الخميس
2024/03/28
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

موريتانيا معرضة لتوترات أمنية وإرهابية

17 سبتمبر 2021 الساعة 12 و03 دقيقة
موريتانيا معرضة لتوترات أمنية وإرهابية
طباعة

تشهد جميع دول الساحل باستثناء موريتانيا تصاعدا كبيرا في أعمال العنف، حيث عانت كل من تشاد ومالي من التوترات العسكرية والانقلابات. وعرفت مالي، إلى جانب بوركينا فاسو والنيجر، ما وصفته الأمم المتحدة بأنه “تصاعد مدمر في الهجمات الإرهابية ضد أهداف مدنية وعسكرية”، على الرغم من المشاركة الأوروبية الكبيرة في الجهود الأمنية على مدى العقد الماضي.

وبقيت موريتانيا مقارنة بالدول الأفريقية في منأى عن التوترات والحروب إلا أن العناصر التي يمكن أن تغذي تمردا قد يصيبها قائمة إلى حد كبير.

ورغم أن البلاد انتقلت بسلاسة من الجنرال محمد ولد عبدالعزيز إلى جنرال آخر هو محمد ولد الغزواني في انتخابات سلمية في 2019، إلا أن النخبة الثرية تترأس دولة تصنف على أنها واحدة من أفقر دول العالم. وتعليقا على الانتخابات، أشار المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية إلى أن “النظام الذي يعمل عليه حزب الرجل القوي يظل كما هو: فهو يجمع غالبية الوجهاء المحليين وموظفي الخدمة المدنية رفيعي المستوى والسياسيين المهنيين ورجال الأعمال وأقارب الضباط العسكريين، ويشكّل آلة رعاية واسعة تتغذى على الموارد العامة”.

بالإضافة إلى العنصرية من قبل غالبية العرب البربر (المور البيض) ضد (المور السود) والحراطين، أحفاد العبيد حيث لم تُلغ العبودية رسميا حتى عام 1981 ومازالت العديد من هياكلها قائمة حتى اليوم والتي تعتبر دافعا قويا للسخط. ويشير المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية إلى أن “استقرار النظام يقوم على آليات الإقصاء الاجتماعي والسياسي التي أثبتت أنها قاتلة في التاريخ الحديث للبلاد، وكذلك في العديد من جيرانها في منطقة الساحل اليوم”.

وقد يجلب حقل الغاز البحري الكبير تورتو/أحميم، الذي يتم تطويره بالاشتراك مع السنغال المجاورة، ثروة كبيرة لموريتانيا. ومع ذلك، وما لم يتم تقاسم الثروة بشكل عادل وشامل، يمكن أن يجد البلد نفسه ينجذب إلى حركات التمرد الإرهابية التي تهدد الآن بابتلاع جيرانه في منطقة الساحل.

ويعتبر تقرير صادر عن منظمة “سايف وورلد” بعنوان “المساعدة الأمنية الأوروبية: البحث عن الأمن في الساحل” أن تركيز أوروبا على الحلول العسكرية لمكافحة الإرهاب الجهادي هو استراتيجية معيبة وفاشلة. وتمتد منطقة الساحل من موريتانيا على المحيط الأطلسي عبر أفريقيا إلى حدود تشاد مع السودان. وبالإضافة إلى هذين البلدين، تشكل مالي والنيجر وبوركينا فاسو الدول الأخرى في مجموعة الساحل الخمس.

وبحسب التقرير تفترض العديد من البرامج أن قدرة قوات الدولة هي شرط مسبق للاستقرار والتنمية ولحماية أوروبا وبالتالي، فإن بناء قدرات القوات العسكرية والأمنية هو التركيز الأكبر.

وبحسب ذات التقرير “خُصّص حوالي 490 مليون يورو، من بين 710 ملايين يورو من المشاريع التي تدعم الجهات الأمنية في منطقة الساحل، لتدريب قوات الأمن وتجهيزها لمحاربة الجماعات المسلحة وتأمين الحدود سهلة الاختراق”.

وتسعى أوروبا بتركيزها على أمن الحدود لوقف تدفق المهاجرين الفارين من الحرب والفقر في منطقة الساحل. ولهذا التكتيك جانب مربح، فبين 2013 و2019 باعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أسلحة بلغت قيمتها 400 مليون يورو إلى منطقة الساحل (بالإضافة إلى التبرع بمعدات عسكرية).

وشهدت موريتانيا موجة من العنف الإرهابي في الفترة الممتدّة من 2005 إلى 2011 بتحريض كبير من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ومع ذلك، نجحت السلطات الموريتانية على مدى العقد الماضي في القضاء على التهديد الإرهابي باستخدام مزيج من الاستجابات الأمنية الصارمة والاستراتيجية الأيديولوجية التي أكدت على الإسلام المتسامح في البلاد المخالف لتطرف القاعدة السلفي العنيف.

وليس هذا هو الحال في دول الساحل الأخرى. ففي يناير 2020، أُعلن عن تحالف منطقة الساحل بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رد على تنامي حركات التمرد الجهادية.

ويقوم التحالف على أربع ركائز، تتعامل ثلاث منها بشكل شبه حصري مع الردود العسكرية على الأمن. ويشمل الهدف الرابع “المساعدة التنموية” وهو “الاستجابة للتحديات المتعلقة بالتوظيف والفقر والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية في بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد”.

وينظر إلى إنشاء تحالف أمني على أنه محاولة من الرئيس ماكرون للابتعاد عن الوجود العسكري الأجنبي الرائد في منطقة الساحل. وأعلن في يونيو 2021 أن فرنسا ستقلص التزامها العسكري. ويوجد حاليا 5100 جندي في قوة مكافحة الإرهاب في عملية برخان، والتي تشكّلت في الأصل لمحاربة الإسلاميين في مالي في 2012. وستغادر القوات بحلول ربيع العام المقبل. ومع ذلك، كان ماكرون حريصا على طمأنة قادة دول الساحل الخمس، حيث ستحافظ فرنسا على وجود عسكري كبير في المنطقة عبر قوة دولية يشكل 600 جندي فرنسي “عمودها الفقري”.

كما يشير تقرير “سايف وورلد” إلى “انشغال أوروبا بالهجرة والإرهاب” مشددا على أن “التركيز على تعزيز قدرة قوات الدولة على مكافحة التهديدات قصيرة المدى يقوض حساسية النزاع، والأمن البشري والمساواة بين الجنسين والعمل الفعال على دوافع الصراع”.

وفي مسعى لتفعيل مبادرة ماكرون نشرت المجتمعات المدنية في منطقة الساحل بدعم من الجهات الفاعلة الأفريقية والمجتمع المدني “ركائز الشعب الأربع” في يوليو 2020. واستنادا إلى القيود المفروضة على الحلول العسكرية فقط، تدعو الركائز الأربع إلى مكافحة الإفلات من العقاب، والاستجابة لحالات الطوارئ الإنسانية، وحماية المدنيين، وربما الأهم من ذلك “(إنشاء) استراتيجية سياسية شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن”.

كما أشار الخبير في الشؤون الأمنية والأكاديمي في جامعة كينغز كوليدج البريطانية أندرياس كريغ لموقع “عرب دايجست” إلى أن الإصرار على الحلول العسكرية في ما يسمى بـ”الحرب على الإرهاب” بعد 11 سبتمبر، كان هدية للجهاديين.

وأضاف “كانت الحرب العالمية على الإرهاب تركز في الغالب على محاربة الإسلام السياسي والراديكالي. وتستبعد جميع التهديدات الأخرى التي نراها اليوم عندما ننظر إلى الإرهاب… ليس السبب الجذري للتمرد هو الأيديولوجيا. إنه ليس الإسلام. السبب الجذري هو الحكم الفاشل”.

ويرى مراقبون أن فشل الحكم ودعم الغرب للأنظمة الكليبتوقراطية، بما في ذلك تسليحها دون قيود أو النظر في كيفية استخدام الأسلحة ضد المدنيين، هو الذي يغذي التمرد في منطقة الساحل.

المصدر