الخميس
2024/03/28
آخر تحديث
الخميس 28 مارس 2024

ممين بن بطوطة الموريتاني الذي تقيّده نواكشوط

20 فبراير 2022 الساعة 22 و06 دقيقة
ممين بن بطوطة الموريتاني الذي تقيّده نواكشوط
علي شندب
طباعة

عشية القمة العربية التي استضافتها نواكشوط عام 2016، ثارت ثائرة الموريتانيين على الوفد اللبناني الذي اختار الإقامة في الدار البيضاء وليس في البلد المضيف الذي لا يحمل مواصفات مطابقة بحسب تصريحات مهينة استشعرها الموريتانيون من الوزير وائل ابوفاعور الذي تحلّى بفضيلة الاعتذار الذي لم يطول ولم يخضع لحسابات كونية كالتي حصلت جراء تصريحات عبثية لوزير الاعلام المُستقال جورج قرداحي، أو كتلك التي أفضت الى استقالة وزير الخارجية السابق شربل وهبة واعتذاره عن تصريحات مهينة للبدو.
وبحكم متابعتي المهنية للشأن الموريتاني خصوصاً بعد الانقلاب على معاوية ولد الطايع والانقلابات التي أعقبته، وردتني سلسلة اتصالات موريتانية غاضبة بينها اتصال من الاعلامي الصديق محمد ولد ممين الذي استطال في شرح الجرح الذي تسبّبت به تصريحات ابو فاعور. وكان حديث مطوّل حول أهمية العمل على رتق الفتق الذي مسّ بمشاعر بلد المليون شاعر الذين انبرى بعضهم لتوثيق الواقعة بقصائد شعرية تطايرت أبياتها على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الاذاعات المسموعة والمرئية الموريتانية التي وصلت صداها الى بعض الاعلام اللبناني فضلا عن وسائل التواصل الاجتماعي.
بعيد انفجار مرفأ بيروت الهيروشيمي وما خلفه من مجزرة بشرية انسانية واقتصادية كشفت عن حجم الاهتراء في الدولة وبناها التحتية والفوقية الاقتصادية والمالية بفعل معادلة "غطّوا على سلاحنا، نغطّي على فسادكم" والتي تناسل منها معادلة جديدة اصطلح على تسميتها "ميليشيا المال والسلطة والسلاح" التي تطورت الى "منظومة الفساد والنيترانيوم والكابتغون" المعادلة الحاكمة للبنان، ومع تقاطر قوافل المساعدات العربية والأجنبية الى بيروت في محاولة لتضميد جراح اللبنانيين، هاتفني صديقي الموريتاني محمد ممين وسألني كيف يمكن لبلدي موريتانيا مساعدة لبنان؟
في تلك اللحظة استذكرت إهانة أبوفاعور فوراً، وتساءلت في سرّي أهي محاولة ردّ الاساءة بالإحسان؟ وقلت لصديقي أنظروا الى مساعدات الدول العربية واغزلوا على منوالها لو استطعتم. وبعد برهة صمت استرجعت فيها ما أعرفه عن ثروات موريتانيا الطبيعية، وتذكرت مناجم نواديبو العملاقة، والثروة السمكية الهائلة، قلت لصديقي ممين أن طائرة محملة بالأسماك ستكون لافتة وغير مسبوقة بين المساعدات الوافدة الى لبنان. سيّما وأنها ستذهب الى الناس مباشرة ولن يستفيد منها لصوص الهيكل.
بألمعية الصحفي تلقّف صديقنا الموريتاني الفكرة، وطرحها على وزير الخارجية الموريتاني الذي تلقفها بدوره مع مسؤولين آخرين ثمّ تحوّلت الى قرار رسمي اتخذه الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني. ووصلت الطائرة السمكية الى مطار بيروت دون أن تحظى بالتغطية الاعلامية المناسبة، وكلنا يذكر ما أثير يومذاك حول شاي سريلنكا وسمك موريتانيا في بيروت.
اذ نورد ما تقدم، فهذه المرّة بهدف الاضاءة على الاعلامي الزميل محمد عبدالله ممين والأدوار التي أداها بحس وطني كبير لأجل بلاده موريتانيا، والذي يتعرض هذه الفترة لافتئات الشرطة عليه بعد ثلاثة عقود احترافية من العمل الاعلامي الاذاعي والتلفزي الموريتاني والعربي والأجنبي.
قصة الزميل ممين التي بدأت يوم 8 فبراير/ شباط، سببها تدوينة نشرها على حسابه الفيسبوكي تضمنت شهادة لمصورَين يعملان معه، نقلا فيها تعرضهما للاعتداء من قبل شخص وصفوه بأنه قائد عصابة. الشرطة أصرّت أن الرجل قائد العصابة "مختل عقلياً"، وأن ما كتبه ممين "غير صحيح". لكن النائب العام تحدث عن تهمة "عدم الدقة" ثم أحال الاعلامي ممين الى الغرفة الجزائية في محكمة الجنح في نواكشوط دون تحديد موعد لمحاكمته، وذلك بعد خضوعه للتحقيق لعدة أيام من قبل الشرطة.
وفي تسجيل مصوّر نشره على حسابه في فيسبوك ثم انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، قال ممين أنه "سعى إلى لفت أنظار السلطة إلى قضية زميلَيه من باب التنوير ونقل الأخبار حرفياً من أشخاص يثق فيهم.. وأن لديه تسجيلات من الشهود وأن الشهود نقلوا للشرطة الشهادات نفسها من دون تحريف".
ضغوط كبيرة تفرض من قبل الشرطة والقضاء وجهات رسمية أخرى على ممين بهدف دفعه الى الاعتذار والتراجع عن مضمون التدوينة كمدخل لتجاوز القضية وطي الملف، لكن ممين يرفض الاعتذار مستنداً الى ما يعتبره ممارسة واجبه المهني والأخلاقي في نقل الخبر والمعلومة، وحماية أمن زملائه.
هذه الواقعة باتت قضية حريات ورأي عام، خصوصا بعد التفاعل الكبير والواسع الذي تحظى به من قبل نخب سياسية واعلامية وثقافية موريتانية رفعت صوتها مستنكرة ما يتعرض له ممين، وذلك بالنظر الى الحرفية والمهنية وأخلاقيات المهنة الذي لطالما ميّزوا ممين عن كثير من زملائه، ما أكسب الرجل سمعة رفيعة معروفة لدى الجسم الاعلامي العربي والاوروبي، كما أكسبه لقب "ابن بطوطة الموريتاني" وذلك لمرابضته في ميادين الأحداث الساخنة من العراق الى ليبيا وسوريا ولبنان والصومال ودارفور وافغانستان وغيرهم، فضلاً عن تزاملنا في تغطية الكثير من القمم والمؤتمرات العربية والافريقية والدولية.
واجب الزمالة والرفقة والصداقة مع الصديق ممين، أقانيم تفرض علينا واجب التضامن معه، والتأكيد بأن قضيته باتت قضية رأي عام، وليست ملفاً أمنياً. واجب، يفرض علينا التوجه مباشرة الى أب الموريتانيين جميعاً الرئيس محمد ولد الغزواني ودعوته بما يتمتع به من حكمة وحنكة وكياسة ودقة تقدير للموقف، المبادرة السامية الى وضع يده على هذا الملف وإخراجه من العبث الذي يجري فيه ومعالجته بالمحبة، وليس بتكسير الأقلام ولي عنق الكلمة، وكلنا ثقة أن ولد الشيخ الغزواني سيكون في الموعد وعند حسن الظن به. وفيما لو أن صدر ساسة وشرطة موريتانيا قد ضاق بولد ممين، فليعلموا أن كل بلاد العرب من طنجة الى بيروت تحتضنه وتحتاجه.

علي شندب