الخميس
2024/04/18
آخر تحديث
الخميس 18 أبريل 2024

العلاقة بين موريتانيا والجزائر أعمق مما يصور الإعلام/ محمد محمود ولد بكار

30 دجمبر 2021 الساعة 13 و49 دقيقة
العلاقة بين موريتانيا والجزائر أعمق مما يصور الإعلام/ (…)
محمد محمود ولد بكار
طباعة

زيارة عمل لمدة ثلاثة أيام إلى الجزائر: هكذا بدأ غزواني يحرك خيوط العلاقات الإستراتيجية للبلد.

الجزائر هي أول دولة وقفت معنا في تحقيق أهدافنا السيادية خاصة في قضيتي تأميم ميفرما والخروج من محور الإفرنك الإفريقي لمجموعة دول غرب إفريقيا خلال القمة الأورو-افريقية سنة 2008 في لشبونة، عاصمة البرتغال. وفي جناحه في أحد الفنادق بالعاصمة البرتقالية، وفي منطقة "كوركو فيلش" بالتحديد، قال لي الرئيس الفقيد سيدي ولد الشيخ عبد الله، رحمه الله، في ثنايا الحديث عن تأميم ميفرما وإنشاء اسنيم (التي كان موضوع بيعها لعملاق الحديد ميتال هو حديث الساعة في موريتانيا حينها) إن "المرحوم الرئيس المختار ولد داداه استدعاه سنة 1972 وقال له انه سيؤمّم شركة ميفرما"، وطلب منه أن "يبُقى الأمر طي الكتمان"، فكانت أول خطوة قاموا بها هي تعيين المهندس إسماعيل ولد أعمر على نصيب موريتانيا الذي لا يتجاوز 2% من أسهم الشركة من أجل الإطلاع على معلومات أكثر عن الشركة، كما استدعوا 4 أطر حينها من ضمنهم أحمد ولد داداه وأحمد ولد الزين وجينگ بوبوفاربا "للمشاركة في المهمة. وتوجهت الدولة الموريتانية للجزائر قصد الوقوف معها ودعمها في القرار: لتكوين بعض الأطر ومدهم ببعض الحاجات. وكانت الجزائر عند حسن الظن". نفس الموقف وقفته معهم أثناء تحضير خروجهم من عملة الإفرنك الغرب إفريقي، أي أن الجزائر كانت صديقة حميمة لدرجة أنها ظلت على إطلاع بقرارات خطيرة من هذا الحجم قبل إعلانها، كما أسست الجزائر مصفاة للنفط في موريتانيا، وكانت الشريك الأول لموريتانيا في تأسيس أول شركة للغاز في البلد .

موقفان آخران خلال محنتين لا يمكن نسيانهما: أولهما جفاف السبعينيات الماحق الذي ضرب موريتانيا، وكانت السيارات التي تنقل المعونات للأهالي في الداخل سيارات جزائرية. وثانيهما الأزمة مع السينغال، فقد فكانت الجزائر ثاني دولة تمدنا بالسلاح بعد العراق، وكونت جسرا جويا بين داكار ونواكشوط. وعندما شاهد قباطنة الجزائر الموريتانيين يعودون صفر اليدين والسينغاليين يحملون أمتعتهم، أجبروهم على المعاملة بالمثل بأن لا يصطحب أي راكب سينغالي معه أكثر من ملابسهه.

العلاقات بين موريتانيا والجزائر تحكمها القواسم المشتركة والوشائج العميقة المرتبطة بالقيم والنخوة والشرف. وقد ترجمتها الثقة العميقة من الجانب الموريتاني والدعم والمؤازرة من جهة الجزائر، حتى حرب الصحراء لم تجعل التوتر في العلاقة يتجاوز 5 سنوات، فقرار الحرب لم يكن مدروسا من الطرف الموريتاني، وكان أكبر خطأ ارتكبه المرحوم المختار ولد داداه. ومع ذلك، في وثيقة وقف الحرب التي تم توقعيها في الجزائر، حاولت الجزائر أن تحفظ ماء الوجه لموريتانيا بأن تطلب منها الاعتراف بحق الشعب الصحراوي في تحقيق مصيره، وأن تحتفظ موريتانيا بالأراضي التي احتلت في الحرب، لكن موريتانيا لم تصمد أمام المغرب.

العلاقة بين موريتانيا والجزائر عميقة جدا، وتحكمها الجغرافيا أيضا: 460كلم هي طول الحدود بين البلدين، تبدأ من مثلث ساخن (موريتانيا-الصحراء الغربية-المغرب)، وتنتهي بمثلث أكثر منه سخونة (موريتانيا-الجزائر-مالي). عند كل نقطة من هذه النقاط وضعية أمنية استراتيجية خطيرة: سلاح وحروب وحركات وتهريب. في النقطتين تفرض الجزائر وجودها وترفض أي تدخل دولي لا يأخذ بمعطيات الأرض حيث تسيطر الجزائر أو تملك مفاتيح رئيسية لأقفال الأزمات وحيث أن موريتانيا طرف مقابل يسجل أهميته باضطراد على الأرض، والجزائر تدعم ذلك وتؤمن به وتضعه في أولويات مقارباتها الأمنية، وبنفس القدر تعطي موريتانيا للتنسيق الأمني مع الجزائر الأولوية، هكذا ظلت العلاقة فوق الكثير من الاعتبارات.

الجزائر وموريتانيا تعتمدان رؤية استراتيجية وأمنية مشتركة ومتكاملة للعلاقة بينهما في المنطقة، تطورت معلوماتها ومعطياتها حتى صارت في مستوى لا يمكن لأي نظام أو رئيس في البلدين تغييرها إلا نحو الأحسن، وهكذا تكون فإن الجزائر، بإدخال الاقتصاد وزيادة الروابط بين الأهالي والمؤسسات في العلاقة بين البلدين، لا تسعى إلا لخلق مَحاور أخرى لتقوية تلك العلاقة، فقد أرسلت خلال عيد الاضحى الماضي سفينة عسكرية بها جنرال وعدد كبير من العسكر ليقضوا عطلة العيد مع إخوتهم في الأكاديمية العسكرية بانواذيبو كدليل على الإخوة، وهذا لا يقوم به سوى الأشقاء .كما فتحت معبرا حدوديا في إطار انفتاح اقتصادي على موريتانيا يتوقع أن يحقق تبادلا بقيمة 53مليون دولار عند نهاية السنة، وتوكيدا وتتويجا لتلك العلاقات ها هو الرئيس الجزائري يوجه دعوة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في زيارة عمل تدوم ثلاثة أيام، أي بدء دورة جديدة في العلاقات.

الجزائر تعرف جيدا الرئيس غزواني في إطار تسيير الملف الأمني والمقاربة الموريتانية، ولذلك بادرت إلى الاستفادة من استغلال الفرص التي يتيحها التعامل مع شخص من مستواه ودرجة انفتاحه وفهمه لعمق الرهانات والتحديات الأمنية التي هي أكبر عوائق التنمية في البلد.

هناك أيضا تطوير الانفتاح الذي تنوي الجزائر التوجه إليه نحو إفريقيا حيث أن موريتانيا هي الحلقة والأولى والمباشرة. وهكذا تريد الجزائر تطوير ذلك على أكثر من صعيد وتؤكد تشكيلة الوفد الموريتاني ذلك.

لن تكون السياسية والعلاقات المغربية بالبلدين بعيدة عن جدول الاعمال، لكن بالقدر الذي توضح فيه الجزائر موقفها الأخير وتداعياته الذي تعتبره محاولة مغربية لزعزعة الوضع الاجتماعي في الجزائر، فلن يكون للرئيس غزواني ما يضيفه للموقف التقليدي الموريتاني المتعلق بالحياد الإيجابي، لكني أتوقع أن غزواني لن يكتفي بالتفهم فقط، فلابد أن تكون له خطوة بين الأشقاء وعلى نحو لا يعكر صفو الضيف الشقيق.