الجمعة
2024/03/29
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

تزايد نسبة الجريمة بسبب الفشل الأمني أو الحكومي (الحلقة الاولى) / محمد محمود ولد بكار

9 يونيو 2021 الساعة 22 و15 دقيقة
تزايد نسبة الجريمة بسبب الفشل الأمني أو الحكومي (...)
محمد محمود ولد بكار
طباعة

تتبيه :غَيّر تلاحق جرائم القتل توَجهي لمواصلة حلقات تازيازت إلى حين ، حتى أشارك في الحديث عن المعضلة الأمنية .

يمكن القول أن غزواني - حتى ولو كان يمثل انعطافة جديدة -جاء للأسف عند تجمع الشروط الكبرى لانهيار الأمن ،فقد كانت الأنظمة السابقة وبالدرجة الرئيسية نظام ولد عبد العزيز أداة رئيسية لتشابك فشل عاملين حاسمين في تزايد نسبة الجريمة وهما سوء الحكامة الفساد بصفة رئيسية وتصاعد التوترات الإجتماعية .
كما لم يكن في تصور أيا من السلطات المتعاقبة على البلد أن مقاربة بسط الأمن ومحاولة السيطرة على الشوارع والجرائم يمكن أن تتم خارج مقاربة أمنية بحتة معزولة عن التخطيط الاقتصادى والاجتماعي وعن السياسات القاعدية وعن الإصلاحات الهيكلية والبرامج التنموية،بحيث لم تكن هناك بالأساس سياسة ذات أبعاد تتضمن تخطيطا يتناول تنمية المجتمع ويقود لاحتواء الجريمة أو التخفيف من وطأة الظروف التي تقود إليها ،بل كانت سياسات جوفاء لحد يثير الوجوم ،مع أنه معروف أن استباب الأمن لا يمكن أن يتم بعيدا عن توزيع عادل للملكية والمداخيل أو على الأقل توزيع الفرص على نحو يضمن اشراك قطاعات واسعة من المواطنين من الإستفادة من خيرات بلدهم خاصة عندما يزداد الوعي بوجوب ذلك ،لكن أحدا لم ينتبه لذلك وظل لدينا وعلى نحو تلقائي الموارد والمصالح من نصيب الأسرة الحاكمة ومحيطها الذين حملتهم ظروف استثنائية في الغالب لتلك المنزلة على حساب تغريد المواطنين ومنعهم من حقوقهم ، وهكذا ظلت المقاربة الأمنية وحدها تعجز عن حل المشكل الأمني لأنها لا تصل للجذور في حين تزداد روافدها اتساعا وعمقا بسبب فشل التخطيط والتنسيق لتخفيض مستواها ،ولهذا وعند تفحص سطحي لنوعية رواد السجون نجد أنه ضمن 3270 سجين (عدد السجناء في البلد )أغلبهم تقريبا من مواليد الفترة (1995-2000) أي المجموعة التي ولدت في أحضان تداعيات ذلك الفشل الحكومي والأمني وأن أغلب الجرائم من الدرجة الأولى: النشل أوسرقة ساعة أو قنينة غاز أو دراعة،أو هاتف وغيرها ،سرقات مرتبطة بالفقر في الغالب وانعدام الوظيفة حتى الوظيفة بعض الأوقات لا تحل المشكلة فكثير ما تتضمن العصابات بعض أفراد الأمن أو الجيش،وقبل الإبتعاد كثيرا عن السجن فإن ظروف السجناء تخلق مجرمين ألداء للمجتمع ،خاصة الذين كانت وضعيتهم عابرة ،حيث يقضون فترة سجن غير محددة المحكومية بسبب عدم محاكمتهم ويصبح لهم السجن وممارسته موطنا ، . إننا أمام وضع خطير من انتشار وتلاحق أحداث الجريمة وتنوعها، خلق هلعا داخل الرأي العام وحنقا على السلطات الأمنية وتأجيجا دائما لمشاعر الغضب من الدولة حتى بات من العبث الحديث عن الأمان الشخصي وعن العمل في الليل وفي المناطق المنفصلة عن المدينة .إن الخطورة تكمن في أن السجن بدلا من أن يكون دار تأهيل أصبح مدرسة لتوطيد الجريمة والإنحلال وهكذا نتوقع عند إطلاق أحد نزلاء سجن دار النعيم الذي زادت عن طاقته ب300% تقريبا،إذ يحتضن اليوم أكثر من 1400سجين بدل 400نزيل،إنما نطلق سراح شخص لم يعد إجتماعي ولا هو صالح للمجتمع .نفس الاكتظاظ الذي يعرفه السجن تعرفه المدينة من حوله في فوضى لا حدود لها وتسيب أخلاقي وانعدام أي دور تعبوي حول الالتزام الأخلاقي والمشاركة البناءة في الحياة والبناء ،فلم تولد مع هذه الأجيال التي تشغل الجريمة أي مشاعر وطنية ولم تعرف العمل التطوعي ولا أي شكل أشكال حب الوطن وكأننا نعيش في مدينة لاقلب لها !
لقد دفع تدني نسب ومؤشرات الفقر والتسيب المدرسي والبطالة والتشرد (من البيت ومن المدرسة)، وتزايد الأحياء الفقيرة في الوسط الحضري وفشل البنية الاجتماعية للأسرة وغياب الدور التربوي والسلطة التوجيهية للآباء على الأبناء الذين يغريهم في الجانب الآخر انعدام عين الرقيب في المؤسسات التعليمية وفي الوسط الخارجي ، وفشل السياسات التربوية والتوجيهية ونمو ظاهرة الانفصال عن المجتمع واحتقار قيمه وعاداته ومرجعياته بالدرجة الأولى إلى توطين الجريمة وتوطيدها داخل نفوس فئة الشباب تحت عدة شعارات وأهداف متعددة ،كما حمل القانون الذي يحدد سقف الترشح للباكلوريا والولوج للتعليم الجامعي والولوج للمؤسسات العسكرية والأمنية بما دون سن 25 سنة حصرا كارثة كبيرة تتمثل في حرمان نسبة كبيرة من الشباب من فرصة بناء مستقبلهم ومنعهم من المشاركة في بناء دولتهم ومن تحقيق طموحاتهم ،إلى مستقبل غامض وسيء بالنسبة للغالبية منهم خاصة في مجتمع يمثل الفقر والكسل إحدى أبرز سماته، ويدفعهم نحو مستقبل قاتم لا يمكن فيه حسم خيار واضح للحياة ،وهكذا عندما نغلق باب الاندماج في المجتمع وخدمته فإننا نفتح باب الخروج منه ومن خدمته ومن الاعتراف بشرعية مؤسساته .إننا نبني مجتمعا غاضبا منا خاصة مع انعدام سياسات مصاحبة لاستيعاب هؤلاء أي مصالحتهم مع أوضاعهم ،حيث يكون باب الاصلاح قد أغلق تماما في وجه هذه القوة الكبيرة التي هي في عز شبابها ( أوج الطموح والقوة البدنية والقدرة على الانجراف خلف النوازع ) إننا نحول الحيوية والعطاء إلى التكاسل أو الانكباب على الحياة الهامشية، ودخول معترك الحياة من الأبواب الخلفية (عدم الفاعلية وعدم حسم المستقبل ومواجهة مغريات الانحراف و الجريمة وما يؤدي لذلك من تعاطي المخدرات وشرب الخمور وممارسة الأعمال غير الشريفة )لقد تخلى نظام ولد عبد العزيز عن مجموعة من السياسات التي كانت تهدف لتخفيف الضغط على المدن الكبرى ومتابعة الجريمة في إطار مقاربة تثبيت السكان التي هي توجيه مشاريع واستثمارات للداخل خاصة في الوسط الريفي وشبه الحضري ، كما أدي تركيز التعليم وتركيز الفرص في نواكشوط وخلق أحياء ومناطق جديدة دون زيادة فرص العمل ولا زيادة جهود التنظيم ،(إلى بعثرة المجهود الأمني بسبب اتساع الرقعة الجغرافية والتنموي ) مع وقف اكتتاب الشرطة خلال عقد من الزمن وتهميشها وإعلان الحرب عليها، كل ذلك أدى إلى زيادة عالية في مستوى الجريمة وفقدان القدرة على تتبع مساراتها وكبح تطورها .

روافد ساعدت على ارتفاع وتيرة الجريمة في البلد

1-مدينة تكبر وتكتظ ووضع أجتماعي ينحرف :
يعيش في مدينة نواكشوط زيادة على مليون شخص يمثل الشباب نسبة 70% منهم ، وقد جعل التوزيع الاجتماعي والديمغرافي للسكان نسبة كبيرة من هؤلاء الشباب يترعرعون خارج اللحمة وخارج ثقافة ذات مغزى وطني بحيث صار انتماء بعضهم وتأثره بحياة الأمريكيين وموسيقاهم وطريقة لبسهم أكثر منه لبلده وصاروا يحتقرون مجتمعهم وينعتونه بالتخلف وبالعائق أمام حياة أفضل لهم، ويسعى بعضهم للانتقام والانخراط في الجريمة بتأخير ذلك التفكير أو تحين أي فرصة انفلات أمني، وتمثل هذه الفئة تربة خصبة لكل الأفكار المتطرفة خاصة فكرة الانتقام من المجتمع ،في الوقت نفسه يتعايش الكثير من مواطنينا مع الأجانب مع نسبة اختلاط عالية فيجدون لديهم تغييرا كبيرا في الأفكار والمسلكيات الجديدة والمختلفة عن مجتمعنا ،إن السياسيات العرجاء تجعل مجتمعا صغيرا متطرفا بفكر الجريمة ينمو في مجتمع أكبر مفتوح ومتخلف ولا يعي المخاطر وغير مستعد عن التنازل عن أي من عاداته الفاسدة من أجل خلق أرضية أوسع للتعايش.
2- فشل استراتيجية التعليم في بلدنا
الذي يمثل أحد أهم روافد الجريمة حيث يقسم التعليم في بلدنا إلى ثلاث مجموعات منفصلة ولا تتلقى نفس القيم ولا تعيش نفس الذكريات: مجموعة فقيرة موجهة للتعليم الحكومي ،مجموعة متوسطة للتعليم الحر ومجموعة غنية للخارج والأكثر خطرا من ذلك هو النسق العرقي للتعليم حيث أن هناك مدارس تدرس مناهجها باللغة الفرنسية وتتوجه لها عادة مجموعة أو عرق معين ،ومدارس تدرس بلغات متعددة ومدار تدرس باللغة العربية إنها استراتيجية تربي على الانفصال وعدم التفاهم وتقوى روح الانتقام المصاحبة لأي فشل ،ينضاف إلى ذلك المشكل البنيوي المتعلق بأن نسبة النجاح في الباكالوريا لا تتجاوز 16% من نسبة الترشح حيث يصل عدد الفائزين 7000آلاف ناجح ، لكن الجامعات لا تستوعب 10% من هذه العدد أي 600مائة طالب فقط ،لتعود البقية أدراجها للشارع بعد سنوات من الكد تتبعًا لطموح في تأسيس حياة جيدة ،لتصطدم بجدار الرفض والمنع ،كما أننا في المحصلة نجد أن 12% فقط من الذين التحقوا بالتعليم هم فقط الذين يصلون إلى نهاية تعليمهم والأخطر من كل ذلك أنه على طول المسار يلاحظ عدم الشفافية الواضح والصريح الذي يظل عائقا في تكافؤ الفرص والحظوظ أمام الجميع الأمر الذي يزيد من سوء نفسيات الأشخاص داخل مجتمعهم.

3- هل يمثل سوق العمل رافدا آخر ؟
لا يستوعب سوق العمل إلا نسبة ضئيلة من الخريجين الذي تقذف بهم الجامعات، والتسيب والفشل في كل سنة بالآلاف إلى سوق العمل، ولا يحصلون على فرصة الانخراط في الحياة ولا تنمية مواهبهم، ولا توجد أي جهة أخرى في البلد تملك الصلاحيات في احتضانهم .
في حين تظل موريتانيا هي أقل دول العالم استفادة من مواردها فلا تشغل المعادن الوفيرة نسبة 1%من العمالة في البلد ،كما أن الشاطئ الموريتاني المعروف بوفرة السمك المقدرة (في جزئية صيد السطح ققط منه) بمليون ونصف مليون طن إضافة إلى المخزون الكبير من بقية الصيد لاتوفر الطاقة التخزينية نصف المقبوضات ولايوجد مصنع واحد للسردين التي يزودنا المغرب بها ،كما لايوجد بالبلد أسطول وطني لصيد السمك الذي يتغذى عليه الشعب الموريتاني ، في حين يحقق المغرب اكتفاءه الذاتي من الأسماك الغذائيه ويغرق سوقنا بمنتوجه ،ويشغل قطاع الصيد وحده أكثر من مليون وظيفة في المغرب وفي السينغال 600 وظيفة الكثير منها يصطاد في المياه الموريتانية عبر اتفاقية بين الدولتين ،وجالية أخرى كبيرة هي من تصطاد لمصلحة تجار السمك الموريتانيين ،في حين لا تتجاوز فرص العمل في هذا القطاع عندنا (المباشرة وغير المباشرة )أكثر من 130ألف وظيفة، كما أننا لا نحقق الإكتفاء الذاتي فحسب بل يعتمد استهلاكنا اليومي في الغالب على فضلات البيع للخارج أي الأسماك الغير صالحة للتصدير للأجانب أو الأسماك التي تأتي عبر الصيد الخطأ أو غيرها .
نفس الشيء بالنسبة للزراعة حيث نملك 60 ألف هكتار مستصلحة ، وكميات زائدة عن الحاجة من الماء المهدور واليد العاملة الكبيرة ومع ذلك نستورد الطمام والبصل والبطاطس من الخارج ،ولا داعي للحديث عن العمالة هنا.
يتواصل