الأربعاء
2024/04/24
آخر تحديث
الأربعاء 24 أبريل 2024

حزب الحاكم

5 أغشت 2021 الساعة 09 و19 دقيقة
حزب الحاكم
محمد الامين سيدي مولود
طباعة

لا يخفى على أحد أن البنية الأساسية الحالية لحزب الحاكم _ نعم حزب الحاكم وليس الحزب الحاكم _ هي وليدة الانتساب المليوني المزوّر والذي شهد ضغوطا سلطوية وسباقات بين المسؤولين وحتى بعض الضباط السامين _ مع الأسف _ وبين القبائل والفصائل، وكان "ماراثونا" بعيدا كل البعد عن السياسة وعن المؤسسية وعن الجدية، كان سباق ميوعة وقتل للوعي، كان جنونا عاما وغريبا.
لقد كانت مخرجات الانتساب المليوني لحزب الحاكم مختلة أسوأ اختلال، وتبعتها هزات أخرى مثل معركة "المرجعية" الوهمية، والتي تعتبر انتهاكا غير مباشر للدستور من خلال الزج بالرئيس الحالي في صراع قيادة الحزب، وهذا مخالف لنص المادة (27) التي تقول: "تتعارض مهمة رئيس الجمهورية مع ممارسة أي وظيفة عمومية أو خصوصية ومع شغل منصب قيادي في أي حزب سياسي". فما هي المرجعية إذن إن لم تكن قيادة الحزب؟! إن روح هذه المادة هو إبعاد الرؤساء عن الأطر الضيقة حتى يأخذوا مسافة من كل الأحزاب الوطنية. ولم تكن طريقة اختيار تشكلة حزب الحاكم بأحسن مما سبقها، فشرط النهايات تصحيح البدايات، لذلك جاءت هذه التشكلة بطريقة تعيين لا انتخاب وهي عادة حزب الحاكم بكل تجلياته وخلال كل فتراته، ومن الغريب أن هذه التشكلة شملت شخصيات لم يستشاروا حتى قرأوا أسماءهم في هيئات "الحزب_الكشكول"، وآخرين زٌج بهم رغما عنهم، ونمط ثالث فُرض فرضا على أغلب الفاعلين في "الكشكول" هذا.
إن اعتماد "السلطة _ الدولة" على هذا النمط من الهياكل خطير على البلد في المدى البعيد بل وحتى المتوسط، إن قتل الوعي والعمل على تفليس الشأن العام من الطرح السياسي والمؤسسي الجاد على هذا المستوى جريمة في حق الوطن، وسندفع جميعا ثمنها. صحيح أن أغلب الجيل الحاكم اليوم قد يمر بشكل مريح، ويضمن ما يصبو إليه من هيمنة على السلطة والثروة والمكانة من خلال هذا الأنموذج القاتل، لكن في مرحلة معينة من الإفساد السياسي _ بالإضافة إلى الاقتصادي والاجتماعي _ سيأتي الإنفجار، وقد يأتي بغتة وبأسرع مما يتصور الجميع.
إن فكرة "حزب الحاكم" أو "حزب الدولة" فكرة هدامة، يجب التخلي عنها، ولا يعني هذا عدم جواز سعي أي رئيس أو أغلبية لتأسيس إطار سياسي منظم يَحكمون به، أو يُحكَمون به، لكنه يعني أن يكون هذا السعي مبنيا على أسس سليمة تخلق القدوة للبقية، فدور النخبة الحاكمة _ عفوا المحكوم بها _ يجب أن يكون إيجابيا تجاه الوطن والشعب، ويجب أن يفكروا ولو مرة في مستقبل أبنائهم وأحفادهم تفكيرا مختلفا عن تفكير الغلبة والهمينة والمكاسب الشخصية المؤقتة، لأن كل ذلك يد ينهار في لحظة إذا لم يبن على تفكير أشمل وأصلح، تضع من خلاله الطبقة المهيمنة بصمات إصلاح اختياري متدرج، قبل أن يجرفها سيل اضطراري مدمر.
وفي انتظار استفاقة المعنيين يجب أن يأخذ المواطن _ خاصة من يجمع بين الوعي والمعاناة _ وخصوصا الشباب زمام المبادرة في الابتعاد عن هذا النمط من التشكيلات "السياسية" حتى لا يشارك في تدمير مستبقله ومستقبل بلده، بل يجب السعي والعمل من أجل توفير أطر بديلة ولو ضمن منظومة الأغلبية المحكوم بها بالنسبة للمضطرين من "الموالين النظيفين" خاصة الموظفين المقيدين ضمنيا بإلزامية الولاء مخافة التهميش والإقصاء. أما المستقلون والمعارضون فيجب أن يكون سعيهم إلى أبعد من ذلك وأهم وأكثر فعالية وأعمق أثرا.

محمد الامين سيدي مولود