الخميس
2024/04/18
آخر تحديث
الخميس 18 أبريل 2024

المحيط والقصيدة وشنقيط

24 فبراير 2022 الساعة 10 و03 دقيقة
المحيط والقصيدة وشنقيط
محمد عبدالله البريكي
طباعة

المحيط والقصيدة يلتقيان في شنقيط، لقاؤهما لقاء الأنداد، فالمحيط وافر بعطاء تقف على مائه المراكب، وعلى شاطئه البحّارة يعرضون ما تجود به أعماقه من خير، والقصيدة تقف بشموخ وهي تغنّي للصحراء بالحُداء، وتلوّن المدن بالترانيم، وتجري في شرايين المواجد إيقاعات الحروف. وإذا كانت أعماق المحيط زاخرة بالخير، فإن تحت ظلال الأشجار وفي الشوارع وحول الأحجار تجري مياه القصيدة.
إنها شنقيط مهبط البوح وعرين اللغة، فالناس تحتفي بالأشعار كما تحتفي الأرض بالأمطار، وهذا ما لمسته من قرب في مهرجان نواكشوط للشعر العربي. ففي كل دورة من دوراته تكتشف الجديد الآسر، وكأن هذه الأرض تنبت الشعراء الذين تحتفي بهم الأمسيات، وتصفق لهم القلوب في القاعات.
وخلال حضوري مع وفد إمارة الشارقة لستّ دورات من دورات مهرجان نواكشوط للشعر، اتسعت المساحة التي سكنها مجانين الشعر، أبناء الغيم العاشق، الذين جعلوا الحياة جميلة بعزفهم، فرفدوا بتجليات نبضهم الكثير من الفعاليات، وامتدّ هذا الضوء إلى فعاليات ومهرجانات خارج حدودها، ليقف أصدقاء الحرف والتجلّي، أبناء موريتانيا على المنابر وقوفاً يهزّ ويطرب.
وفي الدورة السابعة لمهرجانها الشعري السنوي الذي يقام في ظل معاناة الأرض جائحةَ كورونا، تشعر بأن الأرض تتعافى بديوان العرب، وتنفض عن كاهلها رعب الأيام، وتعب الأسقام، فكما أن المحيط لم يبخل بكنوزه، فإن الشعر لن يتوقف في هذه الأرض المعطاء التي تحتفي بالجديد، ففي كل دورة ولادة أسماء جديدة، وفي هذا المحيط الشعري الهادر نتأمل الصياغات الشعرية الرصينة، ونكتشف على بساط الإبداع الموريتاني، حفاوة الفكر والتشكيل اللغوي المعبّر عن إيقاعات تكشف جوهر البلاغة وعمق اللغة، وهو ما يجعلنا نتّحد بالوجدان عندما نصوغ هذه التجارب في صور ومعانٍ وأخيلة فاتنة في محيط القصيدة العربية التي ترعرعت منذ القدم على الجمال والرسوخ.
وهذا ما فهمته الشارقة برؤية صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الذي أطلق مبادرة «بيوت الشعر»، فهو يعلم أن اللغة لا ينفد عطاؤها، وأن الشعر يحتاج إلى منبر، وأن الإبداع يريد من يمسح عنه الغبار ليشرق، فسموّه يؤمن بما آمن به العرب من أنهم لن يتركوا الشعر حتى تترك الإبل الحنين، ومن عرف صحراء موريتانيا، سيعرف أن الإبل شاعرة، وأن المحيط جمهورها الذي يصغي إلى الحداة وهم يغنّون للحب والأرض والتواصل والسلام والإنسانية.

[email protected]

محمد عبدالله البريكي