهر أشبه بفرصة ضائعة للانتقام . وهكذا على نحو غير منطقي تم فتح التحقيق في 11 قضية وتم الاستماع ل 317 شخصية وتم تسليم ملف حاطب ليل للقضاء.
ثم تم الدخول في المرحلة الثانية التي هي مرحلة القضاء التي تختلف كل الاختلاف عن التحقيق البرلماني. وهكذا بدأ التحقيق مجددا من الصفر بسبب الخصوصية من حيث مسطرة التحقيق والمتابعة وليس المهنية بالنسبة لهذا النوع من القضايا، مما سيتطلب وقتا إضافيا من حيث بناء التهم وإجراء تحقيق مكتمل الأركان. وهكذا تحول الملف من سياسي إلى قضائي، وقد تم فيه وقف تدخلات الأطراف التي تسعى للانتقام، وتم فيه إتباع مسطرة جديدة، لكن الرأي العام ما يزال محبوسا في النظرة الأولى للملف وهو بعد في طور السياسية. وهذا عكس الواقع، فقد أصبح الملف ملفا قضائيا ضمن استقلالية القضاء والخضوع لمسطرته، كما أنه صار ملف الدولة التي هي الجانب المدني في الدعوة وليس السياسيين ولا رجال الأعمال. الناس لا تنظر للعقبات الموضوعية أمام البدء في محاكمة المتهمين في هذا الملف المرتبطة بجمع الأدلة والحاجة للكثير من الوقت، وبأن هذا النوع من القضايا جديد على شرطتنا وعلى قضائنا وسلطتنا السياسية، وهكذا يتطلب وقتا أطول.
لم يستفد الرأي العام الموريتاني من محاكمة ساركوزي حول ثلاث تهم تم الحكم في جزئية واحدة منها بعد ثمان سنوات في دولة تملك تجربة عميقة في الموضوع، فكيف بنا نحن وقد فتحنا تحقيقا بهذا الحجم؟. هناك الكثير من الشطط والمزايدات تدور حول هذا الملف بعضها أسير مرحلة عزيز التي طبعتها الشخصنة والإنتقام، وهكذا ينظرون لهذا الملف على أنه استهداف شخصي لعزيز في حين أن عزيز أقدم على أعمال ضد الشرعية الدستورية سنة 2019 خلال تخليد الاستقلال كان يمكنها أن تدخله السجن دون اللجوء لملف التحقيقات البرلمانية، لكن الحقيقة التي يجب أن تظل بالحسبان أن النظام الحالي يدور مع الشعب في تطلعاته لبناء دولة المؤسسات وتحصين البلد مستقبلا ضد المفسدين وتشجيع الموظفين على التمسك بصلاحياتهم وعدم الخروج عنها بالأوامر الشفهية والتعليمات. إنه يمنح الضمانات لمستقبل الحكامة في البلد. وهكذا أجزم بأن الدولة ماضية في موقفها كطرف مدني في القضية، وأن القضاء مستمر في إجراءاته، وأن الإدارة السياسية تدعم نجاح المحاكمة بدعم استقلالية القضاء ومنع تدخل الأطراف غير المعنية بالملف، وفتح المحاكمة أمام الرأي العام الدولي والخارجي وفق ما تمليه مسطرة الإجراءات والدستور. أما فيما يخص سقوط ملفات مثل ملف الميناء وملف بولي هوندوغ، فحسب علمي فإن هذه اتفاقيات، وقد تم تصحيح بعض جوانبها الميثرة للّغط، وتم سحب الشكوى بالنسبة للميناء، وكذلك الدخول في مفاوضات مع الأخرى بما يجعل الضرر قد زال والمتابعة القضائية توقفت. أما الشق المتعلق بمحاكمة عزيز فهناك تأويلان للمادة 93، فالبعض يعتبر أنه تمكن محاكمته جنائيا على بعض الأعمال التي قام بها كتصرفات منفصلة عن الأعمال التي تحميها المادة 93 من الدستور . بينما يذهب أصحاب التأويل الثاني إلى أن المادة 93 تحمي جميع أفعال الرئيس أثناء تأديته لمهامه وأنه يمكن أن يحاكم مدنيا لا جنائيا، وأن محاكمته قد تضعف مؤسسة الرئاسة مستقبلا. ويرى أصحاب هذا الرأي أنه من المفيد أن يطلب المدعي العام استشارة المجلس الدستوري حول قراءة المادة 93. وفي جميع الحالات، فإن هذا النوع من المحاكمات بطيء ويتطلب جمع الأدلة، وليس لأن الرأي العام كلف نفسه إصدار الحكم في هذه القضية، سيتوجب أن ينزل القضاء حكمه تلقائيا على المتهمين. الأمر لا يخضع للمزاج ولا للمآرب، الأمر يخضع للقضاء والقانون، فليس من المنطقي أن ننشد العدالة باستمرار، ونتجاهلها هنا بسبب مواقفنا السياسية وتعطشنا للانتقام .
 
سؤال:
ماذا يعني لكم تأجيل إنشاء محكمة العدل السامية من قبل الجمعية الوطنية؟
جواب :
هل هناك أمر جديد يعجل إنشاءها؟ ذلك مالا أراه . أعتقد أن الأمر مرتبط بجدول أعمال البرلمان فقط.
سؤال:
بعد سحب تقرير لجنة التحقيق البرلمانية لقضية ميناء نواكشوط المستقل وقضية الصيد (بولي هوندونغ)، هل فقد ملف الرشوة قيمته؟
جواب:
لو ثبتت الرشوة لما كان لهذه الشركات أي حق في ما لها من امتيازات العمل في البلد لأن الرشوة تفسد العقود، وتجعل الصفقات أو الإتفاقات خارج القانون من أصلها، وهكذا أعتقد أنه لم يتم التثبت من مسألة الرشوة بمعنى الحصول على الأدلة وإن ظل الحديث عنها متواترا، لكن الكلام شيء والأدلة شيء آخر .
سؤال:
هل تتقاسمون شعور الموريتانيين الذين لا يفهمون لماذا يواصل الرئيس غزواني "تدوير" الشخصيات المذكورة في ملف الرشوة وشخصيات أخرى في غاية الشجب؟ إن شعورهم يتمثل في أن رئيسهم ليس على عجلة من أمره أم أنه لا يريد القيام بالتغييرات المؤمّلة المتعلقة بالقطيعة مع الممارسات القائمة منذ عقود؟
جواب:
ما لا أفهمه هو أن يضع الرأي العام فيتو على بعض من أغلبية الرجل الداعمين له والذين لم يصدر بشأنهم حكم بالفساد. الرئيس وحده من له الحق في اختيار معاونيه ووضعهم في المكان الذي يريد سواء عرفوا بالفساد أو بالإصلاح، وهو من سيتحمل تبعات ذلك غدا عند عرض نفسه للثقة مرة أخرى أمام الرأي العام، لكن الحقيقة التي لا يتذكرها البعض أن الأمر كله مرتبط بالإرادة السياسية والمناخ العام للحكامة الذي يفرضه الرئيس نفسه، فإن كان جادا في الشفافية والحكم الرشيد، وتم وضع الإجراءات الكفيلة باحترام المال العام، فلن يكون هناك مفسد، وإذا كان الرئيس متهاونا أو مفسدا فلن يجدي اختيار المصلحين. ثانيا هؤلاء هم من جاؤوا بالرئيس للسلطة وفق عقد سياسي، وهم شعبيته وشركاؤه وناخبوه الكبار، ولا يمكنه التخلي عنهم. وبدلا من الحديث عن اختيار الرئيس يجب الحديث عن إجراءات الشفافية، وعن تفعيل هيئات الرقابة المالية، وعن مواصلة التحقيق في التجاوزات التسييرية. يجب أن ننصرف إلى ما يحق لنا، وما تعد مطالبتنا به مشروعة وشجبنا له مشروعا، لا أن نتوجه لأمر أشبه بالجدال. فالمفسد في نظرنا، غير المفسد في نظر من عينه، فهذه دوامة لا طائل من ورائها. أما وجهة نظرهم في رئيسهم (من حيث أنه ليس على عجلة من أمره أم أنه لا يريد القيام بالتغييرات المؤمّلة المتعلقة بالقطيعة مع الممارسات القائمة منذ عقود) فلا أشاركهم فيها، فقد ذكرت آنفا وجهة نظري الشخصية فيه.
سؤال:
لقد التزم رئيس الجمهورية بأنه سيضع مدرسة جمهورية. ماذا ستضيف هذه المدرسة إلى موريتانيا؟
جواب:
هذه المدرسة هي التي يتلقى فيها أبناؤنا نفس التعليم ويجلسون على نفس الطاولات، ويتم تلقينهم نفس القيم. إنها تقوي وشائج العلاقة بين مكونات المجتمع وستخفي الشكل الوقح للتفاوت، وستقوض التمايز. إنها اللبنة الأولى لتوحيد المجتمع وبناء الثقة بين أجياله.
سؤال:
تم منذ أسابيع تسجيل انخفاض منحنى إصابات كوفيد 19. ما هو تقييمكم لتسيير هذا الوباء خاصة المبالغ التي رصدت لمواجهته؟ ألا تعتقدون أن الحكومة ستحوز مصداقية أكبر إذا قامت بتدقيق محاسبي مستقل حول الأموال المرصودة في حالة أنها تكافح الفساد فعلا؟
جواب:
أيهما الأهم في هذه الحالة: المال أم الشعب؟ علينا أولا أن ننطلق من أهمية نجاح الإجراءات المتبعة للتصدي لهذا الوباء، ومن ثم يجب أن نتتبع الإجراءات العادية في تتبع تسيير المال العام مهما كانت وجهته، فلا يوجد مال عام أهم من مال عام آخر . نحن في البلد نعيش هاجس التفتيش، في حين أن التفتيش هو الاستثناء من القاعدة المتمثلة في صرف المال للمصلحة العامة، وعند ملاحظة تجاوزات يأتي التفتيش، لكن التفتيش لا يتقصى كل أمر بالصرف تلقائيا.
سؤال:
قبل أسابيع، عرفت أسعار المواد الأساسية ارتفاعا كبيرا جاء لينضاف إلى تداعيات كورونا. وبغية مواجهة هذا الوضع اتخذت الحكومة جملة من الإجراءات التي تأخرت نتائجها على الميدان. هل يمكن أن نعتبر أن الحكومة غير قادرة على جعل المستوردين يحترمون الاتفاقية التي وقعوها معها؟ ألا يُخشى من أن يكون شهر رمضان المقبل صعبا على المنازل (أي على المستهلكين)؟
جواب:
هناك أسباب جوهرية لزيادة الأسعار مرتبطة أولا بجو وحجم المنافسة وارتفاع التعرفة الجمركية وزيادة إسعار المواد عند المنشأ وزيادة سعر النقل. بالنسبة لبلدنا تمثلت الكارثة في أن ولد عبد العزيز عندما أراد أن يدخل تجارة المواد الغذائية -حسب بعض الموردين- قام بالقضاء على سونمكس، الشركة الوطنية التي كانت تحارب الاحتكار وتحمي المنافسة وتؤمن المخزون الوطني من المواد الأساسية، كما قام بالضغط على باقي الموردين الكبار في البلد لمصلحة شركته أو شركائه، كما منح شركاءه جميع الصفقات الغذائية المرتبطة بالدولة مثل برنامج أمل ( 42 مليار سنويا)، وكذلك برنامج إفطار الصائم. وكانوا يحصلون على حاجتهم من العملة الصعبة ويحصلون على امتيازات بشأن الضرائب وغيرها، وقد ترتب على هذه الوضعية أن تغولت مجموعة أهل غده على حساب جميع الموردين، وصارت تسيطر على سوق المواد الأساسية وهي التي تفرض الأسعار، وكانت مسؤولة -حسب بعض التجار- عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وكان ذلك مدمرا أثناء الجفاف الأخير حيث انتقل سعر القمح من 2300 أوقية للخنشة إلى 12000 في الأماكن النائية. وقد نتج عن هذا أن الدولة فقدت القدرة على التحكم في المنافسة والتحكم في المخزون، وبالتالي صارت الحلقة الأضعف التي تستجدي التجار أو بالأصح "شركاء عزيز"، ومع أنه تم إعفاء الكثير من المواد الأساسية إلا أن الأسعار تتصاعد. الفكرة الجاهزة دائما هي ضعف القطاعات الحكومية التي تسير هذه المرافق وعدم قدرتها على إنتاج حلول أو بدائل لهذه الوضعية، لكن قضية الأسعار ستكون هي الخطر الداهم على النظام والتي ستحمل النظام الحالي أوزار وفشل جميع الأنظمة السابقة إذا لم يقم بالمبادرة. وهكذا إذا استمرت هذه الموجة فسيكون رمضان هذه السنة هو الأشد على الشعب من كل رمضان مضى.