الثلاثاء
2024/04/23
آخر تحديث
الثلاثاء 23 أبريل 2024

بعد انقلاب “بوركينا فاسو” الأخير .. “ذي إنترسبت”: لماذا تقوم أميركا بتدريب الإنقلابيين في إفريقيا ؟

31 يناير 2022 الساعة 11 و03 دقيقة
بعد انقلاب “بوركينا فاسو” الأخير .. “ذي إنترسبت”: لماذا (…)
طباعة

زعيم الانقلاب في “بوركينا فاسو”؛ هو الأحدث في سلسلة الجنود الذين درَّبتهم “الولايات المتحدة”، وانقلبوا على القادة المدنيين.

كتب “نيك تورس”؛ كاتب مساهم في موقع (ذي إنترسبت)، ويُغطي الأمن القومي والسياسة الخارجية، مقالًا حول الضباط الأفارقة الذين تدرَّبوا في “الولايات المتحدة” ثم عادوا إلى بلدانهم لينقبلوا على حكوماتهم المدنية، ويستهل الكاتب المقال بخبرٍ عن انقلاب “بوركينا فاسو” الأخير، إذ استولى الجيش على السلطة في “بوركينا فاسو”، في وقتٍ سابقٍ من الأسبوع الجاري، وأطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيًّا، “روش مارك كريستيان كابوري”.

وكان ضابطٌ شابٌ قد أعلن الانقلاب على التلفزيون الحكومي؛ يوم الإثنين، إذ علَّق الجيش الدستور وحلَّ الحكومة، وإلى جانبه جلس رجل يرتدي ملابس عسكرية قدَّمه على أنه زعيم “بوركينا فاسو” الجديد: اللفتنانت كولونيل “بول هنري سانداوغو داميبا”، قائد إحدى المناطق العسكرية الثلاث في البلاد.

و”داميبا”؛ جندي مدرب تدريبًا عاليًا، ويُرجع الفضل في ذلك إلى حدٍّ كبير إلى الجيش الأميركي، الذي يتمتع بسجلٍ طويلٍ في تدريب الجنود الأفارقة الذين يواصلون تنظيم الانقلابات، واتضح أن “داميبا” شارك في ما لا يقل عن ست مناورات أميركية، وفقًا للقيادة الأميركية في “إفريقيا”؛ (إفريكوم).

تمرين “فينتلوك” والانقلابات في غرب إفريقيا..

يُلفت “تورس” إلى أنه في عامي: 2010 و2020، شارك “داميبا” في برنامج تدريب سنوي للعمليات الخاصة معروف باسم: (تمرين فلينتلوك)، وفي عام 2013، قُبِل “داميبا” في دورة تدريب ومساعدة لعمليات الطواريء في “إفريقيا”، وهي عبارة عن برنامج تدريبي على “حفظ السلام” تموِّله “وزارة الخارجية” الأميركية، وفي عامي: 2013 و2014، حضر “داميبا” دورة ضباط المخابرات العسكرية الأساسية في “إفريقيا”، الذي ترعاه “الولايات المتحدة”. وفي عامي: 2018 و2019، شارك في إرتباطات مع عنصر الدعم العسكري المدني التابع لـ”وزارة الدفاع” الأميركية في “بوركينا فاسو”.

ويوضح الكاتب أن “داميبا”؛ هو أحدث الحلقات في سلسلة تضم قادةَ الانقلاب في “غرب إفريقيا”؛ درَّبها الجيش الأميركي، إذ ضخت “الولايات المتحدة” أكثر من مليار دولار من المساعدات الأمنية لتعزيز “الاستقرار” في المنطقة، ومنذ عام 2008، حاول الضباط الذين درَّبتهم “الولايات المتحدة” تنظيم ما لا يقل عن تسعة انقلابات؛ (ونجحوا في ثمانية على الأقل)، عبر خمس دول في “غرب إفريقيا”، بما في ذلك “بوركينا فاسو”: (ثلاث مرات)، و”غينيا” و”مالي”: (ثلاث مرات)، و”موريتانيا” و”جامبيا”.

ومنذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نشرت “الولايات المتحدة”؛ بانتظام، فرقًا صغيرة من (الكوماندوز)؛ لتقديم المشورة والمساعدة ومرافقة القوات المحلية، حتى في المعركة، كما قدَّمت الأسلحة والمعدات والطائرات، وعرضت عديدًا من أشكال التدريب، بما في ذلك تدريب (فلينتلوك)، الذي تُجريه قيادة العمليات الخاصة في “إفريقيا”، ويُركز على تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب لدول “غرب إفريقيا”، بما في ذلك: “بوركينا فاسو وغينيا ومالي وموريتانيا والنيجر ونيجيريا والسنغال”.

تقول “لورين وودز”، مديرة مراقبة المساعدة الأمنية، وهو برنامج تابع لـ”مركز السياسة الدولية” غير الربحي: “عندما تُعطي الولايات المتحدة الأولوية للتدريب التكتيكي، فإننا نتجاهل الأهداف الطويلة المدى التي يمكن أن تُوجِد حكومات أكثر استقرارًا؛ إننا بحاجة إلى مزيدٍ من الشفافية والنقاش العام حول التدريب العسكري الأجنبي الذي نُقدمه، كما أننا بحاجة إلى القيام بعمل أفضل بكثير فيما يتعلق بالتفكير في المخاطر الطويلة المدى؛ بما في ذلك الانقلابات والانتهاكات التي تقوم بها القوات التي نُدرِّبها”.

بناء جيوش محترفة..

تؤكد (إفريكوم) أن تعاونها الأمني: ​​و”أنشطة بناء القدرات”؛ تُعزز: “بناء جيوش محترفة”، تكون منضبطة وملتزمة برفاهية مواطنيها، وقالت المتحدثة باسم (إفريكوم)؛ “كيلي كاهالان”، لموقع (ذي إنترسبت): “عادة ما يتضمن التدريب العسكري وحداتٍ عن قانون النزاع المسلح، والخضوع للسيطرة المدنية، واحترام حقوق الإنسان، ولا يتوافق الاستيلاء العسكري على السلطة مع التدريب والتعليم العسكري الأميركي”؛ بيد أن الانقلابات التي يقوم بها الضباط الذين درَّبتهم “الولايات المتحدة” أصبحت أمرًا شائعًا على نحوٍ متزايد في “بوركينافاسو” وأماكن أخرى في المنطقة.

وفي الصيف الماضي، على سبيل المثال، وصلت قوات (القبعات الخضراء) الأميركية إلى “غينيا”؛ لتدريب وحدة من القوات الخاصة يقودها؛ الكولونيل “مامادي دومبويا”، وهو ضابط شاب ذو شخصية جذابة خدم أيضًا في الفيلق الأجنبي الفرنسي، وفي أيلول/سبتمبر، استقطع أعضاء وحدة “دومبويا” بعض الوقت من تدريباتهم المستمرة – التي كانت تُركز على تكتيكات الوحدات الصغيرة، والرعاية التكتيكية لضحايا القتال، وقانون النزاعات المسلحة – لاقتحام القصر الرئاسي، وإقالة رئيس البلاد؛ البالغ من العمر: (83 عامًا)، “ألفا كوندي”؛ وفي الحال أعلن “دومبويا” نفسه الزعيم الجديد لـ”غينيا”، وأنهت “الولايات المتحدة” التدريبات.

الانقلابات تتعارض مع التدريب الأميركي !

وفي عام 2020، ترأس الكولونيل “أسيمي غويتا”؛ الطغمة العسكرية التي أطاحت بحكومة “مالي”، وعمل “غويتا” مع قوات العمليات الخاصة الأميركية لسنوات، وشارك في تدريبات (فلينتلوك) وحضر ندوة جامعية عن العمليات الخاصة المشتركة في قاعدة (ماكديل) الجوية؛ في “فلوريدا”؛ يقول اللفتنانت كولونيل “أنطون تي سيميلروث”، المتحدث باسم (البنتاغون)، في ذلك الوقت: “عمل التمرد في مالي؛ مُدانٌ بشدة ويتعارض مع التدريب والتعليم العسكري الأميركي”.

وبعد الانقلاب، تنحى “غويتا” عن منصبه وتولى منصب نائب الرئيس في حكومة انتقالية مكلفة بإعادة “مالي” إلى الحكم المدني، لكن بعد تسعة أشهر، استولى على السلطة مرةً أخرى في انقلابه الثاني.

ويُشير “تورس” إلى أن “غوبتا” لم يكن حتى الضابط المالي الأول الذي درَّبته “الولايات المتحدة”؛ وأطاح بحكومة البلاد، موضحًا أنه، في عام 2011، عندما أطاحت انتفاضة مدعومة من “الولايات المتحدة”؛ في “ليبيا”، بالرئيس؛ “معمر القذافي”، نهبَ مقاتلو (الطوارق)؛ الذين يعملون لصالح “القذافي” مخابيء أسلحة النظام، وسافروا إلى موطنهم؛ “مالي”، وبدؤوا في السيطرة على الجزء الشمالي من ذلك البلد.

وبسبب غضبه من الاستجابة غير الفعَّالة لحكومة “مالي”، تولى “أمادو سانوغو” – وهو ضابط تعلم اللغة الإنكليزية في “تكساس”، وتلقى تدريبًا استخباراتيًّا في “آريزونا”، وخضع لتدريب أساس لضباط مشاة الجيش في “جورجيا” – زمام الأمور وأطاح بالحكومة المنتخبة ديمقراطيًّا، وبعد انقلاب عام 2012، قال “سانوغو”: “أميركا؛ بلد عظيم وتمتلك جيشًا رائعًا، وحاولتُ أن أضع كل الأشياء التي تعلمتها هناك موضع التنفيذ هنا”.

وفي عام 2014، استولى ضابط آخر درَّبته “الولايات المتحدة”، هو اللفتنانت كولونيل “إسحاق زيدا”، على السلطة في “بوركينا فاسو”؛ وسط احتجاجات شعبية، وقبل ذلك بعامين، عندما كان برتبة رائد، حضر “زيدا” دورة تدريبية حول مكافحة الإرهاب في قاعدة (ماكديل) الجوية؛ كانت ترعاها جامعة العمليات الخاصة المشتركة، وحضر دورة استخبارات عسكرية في “بوتسوانا” بتمويل من حكومة “الولايات المتحدة”.

انقلاب آخر في “بوركينا فاسو”..

وفي العام الذي تلى ذلك، وقع انقلاب آخر في “بوركينا فاسو”، ليضع الجنرال “جيلبرت دينديري”، على رأس السلطة، ولم يكن “دينديري” قد شارك في تمرين (فلينتلوك) لمكافحة الإرهاب؛ بقيادة “الولايات المتحدة”، فحسب، بل عمل أيضًا بوصفه ممثلًا رسميًّا له، إذ ظهر في صورة لـ (إفريكوم) يُخاطب جنود “بوركينا فاسو” قبل نشرهم في “مالي” لدعم تمرين (فلينتلوك)؛ 2010.

وفي عام 2014؛ واجه جيلين من الضباط المتعلمين في “الولايات المتحدة”؛ في “غامبيا”، بعضهما بعضًا، عندما حاولت مجموعة من الضباط الذين درَّبتهم “الولايات المتحدة”؛ القيام بانقلاب؛ (لكنها فشلت)، للإطاحة برئيس انقلابي آخر تدرَّب في “الولايات المتحدة”، هو “يحيى جامع”، الذي استعاد السلطة مرةً أخرى، وفي عام 1994، أودى التمرد الفاشل بحياة “لامين سانيه”، القائد المتورط في الانقلاب، الحاصل على درجة الماجستير من جامعة “الدفاع الوطني”؛ في “واشنطن” العاصمة.

وكتب “جيفري مايزر”، المعلم السابق لـ”سانيه”؛ في جامعة “الدفاع الوطني”، قائلًا: “لا أستطيع التخلص من الشعور بأن تعليمه في الولايات المتحدة قد أثَّر بطريقةٍ ما في أفعاله، ولا يسعني إلا أن أتساءل: هل كان مجرد تأثر طلابنا الأجانب بـ (البرنامج الأميركي)، يأتي بنتائج عكسية وغير أخلاقية”.

وفي عام 2008، ذكرت مجلة (ستارز آند سترايبس) الأميركية العسكرية؛ أن الجنرال “محمد ولد عبدالعزيز”، قائد انقلاب ضد رئيس “موريتانيا” المنتخب: “عمل مع القوات الأميركية التي تتدرب في الدولة الإفريقية”، وأُلقِي القبض على “عبدالعزيز”؛ واتهامه بالفساد بعد حكم استمر عشر سنوات، وأُفرِج عنه مؤخرًا بكفالة بسبب اعتلال صحته.

“عبدالفتاح السيسي” ينقلب على أول رئيس منتخب لـ”مصر”..

وينوِّه “تورس”؛ إلى أن الانقلابيين الذين درَّبتهم “الولايات المتحدة” لا يقتصرون على “غرب إفريقيا”، فقبل أن يُزيح؛ “عبدالفتاح السيسي”، أولَ رئيس مصري منتخب ديمقراطيًّا، “محمد مرسي”، عن السلطة، كان قد خضع لتدريبٍ عسكري في (فورت بينينغ)، “جورجيا”، (في عام 1981)، وتلقى تعليمًا متقدمًا في الكلية الحربية للجيش الأميركي؛ (في عام 2006).

وألقت دراسة أجرتها مؤسسة (راند) للأبحاث العسكرية؛ عام 2018، بظلال من الشك على فكرة أن التدريب العسكري الأميركي يولِّد انقلابيين.

وفقًا للدراسة، التي كُتِبت لمكتب وزير الدفاع ولاحظت أنه في فترةٍ ما بعد الحرب الباردة: “هناك أدلة محدودة على أن؛ (المساعدات الأمنية)، الشاملة (التي تُقاس بالدولار)؛ ترتبط بالنزوع إلى الانقلاب في إفريقيا”.

وقبل عامٍ واحدٍ، توصلت دراسة أجراها “غوناثان كافيرلي”؛ من الكلية الحربية البحرية الأميركية، و”جيسي سافاغ”؛ من كلية “ترينيتي كوليدغ”؛ بـ”دبلن”، ونشرت في (جورنال أوف بيس ريسيرش)، اعتمدت على تحليل البيانات من: عام 1970 إلى عام 2009، إلى: “وجود علاقة قوية بين تدريب الولايات المتحدة للجيوش الأجنبية ومحاولات الانقلاب المدعومة من الجيش”، على الرغم من أن المؤلفين قصرا تحليلهما على البرنامج الدولي للتعليم والتدريب العسكري؛ الذي يُركز صراحةً على تعزيز معايير السيطرة المدنية، بحسب ما يختم الكاتب.