الخميس
2024/03/28
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

موريتانيا هي أقل البلدان استفادة من مواردها وتازيازت تمثل النموذج السيء(الحلقة الأولى)

4 يونيو 2021 الساعة 17 و01 دقيقة
موريتانيا هي أقل البلدان استفادة من مواردها وتازيازت (...)
طباعة

بعد تصريح وزير النفط عبد السلام ولد محمد صالح بالقول أن تاريخ الإتفاق مع كينروس ليس جميل للأسف، متسائلا بتهكم أين كانت الحكومة أين كانت الدولة 2010 آنذاك ،حينما اشترت كينروس منجم الذهب من شركة صغيرة ب7,5 مليار دولار دون أن يدخل للدولة الموريتانية دانق واحد من تلك العملية .
إنها إثارة لجرح عميق يحز في النفس خاصة عندما نعرف
أن موريتانيا دولة معدنية مهمة لدرجة أن البعض يقارن تنوع المعادن فيها بتنوع الأسماك، فهي تمنح رخص البحث عن جميع أنواع المعادن مثل الذهب والنحاس واليورانيوم والتربة النادرة وغيرها، وتعمل بها اليوم 86 شركة في مجال المعادن عبر 212 رخصة بحث و11 رخصة إستغلال،
 هذا دون احتساب قطاع النفط بالطبع. ومع كل هذا لا تحرك المعادن 1% من اليد العاملة في البلاد، كما لا تملك موريتانيا مسحا شاملا أو معلومات وافية عن أرضها، ثم إن شركات التنقيب تحتفظ بالمعلومات لنفسها أو علي الأقل الأساسي منها، وربما يكون ذلك أحد أسباب ضعف شروط الإستثمار.
لقد خلص صندوق النقد الدولي إلي نتيجة مخيبة للآمال عقب جولات له في ردهات ودهاليز وزارة النفط والمعادن حيث أكد أن موريتانيا أقل البلدان استفادة من مواردها الطبيعية. وهذه النتيجة التي توصل إليها الصندوق هي الأغرب في مجال الليبرالية؛ فمن مزايا الإستثمار في هذه الدولة الفقيرة تنازلها للشركات عن ضريبة القيمة المضافة (14%) التي هي أساس ميزانيات الدول الكبري (فرنسا: 18%). ومع ذلك ظلت موريتانيا ـ في تناقض صارخ ـ تضاعف الضرائب علي المواد الإستهلاكية.
الشركات التي استفادت من طفرة أسعار المعادن حصلت علي رخصة إستغلال تشبه الهبة؛ أي بأقل من 10 مليون أوقية علي خلفية قانون 1999، بواسطة إتاوة الإستخراج التي تحدد ضريبة بقيمة 8000 أوقية للكلمتر المربع للإستخراج. وهكذا حصلت ريدباك، وبمبلغ يراوح 70 ألف دولار، مقابل 310 كيلومتر مربع أعلنت عنها تازيازت كمنطقة للحفر، مع ضرائب أخرى علي رخصة الاستغلال . وعلي قلة ذلك فقد ظل إلى شهر 10 من 2013 مدير التنقيب”، حسب عمال المنجم ، يدمج أعمال الحفر التي تقع خارج المنطقة المعلن عنها ضمن منطقة “الغيشَ” المعفية من الضرائب، تهربا من تلك الإتاوة. وهنا يجب التنبيه أن هذا المبلغ المتواضع (70 ألف دولار) تمخضت عنه شركة تزن أكثر من 10 مليار دولار.
قانون 1999 يعطي لموريتانيا حصة هزيلة من مواردها: 3% فقط هي نسبتها من رأس المال التلقائية، و250 أوقية عن الكيلومتر المربع بالنسبة لرخصة التنقيب سنويا، وإعفاء من الضرائب 3 سنوات، كما لم يكن يفرض أي إستفادة من نقل الملكية، حتى تعديلات 2009 التي تعتبر قفزة نوعية (2400 أوقية بدل 250 و50000 بدل 8000 أوقية و10% بدل3%) ،وبسبب القانون القديم خسرت موريتانيا الاستفادة من بيع الشركة من ريدباك إلى كينروس ب 7,5مليار دولار دون الحصول على دانق واحد حيث لم يتناول القانون استفادة موريتانيا من نقل الملكية كما لم تفرض احترام اليد العاملة الموريتانية ولم تحدد لهم مزايا أو وظائف بعينها، فأغلب المشرفين والمسييرين أجانب، وكذلك المقاولات التي تقوم بها شركات أجنبية مثل (أعمال الصيانة والكهرباء والماء والمطعم والدواء كلها أجنبية :كاناري لوك إسبانية، دوريسي تركية، سو إس سيس فرنسية)، وتشغل وظائف ومهنا بإمكان الموريتانيين القيام بها، حتي أن سائقي الشاحنات أجانب. مع ما يلاقيه الموريتانيون من تفتيش عبر أدق التفاصيل بواسطة أجانب “غانيين أو عاجيين”، مثلا عند دخول غرفة الذهب, وعلي نحو مهين، كما لا يتم احترام الكفاءات في هذه الشركة. إن إحساس العمال بالتمييز من طرف أجانب مضاعف في بلدهم وعلي نحو قابل للتأجيج.

الغش الفاضح
جهاز الرقابة والمتابعة الذي أنشأته السلطات سنة 2009 ضعيف إلي حد التواطؤ، كما أن مسلسل المرتنة الذي تبنته الدولة في نفس السنة لم يعرف أي تطور، إن لم نقل بأنه توقف قبل المراجعة الأخيرة ،وفي حالة كهذه تنمو الشركة وتزدهر في جو من المغالطات، يحرم الشعب، الذي تصل فيه نسبة الإملاق 32% ونسبة الفقر 55%، من مزايا الإتفاق الذي يخلقه قانونهم الضعيف أصلا. فحينما أرادت موريتانيا التدقيق في تكاليف إستخراج الأونصة (الأوقية الذهبية تساوي 28،394523125 إغرام والأونصة كوحدة قياس معدنية تساوي31،1034768 إغرام) من أجل حساب نصيبهم الجديد بفضل دخول الشركة مرحلة دفع الضريبة علي الربح 25% BICبعد 3 سنوات من الإعفاء من الضرائب ، وجدت أن الشركة تغالط في تحديد سقف التكاليف بزيادة 200 دولار للأونصة الواحدة أي أن الشركة تغش بهذا المبلغ لكل أونصة (أي من ما مجموعه 391 ألف أونصة سنويا )حسب مكتب خبرة من دولة مالي انتدب لتلك الدراسة التي أعلنت مناقصتها الدولية وزارة النفط والمعادن ولم يستجب لها إلا هو وحده بسبب المهلة الزمنية التي لاتسمح بمشاركة مكاتب أخرى (3 أشهر) ـ ولا يدري أحد أسباب هذه العجلة ـ وقد أعطت هذه الدراسة نتيجة مفادها أن تكلفة الاستخراج 950 دولار بدل 1150 دولار تعلنها كينرووس ، نفس الشيء بالنسبة ل (MCM)وصل الغش 2400دولار 5900 دولار للطن بدل 8300 لطن النحاس. ويجب حساب ذلك علي مدي 10 سنوات.. هذه المعلومات وحدها تفيد في تأكيد وجود التلاعب لكنها لاتكشف حجمه الحقيقي. وبالعودة إلي دراسة الجدوائية التي قدمتها الشركة للحصول علي رخصة الاستغلال كان الإحتياطي مقدرا ب 1مليون أونصة وتكاليف إستخراج الأونصة بين 256 إلي 300 دولار وكان السعر العالمي للذهب 700 دولار للأونصة حينها. وقد باعت نورماندي لاسورس الفرنسية الرخصة إلى ريو ناريسا الإسبانية التي باعتها لريدباك الإسترالية ب628 مليون دولار مع الإحتفاظ ب 1% من رأس المال. ولا يمكن أن يتم كل هذا التحول المتسارع في الإستخراج ونقل الملكية لشركة غير مربحة، بما يؤكد أن تكلفة الإستخراج أقل من ثمن البيع.
وفي اقل من سنتين بعد ذلك شهد سعر المعادن طفرة كبيرة وصل علي إثرها سعر الأونصة إلى 1800 دولار، وعلي إثر ذلك باعت ريد باك ، شركة تازيازت ب 7مليار دولار . وتم التعهد من طرف المالك الجديد كينرووس بتوسعة المنجم وضخ 3،8 مليار دولار أخري ، وإكتتاب 1500 عامل خلال 2011خدمة لذلك . كما وصل عدد العمال غير الدائمين إلي 1035 بواسطة 81 شركة وساطة. إن كل هذا يدل أيضا علي أن هامش الربح ظل واسعا جدا وأن تكاليف الإستخراج لا تعرقل من تطور الشركة بل تدعمه وتحفزه وإن كان لا يقوم أي دليل علي أن إرتفاع التكاليف مرتبط بالضرورة بزيادة السعر أو علي الأقل ليس بحجم هذه القفزة الجنونية أي من 256 إلي 1150 دولار .
ينضاف إلى تلك العناصر أن كينروس غيرت طريقة الإستخراج إلي الأحسن بواسطة جمع المعدن Dan ficheعكس طريقة المعالجة في المصنع المكلفة التي اتبعتها ريد باك، كما أن نسبة الذهب مرتفعة في المعدن: 40% عند التجميع و 70% في المعالجة في المصنع، ثم أن المعدن يقع علي عمق 75 إلي 100 متر في مشروع إحويوات WEST BRANCHE .إن كل هذه المعطيات تقلل من إحتمال زيادة تكاليف الإستخراج. ومع ذلك لم تتوقف كينروس عن المغالطات للإستحواذ علي خيرات هذا البلد.
 
الشعب الموريتاني والممولون يدفعون ثمن الهدر وسوء التسيير الذي تقوم به إدارة الشركة في لاس بالماس
لم تنفذ كينروس أيا من إلتزامتها، فبعد الكشف عن إحتياطي يفوق 20مليون أونصة والإعلان عن إستثمار قرابة 4مليارات دولار لبناء أكبر منجم ذهب في المنطقة بقدرة إنتاجية تصل إلي 30 مليون طن، وإكتتاب 1500 عامل لمسايرة هذا التطور، تغيرت الأمور فجأة، وسرحت الشركة طاقم إدارتها بدءا بالمدير العام سنة 2011، وتوقف الحديث عن التوسعة وبدأ عكسا لذلك الحديث عن التقشف وتسريح العمال، دون معرفة سبب وجيه أكثر من سوء التسيير والفساد، وبدون أي ردة فعل من الحكومة لقاء هذا التلاعب؟؟!!
حملت كينرووس فعليا لافتة سياسة التقشف بعدما وصل سعر الذهب إلي 1243 دولار معلنة أن هامش الربح قد تقلص، غير أن الغريب في الأمر هو أن كل إجراءات التقشف طالت الجانب الموريتاني وحده حيث تم تسريح 293 عاملا دون سابق إنذار، من أصل 1558 والإستعداد لتسريح 80 أخرين وتقليص عدد رحلات نقل العمال عبر الباصات بدل رحلة كل يوم، إلي 4 مرات في الأسبوع: نواكشوط ـ تازيازت ـ نواكشوط. في حين ظلت الشركة تدار بواسطة فريق يعيش في لاس بالماس مع كل الإمتيازات المرتبطة بذلك: السكن والنقل والعطل ودراسة الأبناء ورواتب عالية بين 3 إلي 12 مرة رواتب الموريتانيين، إضافة إلي حصة من الربح كل 3 أشهر.
الشركة التي تدعي مشاكل مالية بسبب تراجع هامش الربح تنفق خلال كل شهر 1،2 مليون دولار تقريبا على نقل قرابة 200 أجنبي إلي لاس بالماس ب 3000 دولار عن الشخص: تازيازت ـ نواكشوط 500 دولار.
نواكشوط ـ لاس بالماس 2500 دولار ذهاب وعودة، بعد كل 10 أيام من العمل ليمضوا عطلة 4 أيام في لاس بالماس . بينما كان مدير رييد باك يمضي 6 أسابيع في موريتانيا وشهرا في الخارج .
العمال الممتعضون من الفصل التعسفي يتهمون الشركة التي تبني مطارا ليليا بتكلفة 25 مليون دولار ، فقط من أجل نقل الأجانب، وورشة بتكلفة 16 مليون دولار، ومحطة كهربائية إضافية، وكسارة، بالمغالطة، بل وبالفساد بإغراق الشركة بالمعدات والمشتريات الزائدة عن الحاجة عندما تشتري عجلات وقطع غيار علي مقاسات وتركيب غير موجود بالشركة، وتجعل مخزنها يعج ب24000 قطعة أو نوعية وبأعداد هائلة فائضة عن الغرض. وقد طال الفساد مخزن انواكشوط الذي احترق وهو أيضا متخم بالمواد الإستهلاكية الزائدة عن حاجة الشركة ، والطلبات التي تسدد دون أن تشتري، والعقود مع الشركات الأجنبية التي تضاعف قيمة التكاليف علي نحو يشي بزبونية فاضحة .كل ذلك فقط من أجل عمولات للمسيرين الأجانب ، إذ لا يملك أي موريتاني صلاحيات تسيير دانق واحد في هذه الشركة .ويعتبر العمال أن الشركة التي أنفقت 150 مليون دولار في إطار ترقية الإنتاج، صرفتها بدل ذلك في ترقية الإنفاق ، علي هذا النحو الذي وسع وعاء تكاليف الإستخراج وضغط بالتالي علي هامش الربح علي حساب نصيب الممولين، وعلي نسبة الموريتانيين من الضرائب .
يتواصل
محمد محمود ولد بكار