الجمعة
2024/04/19
آخر تحديث
الجمعة 19 أبريل 2024

عودة "الدب الروسي".. هكذا تسعى موسكو لبسط نفوذها في أفريقيا

16 فبراير 2022 الساعة 18 و36 دقيقة
عودة
طباعة

رغم الغموض الذي يكتنف علاقات موسكو مع أفريقيا، إلا أن ما بات جليا هو عودة "الدب الروسي" إلى هذه القارة، حيث تسعى موسكو لإيجاد موطئ قدم لها في أفريقيا عبر توقيع اتفاقيات سياسية وعسكرية مع دول تعصف بها انقلابات عسكرية.

أفاد الجيش في مالي مطلع يناير / كانون الثاني بانتشار مئات المستشارين العسكريين الروس فيما تم دعوة عناصر ومتعاقدين من مجموعة "فاغنر" الروسية المثيرة للجدل "لمساعدة مالي في تدريب قواتها الأمنية".

وأثار هذا الأمر استياء وتساؤلات خاصة وأن مهمة تدريب قوات الأمن المالية كانت منوطة بها بعثة الاتحاد الأوروبية التدريبية.

بيد أن عقب الانقلاب في مالي عام 2020 والإطاحة بالرئيس الراحل الراحل إبراهيم بوبكر كيتا من قبل الكولونيل أسيمي غويتا الذي أدى اليمين كرئيس للبلاد في مايو / آيار العام الماضي ليواجه على وقع هذا عقوبات إقليمية ودولية بعد أن قام بتمديد الجدول الزمني المقرر لإجراء انتخابات رئاسية.

ولم يقف المجلس العسكري في مالي صامتا إزاء فرض عقوبات إذ اتخذ خطوات ضد القوات الأوروبية فقام بحظر طيران الطائرات العسكرية الألمانية في المجال الجوي وطرد السفير الفرنسي من البلاد وطالب بانسحاب القوات الدنماركية على الفور.

وفي الجوار الجنوبي لمالي، شهدت بوركينا فاسو انقلابا في يناير / كانون الثاني ليحذو الجيش حذو المجلس العسكري في مالي برفض تسليم السلطة إلى حكومة مدنية بل والتوجه صوب روسيا.

الربط بين التدريب الأجنبي والانقلابات

ولم تكن مالي أو بوركينا فاسو الدولتين في أفريقيا اللاتي شهدتا انقلابا عسكريا بل انضمت إلى هذا الركب دول أخرى مثل السودان وتشاد وغينيا كوناكري وغينيا بيساو خلال العام الماضي. بيد أن القاسم المشترك بين موجة الانقلابات التي عصفت بهذه البلدان كان أن معظم القادة العسكريين الذين قاموا بتدبيرها قد حصلوا على تدريب عسكري برعاية روسيا.

وفي مقابلة مع DW أواخر العام الماضي، قال جود ديفيرمونت، رئيس برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن، إن "الصفات التي بموجبها تم ترشيح هؤلاء القادة للحصول على تدريب أجبني كانت نفسها التي جعلتهم قادة فعالين لتدبير انقلابات".

ويُعتقد أن الضابطين في الجيش المالي مالك دياو وساديو كامارا هما العقل المدبر للانقلاب في مالي عام 2020 وكلاهما قد أمضى عاما في مدرسة القيادة العسكرية العليا في موسكو فضلا أن أنهما قد شاركا في بعثات عسكرية نظمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وعقب انقلاب مالي، قالت كيلي كاهالان، رئيسة فرع العمليات الإعلامية في أفريكوم لـ DW: " التمرد في مالي مدان بشدة ويتعارض مع التدريب والتعليم العسكري الأمريكي".

إحياء الدور السوفيتي في أفريقيا

من جانبها، ترى وتقول الخبيرة الروسية إيرينا فيلاتوفا، أستاذة الأبحاث في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، أن روسيا تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في افريقيا عن طريق إبراز نفسها كوسيط أمني لمواجهة "الإجماع الغربي" وتصدير نفسها في صورة "المدافع عن أفريقيا" في هدف يبدو أن الدول الغربية فشلت في تحقيقه.

بيد أن هذه ليست المرة الأولى التي تنخرط فيها روسيا في شؤون القارة الإفريقية إذ يعود الأمر إلى الحقبة السوفيتية. وخلال خمسينيات القرن الماضي، قدم الاتحاد السوفيتي الدعم لحركات التحرر في أنحاء أفريقيا فيما اقتصرت صادرات الأسلحة الروسية إلى أفريقيا على أسلحة وذخيرة خفيفة ومتوسطة في ذاك الوقت.

وقد حظى الانخراط السوفيتي في أفريقيا في ذاك الوقت بترحيب الكبير، حسبما قال النائب السابق لمحافظ البنك المركزي النيجيري ، عوبديا ميلافيا.

وفي مقابلة مع DW، أضاف "لولا الموقف الحازم الذي اتخذه الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة وذروة النضال الافريقي ضد الاستعمار، فإن العديد من بلداننا لن يكون بمقدورها نيل الاستقلال".

بيد أن هذا الدعم الروسي أخذ في التضاؤل مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، لكن حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مدار العقدين الماضيين إحياء الروابط مع أفريقيا التي تعود لحقبة الاستقلال بل وعمد على إحباط ما يُروج له بالسياسات الاستعمارية الغربية في إفريقيا.

وفي هذا السياق، قال ميلافيا إن روسيا الآن "في وضع قوي إلى حد ما حيث يمكن لأفريقيا الاستفادة من الاستثمارات ذات المنفعة المتبادلة والتعاون التجاري".

في المقابل، التزمت روسيا الصمت حيال القضايا والأوضاع السياسية في أفريقيا، لكنها استبدلت ذلك بشركات عسكرية خاصة مثل مجموعة فاغنر التي كانت بمثابة حلقة وصل وفتحت طريق أفريقيا أمام روسيا، وفقا لما أشارت إليه فيلاتوفا.

وأضافت في مقابلة مع DW أنه من الناحية الرسمية لم يتم دمج [هذه المجموعات العسكرية] في الإستراتيجية الروسية في أفريقيا، لكنه ما نلاحظه الآن هو أنها تأتي في المقدمة عند حدوث حالات من "عدم الاستقرار إذ تساعد في تأمين الشخصيات التي تولت زمام السلطة وكانت لها علاقات مع روسيا ".

يشار إلى أن عناصر من "مجموعة فاغنر" تنشط أيضا في جمهورية أفريقيا الوسطى حيث طالتها اتهامات بارتكاب انتهاكات خطيرة في مجال حقوق الإنسان.

ويبدو أن الأفلام لعبت دورا في لفت الانتباه تجاه عناصر مجموعة فاغنر شبه العسكرية إذ لعبوا دور البطولة في فيلم محلي حيث وظهروا كمدافعين عن جمهورية أفريقيا الوسطى ضد المتمردين. ولقى الفيلم إقبالا كبيرا حيث احتشد آلاف الأشخاص داخل استاد رئيسي في العاصمة بانغي لمشاهدة العرض الأول لهذا الفيلم في مايو / أيار العام الماضي. بيد أن قبل عرض الفيلم، ظلت عناصر فاغنر بعيدة عن الأنظار خاصة على ساحة المعارك في القارة الأفريقية.

تزايد النشاط الروسي

وخلال العقدين الماضيين، استطاعت لعبت روسيا دورا في إفريقيا بعيدا عن أعين الدول الغربية حيث قامت بإبرام اتفاقيات في مجال الطاقة النووية وتصدير الأسلحة لتصبح روسيا في الوقت الحالي أكبر مصدر للأسلحة إلى القارة الأفريقية.

وقد أشار إلى ذلك التقرير السنوي الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) عام 2020 إذ ذكر أن الصادرات العسكرية الروسية لأفريقيا مثلت 18٪ من إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة في الفترة ما بين عامي 2016 و 2020.

وكانت أول صفقة أسلحة روسية إلى أفريقيا يُعلن عنها في أبريل / نيسان 2020 عندما أعلنت شركة "روسوبورون إكسبورت"، وهي الشركة الروسية الوحيدة التابعة للدولة في مجال تصدير الأسلحة، عن بيع زوارق هجومية روسية الصنع إلى دولة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء لم يُفصح عن اسمها.

وقبل الإعلان عن هذه الصفقة بشهور وتحديدا في عام 2019 عُقد أول منتدى اقتصادي بين روسيا وأفريقيا في منتجع سوتشي الروسي بحضور قادة وزعماء وشخصيات أفارقة رفيعة المستوى.

استغلت روسيا هذا الحدث لتسليط الضوء على علاقات مع أفريقيا حيث استطاعت في ذلك الوقت ان تُظهر نفسها كحليف للعديد من الدول الافريقية التي كانت تحارب حركات تمرد خاصة في مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا حيث ناشدت هذه الدول موسكو عام 2018 مساعدتها في قتال تنظيمي داعش والقاعدة.

ولم تتوقف مساعي روسيا في تعزيز تواجدها في أفريقيا على الشق العسكري بل سعت إلى بيع التكنولوجيا النووية لعدد من البلدان الأفريقية مثل زامبيا ورواندا وإثيوبيا ومصر ونيجيريا حيث تبنى موسكو محطات للطاقة النووية.

ورغم الغموض الذي يكتنف علاقات موسكو مع أفريقيا، إلا أن ما بات جليا هو عودة الدب الروسي إلى القارة السمراء.